quot;علينا أن نبدّل بنيان مجتمعنا، مظالمه، مناقبيته الفظيعة، التقسيمات التي اصطنعها بين الإنسان والإنسان، الحروب، الافتقار التام الى المودة والمحبة الذي يدمر العالم quot; كريشنامورتي
خلال تطور البشرية في مسيرتها عملت الأيديولوجيات ومؤسسات الدين والمرجعيات الروحية على تطويق رقاب الافراد والجماعات وجعلت الشعوب عرضة للاستكانة الى يقينيات وافكار أدت الى انقسامات حادة، تحولت بموجبها الارض الى تجمعات تقتنها كائنات عدائية، تمارس الفوقية تجاه بعضها البعض وتستخدم العنف وتسوغه، بل وتجعله أولوية وسببا لاستمرار وجودها وحقًَا مقدّسًا دائمًا من حقوقها المشروعة.
والعنف بكل انواعه ومستوياته، يكتنز quot;طاقة سلبية quot; مدمرة، ورغبة عارمة بالانتقام، والعمل على تطويع الآخر وتأديبه وإذلاله وادخاله في دائرة الخضوع والإذعان، هذه الطاقة ترتدّ بعنفٍ quot;مضادquot; وطاقة سلبية مرتدة، قد تتدخل فيها عوامل أخرى محيطة بها تجعلها أكثر او اقل تدميرًا.
هذه التفاعلات تدخل البشرية في quot;دوامة عنف حقيقية quot; تعمل quot;السياسات الدولية واستراتيجيتها quot;على التخفيف من حدّتها في مكان أوازكائها من مكان اخر، وفق ما تقتضيه مصالح الدول التي تكرس تحركها دورة رأس المال والاقتصاد، حيث ان السلطة والمال متلازمان، وممارسة السلطة تقتضي استخدام العنف، وبين ثالوث السلطة والمال والعنف تُطْحَن الشعوب ويستعبد الانسان.
فهل هناك من يتحمل مسؤولية هذا العنف دون سواه؟؟ وهل هذا الاستبداد سببه حضارة بعينها دون سواها؟؟ او سببه شعب معين؟؟؟ او سياسات اقليمية ومحاور دولية؟؟
بداية يجب ان نقبل ونقرّ اننا ككائنات بشرية مازلنا نمارس العنف ونعتمد أساليب عاجزة عن حل صراعاتنا، وان الاوضاع المتفاقمة تضعنا أما خيار جديد مغاير للمعهود وللمقبول المُتعارف عليه في حل النزاعات، فهناك حاجة انسانية حقيقية لاحداث نقلة quot;نوعيةquot; نغادر بموجبها quot;مستوى الواقع العنفي المستمر quot;الى مستوى انسانيquot;، اننا نحتاج الى تغيير جذري في البنى النفسية المحركة للسلوك الانساني، فالانسان هو محورالتغيير وتحقيق حريّته هي السبيل الى السلام، وحرّية الإنسان التي أعنيها هي حرية عارية عن اي شروط واشراطات، انها حرية تؤدي الى انفلات الكائن من قيود يرزح تحتها ابناء البشرية اليوم على اختلاف ألوانهم وألسنتهم.
كيف السبيل؟
الخطوة الاولى ربما تكون عبر quot;وعيquot; ما يدور حولنا، و تحقيق الانتباه واليقظة الى الشروط التي تتحكم بنا وتقودنا الى النزاعات والصراعات كلها، بدءًا من الصراعات الشخصية وصولا الى الحروب المدمرة، وذلك عبر جلاء quot;الرؤيةquot;، التي لا تتحصل ونحن نحمل في اذهاننا صورًا جاهزة معدة سلفًا عن الاشياء والامور؛ وهنا يكمن دور quot;وسائل الاعلامquot; السلبي، التي تعمل ليل نهار على quot;تكريس الصور النمطية الجاهزة quot; عن الاشياء.
ان يقظة الوعي تعني مغادرة واقع الصورة المتخيلة في الذهنية المثقلة بالاحكام المسبقة الى رؤية ماهو موجود فعلا.
ذاكرة العنف بين السيرورة التاريخية والذات الحضارية:
ان quot;رؤيةquot; الصراعات الحالية يقودنا بسهولة الى معرفة ان هناك رغبة عارمة عند الفرقاء المتنازعين نحو مزيد من quot;الأنوية الحضارية quot;، فهذا شيعي والاخر سني، وهذا مسيحي والاخر يهودي، وهذا كردي والآخر عربي، وهذا كاثوليكي والآخر أرثوذكسيّ... والعقلية التجمعية مثقلة بالاحكام الجاهزة المعدة سلفًا لإدانة كل طرف للطرف الآخر، ان عقلية كهذه لا يمكن ان تكون سلمية على الاطلاق وان اتخذت من الشعارات انبلها!
اننا كأفراد شاءت الأقدار ان نكون ابناء منطقة تُعد الأكثر سخونة في العالم، بل واكثرها استقطابًا للعنف وتوليدًا له، نحتاج لان نضع ايدينا على جراحنا النازفة بعيدا عن اية نماذج ترقيعية عبرحلول متكاملة تعبر فينا من واقع الصراع الى واقع الانسان ومنها:
اولا:الخروج عن جلد الذات المجتمعية والمقارنة الحضارية: فنحن لسنا خيرَ أمةٍ أُخرجت للناس ولسنا أسوأ أمة عرفتها البشرية، ولسنا شعبٌ مختارٌ كما اننا لسنا شعوبًا quot; سائمةquot;، اننا ببساطة quot;نحن على ما نحن عليهquot;...
ان المقارنة الدائمة بين الذوات والحضارات التي لم تهدف سوى لاثبات تفوق مجموعات بشرية على اخرى، أوقعتنا في quot;عقد دونية quot;مقيتة وانتماءات وعصبيات، اتخذت من ردود الفعل العُنفية سبيلا لها للدفاع عن quot;ذات منجرحةquot; خائفة على هويتها وصيرورتها، المشحونة بالانفعالات الغريزية، التي تعكس غطرسة البشر تجاه بعضهم البعض، وقسوتهم من أجل ارضاء تفوقهم الذاتي، وغرورهم بحجة انهم ابناء الله واحباؤه، وبحجة انهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر!
ان quot;العربquot; على سبيل المثال لا الحصر اعتادوا بشكل دائم على مقارنة حضارتهم بحضارة الاخرين، الامر الذي اوقعهم اما في quot;نرجسية مرضية قاتلة quot; او في quot;عقدة دونية مميتةquot;، بحيث أدانوا أنفسهم بشكل مبالغ فيه، اورفعوا من قدر أنفسهم لدرجة التأليه، واليك المقالات اليومية مثالا ينهال اما quot;جلدًا للذات حضارية quot; او دفاعا عنهاquot;....
اننا ككائنات انسانية لا نحتاج لهذه الدوامة أبدً!ّ بل الاجدى ان نصمت ونعمل بشكل بناء ونكون أكثر فعالية في اثراء الحضارة الانسانية ككل.
ثانيا: نقد الذات ومغادرة الذاكرة : انّ عدم ادانَة انفسنا والتوقف عن جلدنا للذات، لا يعني ان لا نتنقد ذواتنا الحضارية؛ بل لا بد من تفكير نقدي هادئ وعميق يخلصنا من ذاكرتنا التاريخية المثقلة بالجراح؛ ان مغادرة الذاكرة تحدث يقظة في انسانية الحضارة، وهي خروج عن مألوف الثقافة ومغادرة الماضي المستمر الى غير رجعة.
ثالثًا: التحررمن الفصام الحضاري: ان غالبية شعوب المنطقة، بكل مذاهبهم واثنياتهم يدينون بأديان توصف بأنها quot;سماوية quot;، وهي التي كانت في معظم الاحيان محرك الحروب والغزوات ووقودها! فهل المشكل في quot;جواهر الاديانquot;الداعية للمحبة وسلام الارواح ؟؟ ام في الممارسات القائمة على محاكمة الآخرين الخاضعة لشروط الذاكرة التاريخية الدامية؟؟
اننا نجد انفسنا امام تعقيدات حقيقية ولا منطقية، غير اننا نستطيع ان نستخلص ان حضارات واديان الأرض تعاني من quot;فصام حضاريquot; بالغ بين quot;الدين كحقيقة وجوهرquot; وquot;الدينquot; كممارسات وسياسات خاضعة للاحوال والازمنة ولشروط الذاكرة الحضارية المثقلة بعداء الامم تجاه بعضها البعض.
فالحضارة لا يمكن ان توصف بأنها إنسانية، مالم يكن الانسان فيها حرّا متساميًّا خارجًا عن توترات وازمات التناقض والصراعات، بحيث لا يكون نتاجًا رخيصًا لضلالات الامراء والحكام ورجال الدين ولتفاهات المتحاربين، وليس الباحث عن تفوق ذاتي أنوي....
فهل هذا الطرح مجرد quot;كلام بكلام quot;؟؟
لا،إنه بكل بساطة خطوة نحو quot;انسان حرّquot; ينتمي لكون يشع سلامًا!
وان أول الحكمة أن نعي quot;انسانيتناquot;!
ولا يَظُنن أحد ان بقاء الانسان يكون بزوال سواه!
ولن تبقى أجسادنا وقود تاريخٍ من نارٍ!
[email protected]
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com