فاز أوباما بإرادة أكثرية الشعب الأميركي، [52%]، رغم أننا من القلة الذين كانوا يرون ماكين هو الأجدر، والأغزر تجربة، والأكثر قدرة على مواجهات التحديات الكبرى، ولكن الإرادة الحرة للأكثرية اختارت أوباما، فنتمنى له النجاح في المهمات الخطيرة التي سيواجهها داخليا، وخارجيا.
فاز أوباما، ودخلنا في أيام التهاني والتبريكات، والرقصات البدوية العربية في السفارات الأميركية. أنه موسم الحديث المتكرر، المعاد، عن كون انتخاب أوباما quot;زلزالاquot; quot;سيغير العالمquot;. إنه موسم حلم روسيا بتهميش الدور الأميركي دوليا، وتطلع إسلاميي الأردن إلى أن quot;يكفّرquot; اوباما عن quot;سيئاتquot; أمريكا، وتوهم إيران بأن قنبلتها سوف تمر، وأما سي عمرو موسى فهو يدعو أوباما إلى quot;تغيير السياسة الأميركية بالمنطقةquot;، ومن قبله أمل رئيس الوزراء الكينيquot;في أن يساعد قريبه quot;نصف الكينيquot;، [التعبير لأمير طاهري]، أوباما، على تبني quot; أجندة أكثر تواضعاquot;! أما بعض كتابنا، فيتصورون أن أهمية أوباما كونه quot;يشكل للأشرار في منطقتنا ممرا آمنا للعبور السلمي، ويبرر لهم أي انسحاب سياسي من معسكر التطرف مع حفظ ماء الوجه لهمquot;، قاصدين مثلا السودان، وسوريا. وإيران. !
على هذا النمط تتوالى ردود الفعل المرحبة، الدولية، والعربية، وتهطل كالمطر الكثيف كل ساعة، وهي ردود فعل ترحيب، صادقة، أو منافقة، متضاربة، وهي متناقضة في المنطلقات، والغايات، ولكن يجمعها جميعا quot;أبلسةquot; بوش، وكل سياسات إدارته، وفي كل المجالات، الخارجية منها، والداخلية.
الرجل سوف يترك البيت الأبيض وسمعته السياسية متدنية جدا، ولكن هذهquot;الأبلسةquot; له لا يمكنها طمس أنه عمل الكثير لصالح الأمن الدولي، ولمنطقتنا. نعم هو رجل له الكثير مما عليه، ولكن له الكثير مما له، وليس من الإنصاف عدم إعطائه المكانة التي يستحقها.
لقد ساهمتْ في عملية الأبلسة قوى وتيارات ودول مختلفة، ولاسيما الشعبوية منها كفنزويلا. روسيا مثلا تهاجم، وتتهم بوش بتهديده للأمن العالمي بسبب مشروع الدرع الوقائي، مع أنه مشروع يعود لعهد ريغان، ومشروعه عن [ حرب النجوم]. قوى اليسار الغربي، والإسلاميون، وبعض الدول، أدانت حرب أفغانستان، مع أنها كانت دفاعا مشروعا عن النفس، وفي نفس الوقت، كانت دفاعا عن الأمن العالمي في وجه خطر الإرهاب الإسلامي. أما عملية الأبلسة، وخصوصا عربيا، وإسلاميا، فقد بلغت مداها مع حرب العراق، من مظاهرات في كل مكان، وهجمات وزير الخارجية الفرنسية السابق، والدول الكبرى التي وقفت ضد الحرب. أجل، إن إسقاط صدام أصبح المحور الأول لمعاداة بوش في الشارعين العربي، والإسلامي، ولتبشيع سياساته، ولو فككنا ظاهرة كراهية بوش لوجدنا أنها تنطلق في الحقيقة من هوس معاداة، وكراهية أميركا نفسها، خاصة وقد تعرض كل الرؤساء السابقين للحملات، حتى داخل أوروبا، ربما باستثناء جون كندي بالنسبة لفرنسا بسبب العلاقة الكاثوليكية.
إن بوش يوصف بكونه الوحش المتعطش للحروب، ولكن دون تحديد هذه الحروب، وعددها، حيث أن حربي البوسنة، وكوسوفو نشبتا في عهد كلينتون، وكلينتون هو الذي أنذر في شتاء 1997 و1998 نظام صدام باستخدام القوة ما لم ينصع لقرارات مجلس الأمن، وفي عهده سن قانون تحرير العراق الذي نفذه الرئيس بوش.
السيد عمرو موسى، كما ورد، يدعو اليوم إلى سياسة أميركية quot;جديدةquot; في المنطقة. فيا ترى، ماذا يقصد؟ هل نسى الجهود الكبرى لإدارة بوش للتوصل لحل سلمي عادل للقضية الفلسطينية، ولجوء القيادة الفلسطينية الشرعية دوما طلبا للتدخل الأمريكي؟ هل نسي أنه مع كل خطوة نحو الحل تقوم منظمة حماس بعمليات إرهابية تقطع الطريق على الحل؟ هل السيد الأمين العام ينسى دور إيران وسوريا، من خلال حماس، وحزب الله، في العمل لنسف كل محاولات التوصل لحلول سلمية للقضية الفلسطينية، ناهيكم عن تخريب لبنان؟ هل حقا يجهل ذلك، ولذا لم يفتح فاه حتى من باب العتاب؟! لماذا إذن يريدنا أن نعتقد بأن إدارة بوش هي التي عملت ضد مصالح الشعب الفلسطيني؟ ها هي منظمة حماس تخرق هدنة الأربعين يوما، وتبدأ بضرب الصواريخ، مما سيوتر الجو مجددا، ومما سيعطي حججا قوية للمتطرفين الصهاينة، وكأنما هذا الطرف الإسرائيلي، وذاك الطرف الفلسطيني، حليفان موضوعيا.
نقول كل هذا من باب الإنصاف، ولسوء حظ الرئيس بوش أن الأزمة الاقتصادية، والتسونامي التي عصفت بالأسواق المالية في العالم، حصلت في الأشهر الأخيرة من ولايته، وخلال الحملة الانتخابية. وهنا لا نريد الدفاع عن الرئيس بوش، ولكن يكفي أن نقول أن هذه الأزمة المالية هي عالمية وليست خاصة بأمريكا، كما إنها دورة ملازمة لطبيعة النظام الرأسمالي الذي بدوره يمتلك الآلية التصحيحيه، وقدرة على تجديد نفسه. كذلك الحلول التي اقترحتها إدارة بوش للأزمة أقرها الحزب الديمقراطي والرئيس المنتخب أوباما.
أما فيما يخص quot;أخطاء بوش الكبرىquot; في العراق، كما توصف عادة، فالرجل ساعد العراقيين على إسقاط النظام البعثي، ولكن العراقيين فشلوا في مساعدة أنفسهم، مما سهل على إيران وسوريا إرسال الإرهابيين ودعم فلول البعث على عرقلة العملية السياسية، وبالتالي تصعيد وتيرة القتل والتخريب. وفي هذه الحالة، فبدلاً من إلقاء اللوم على فلول البعث، والقاعدة، وإيران، وسوريا، في قتل العراقيين وتخريب مؤسساتهم الاقتصادية، استغل أعداء التغيير هذه الخسائر ليلقوها على عاتق بوش وquot;سوء تخطيطهquot;، بل راح الإعلام العربي، والإيراني يضلل الرأي العام العالمي ليدعي أن القوات الأمريكية هي التي تقتل العراقيين وليس الإرهاب الذي تسميه بـ quot;المقاومة الوطنيةquot;.
ها هو اليوم أوباما في الرئاسة: فإلى أي حد سيغير من السياسة الخارجية الأميركية بالنسبة للقضايا الأكثر التهابا: أفغانستان، العراق، النووي الإيراني، التشنج الروسي، سوريا، الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي؟
في مقال سابق لنا استندنا على تقرير موسع نشرته هيرالد تريبيون، المؤيدة لأوباما، حول تغييرات في عدد من التزاماته الانتخابية في السياسة الخارجية.
أما بالنسبة للعراق، فنعرف موقفه، وهو سحب القوات على دفعات، وإلى نهاية 2011، وهذا ما ورد في الاتفاقية الأمنية التي أيدتها إدارة بوش. إن أوباما لا يمكنه سحب القوات الأميركية حالا، كما تريد إيران وسوريا، والقوى المعادية داخل العراق. إنه رئيس الدولة الكبرى، ولن يتجاهل رأي المؤسسة العسكرية، والوضع العراقي الأمني ميدانيا، ومكانة الولايات المتحدة، وسمعتها دوليا. كلا، لا نعتقد أنه سيكون ذلك الهارب بجلد قواته، ويترك العراق غابة لإيران.
إن البرنامج النووي الإيراني هو الملف الأكثر سخونة الذي يواجه الإدارة الجديدة. الموقف العلني الرسمي لأوباما، خلال الحملة الانتخابية، هو التفاوض مع إيران بلا شروط مسبقة، ولكن تقرير الهيرالد تربيون ينقل عن بعض مساعديه تصريحات بأن موقفه اليوم هو عدم السماح لإيران بأي تخصيب لليورانيوم داخل أراضيها، أي اشتراط وقفه أولا، وها هو يعلن في أول مؤتمر صحفي مساء الجمعة بأن على إيران وضع حد لبرنامجها النووي، وان تتوقف عن دعم المجموعات الإرهابية، فهل هذا موقف يغاير موقف بوش؟؟، وهل يمكن أن يتفاوض دون ضمان وقف إيران لبرنامجها النووي العسكري؟؟ كما أنه، وردا على رسالة أحمدي نجاد، التي تطالبه بتغيير السياسة الأميركية، قال إن هناك اليوم رئيسا واحدا هو بوش. إن اوباما لن يقبل بحيازة إيران للسلاح النووي، ومن قبل هدد باستعمال القوة تجاه إيران لو جازفت بمهاجمة إسرائيل. نضيف أن بوش لم يرفض التفاوض مع إيران، وهو التفاوض الذي قاده الاتحاد الأوروبي، ووكالة الطاقة النووية، وحيث تعهد الاتحاد بمنح إيران حزمة من التنازلات، والمساعدات، إذا أوقفت التخصيب، لكن إيران هي التي تعلن رفضها بكل تحد للمجتمع الدولي، ونعتقد أن أية مفاوضات جديدة هدفها وقف التخصيب ستفشل هي الأخرى، كما أن بوش لم يهدد بقصف إيران، بل طالب بتشديد العقوبات، وهو محق في الطلب، لأن تشديد العقوبات مطلوب لتكثيف الضغط على نظام الملالي، ولابد أخيرا من التذكير بأنه قد جرت في العراق مباحثات غير رسمية أميركيةـ إيرانية حول العراق.
أما عن أفغانستان، فنعرف أن أوباما يعيرها أهمية استثنائية، وهو يعلن إصراره على محاربة طالبان والقاعدة، وذهب لحد التلويح بقصف باكستان لملاحقة الإرهابيين، وهو موقف لم يوافقه عليه ماكين، وquot;الملاكquot; أوباما قد ذهب لحد القول بأنه سيطارد بن لادن حتى يقتل.
بالنسبة لاجتاح جورجيا، فلم يتخذ بوش موقفا متشنجا، بل أدان الاجتياح بحزم، ولكنه لم يهدد، ولم يستخدم خطاب الحرب الباردة الذي يستخدمه بوتين، ولا نعتقد أن موقف أوباما سيكون أقل من هذا الموقف.
لقد حزنت لفشل ماكين، الذي برهن بعد فشله على رصانة سياسية فريدة، وعلى خلق سياسي رفيع، وعلى انطلاقه من المصلحة الأميركية أولا. لقد تعاهد على بذل كل جهد لمساعدة أوباما، ودعا ناخبيه لذلك.
لقد كانت الانتخابات الأميركية نموذجية، والمرشحان يمثلان الديمقراطية الأميركية الراسخة، الرائدة، الملهمة، ونحن نتمنى من القلب أن ينجح الرئيس الجديد في التصدي للتحديات الكبرى التي تواجه أميركا داخليا، كالأزمة المالية المستفحلة، وخارجيا، وقد توقفنا لدى عدد من تلك التحديات.
إن السياسة الخارجية الأميركية لا يمكن أن تنقلب على نفسها عشوائيا بمجرد تغيير الإدارات، وهذا ما يغمض العرب أنظارهم عنه، متوهمين أن الرئيس الجديد سيمارس من الدبلوماسية الناعمة، المتساهلة، ما يتحول معه الأشرار أخيارا، فتتخلى إيران عن مشروع القنبلة، وتقبل حماس بالحل السلمي، ويكف النظام السوري عن حلم العودة لبسط السيطرة على لبنان، ألخ..
فاز أوباما، ودخلنا في أيام التهاني والتبريكات، والرقصات البدوية العربية في السفارات الأميركية. أنه موسم الحديث المتكرر، المعاد، عن كون انتخاب أوباما quot;زلزالاquot; quot;سيغير العالمquot;. إنه موسم حلم روسيا بتهميش الدور الأميركي دوليا، وتطلع إسلاميي الأردن إلى أن quot;يكفّرquot; اوباما عن quot;سيئاتquot; أمريكا، وتوهم إيران بأن قنبلتها سوف تمر، وأما سي عمرو موسى فهو يدعو أوباما إلى quot;تغيير السياسة الأميركية بالمنطقةquot;، ومن قبله أمل رئيس الوزراء الكينيquot;في أن يساعد قريبه quot;نصف الكينيquot;، [التعبير لأمير طاهري]، أوباما، على تبني quot; أجندة أكثر تواضعاquot;! أما بعض كتابنا، فيتصورون أن أهمية أوباما كونه quot;يشكل للأشرار في منطقتنا ممرا آمنا للعبور السلمي، ويبرر لهم أي انسحاب سياسي من معسكر التطرف مع حفظ ماء الوجه لهمquot;، قاصدين مثلا السودان، وسوريا. وإيران. !
على هذا النمط تتوالى ردود الفعل المرحبة، الدولية، والعربية، وتهطل كالمطر الكثيف كل ساعة، وهي ردود فعل ترحيب، صادقة، أو منافقة، متضاربة، وهي متناقضة في المنطلقات، والغايات، ولكن يجمعها جميعا quot;أبلسةquot; بوش، وكل سياسات إدارته، وفي كل المجالات، الخارجية منها، والداخلية.
الرجل سوف يترك البيت الأبيض وسمعته السياسية متدنية جدا، ولكن هذهquot;الأبلسةquot; له لا يمكنها طمس أنه عمل الكثير لصالح الأمن الدولي، ولمنطقتنا. نعم هو رجل له الكثير مما عليه، ولكن له الكثير مما له، وليس من الإنصاف عدم إعطائه المكانة التي يستحقها.
لقد ساهمتْ في عملية الأبلسة قوى وتيارات ودول مختلفة، ولاسيما الشعبوية منها كفنزويلا. روسيا مثلا تهاجم، وتتهم بوش بتهديده للأمن العالمي بسبب مشروع الدرع الوقائي، مع أنه مشروع يعود لعهد ريغان، ومشروعه عن [ حرب النجوم]. قوى اليسار الغربي، والإسلاميون، وبعض الدول، أدانت حرب أفغانستان، مع أنها كانت دفاعا مشروعا عن النفس، وفي نفس الوقت، كانت دفاعا عن الأمن العالمي في وجه خطر الإرهاب الإسلامي. أما عملية الأبلسة، وخصوصا عربيا، وإسلاميا، فقد بلغت مداها مع حرب العراق، من مظاهرات في كل مكان، وهجمات وزير الخارجية الفرنسية السابق، والدول الكبرى التي وقفت ضد الحرب. أجل، إن إسقاط صدام أصبح المحور الأول لمعاداة بوش في الشارعين العربي، والإسلامي، ولتبشيع سياساته، ولو فككنا ظاهرة كراهية بوش لوجدنا أنها تنطلق في الحقيقة من هوس معاداة، وكراهية أميركا نفسها، خاصة وقد تعرض كل الرؤساء السابقين للحملات، حتى داخل أوروبا، ربما باستثناء جون كندي بالنسبة لفرنسا بسبب العلاقة الكاثوليكية.
إن بوش يوصف بكونه الوحش المتعطش للحروب، ولكن دون تحديد هذه الحروب، وعددها، حيث أن حربي البوسنة، وكوسوفو نشبتا في عهد كلينتون، وكلينتون هو الذي أنذر في شتاء 1997 و1998 نظام صدام باستخدام القوة ما لم ينصع لقرارات مجلس الأمن، وفي عهده سن قانون تحرير العراق الذي نفذه الرئيس بوش.
السيد عمرو موسى، كما ورد، يدعو اليوم إلى سياسة أميركية quot;جديدةquot; في المنطقة. فيا ترى، ماذا يقصد؟ هل نسى الجهود الكبرى لإدارة بوش للتوصل لحل سلمي عادل للقضية الفلسطينية، ولجوء القيادة الفلسطينية الشرعية دوما طلبا للتدخل الأمريكي؟ هل نسي أنه مع كل خطوة نحو الحل تقوم منظمة حماس بعمليات إرهابية تقطع الطريق على الحل؟ هل السيد الأمين العام ينسى دور إيران وسوريا، من خلال حماس، وحزب الله، في العمل لنسف كل محاولات التوصل لحلول سلمية للقضية الفلسطينية، ناهيكم عن تخريب لبنان؟ هل حقا يجهل ذلك، ولذا لم يفتح فاه حتى من باب العتاب؟! لماذا إذن يريدنا أن نعتقد بأن إدارة بوش هي التي عملت ضد مصالح الشعب الفلسطيني؟ ها هي منظمة حماس تخرق هدنة الأربعين يوما، وتبدأ بضرب الصواريخ، مما سيوتر الجو مجددا، ومما سيعطي حججا قوية للمتطرفين الصهاينة، وكأنما هذا الطرف الإسرائيلي، وذاك الطرف الفلسطيني، حليفان موضوعيا.
نقول كل هذا من باب الإنصاف، ولسوء حظ الرئيس بوش أن الأزمة الاقتصادية، والتسونامي التي عصفت بالأسواق المالية في العالم، حصلت في الأشهر الأخيرة من ولايته، وخلال الحملة الانتخابية. وهنا لا نريد الدفاع عن الرئيس بوش، ولكن يكفي أن نقول أن هذه الأزمة المالية هي عالمية وليست خاصة بأمريكا، كما إنها دورة ملازمة لطبيعة النظام الرأسمالي الذي بدوره يمتلك الآلية التصحيحيه، وقدرة على تجديد نفسه. كذلك الحلول التي اقترحتها إدارة بوش للأزمة أقرها الحزب الديمقراطي والرئيس المنتخب أوباما.
أما فيما يخص quot;أخطاء بوش الكبرىquot; في العراق، كما توصف عادة، فالرجل ساعد العراقيين على إسقاط النظام البعثي، ولكن العراقيين فشلوا في مساعدة أنفسهم، مما سهل على إيران وسوريا إرسال الإرهابيين ودعم فلول البعث على عرقلة العملية السياسية، وبالتالي تصعيد وتيرة القتل والتخريب. وفي هذه الحالة، فبدلاً من إلقاء اللوم على فلول البعث، والقاعدة، وإيران، وسوريا، في قتل العراقيين وتخريب مؤسساتهم الاقتصادية، استغل أعداء التغيير هذه الخسائر ليلقوها على عاتق بوش وquot;سوء تخطيطهquot;، بل راح الإعلام العربي، والإيراني يضلل الرأي العام العالمي ليدعي أن القوات الأمريكية هي التي تقتل العراقيين وليس الإرهاب الذي تسميه بـ quot;المقاومة الوطنيةquot;.
ها هو اليوم أوباما في الرئاسة: فإلى أي حد سيغير من السياسة الخارجية الأميركية بالنسبة للقضايا الأكثر التهابا: أفغانستان، العراق، النووي الإيراني، التشنج الروسي، سوريا، الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي؟
في مقال سابق لنا استندنا على تقرير موسع نشرته هيرالد تريبيون، المؤيدة لأوباما، حول تغييرات في عدد من التزاماته الانتخابية في السياسة الخارجية.
أما بالنسبة للعراق، فنعرف موقفه، وهو سحب القوات على دفعات، وإلى نهاية 2011، وهذا ما ورد في الاتفاقية الأمنية التي أيدتها إدارة بوش. إن أوباما لا يمكنه سحب القوات الأميركية حالا، كما تريد إيران وسوريا، والقوى المعادية داخل العراق. إنه رئيس الدولة الكبرى، ولن يتجاهل رأي المؤسسة العسكرية، والوضع العراقي الأمني ميدانيا، ومكانة الولايات المتحدة، وسمعتها دوليا. كلا، لا نعتقد أنه سيكون ذلك الهارب بجلد قواته، ويترك العراق غابة لإيران.
إن البرنامج النووي الإيراني هو الملف الأكثر سخونة الذي يواجه الإدارة الجديدة. الموقف العلني الرسمي لأوباما، خلال الحملة الانتخابية، هو التفاوض مع إيران بلا شروط مسبقة، ولكن تقرير الهيرالد تربيون ينقل عن بعض مساعديه تصريحات بأن موقفه اليوم هو عدم السماح لإيران بأي تخصيب لليورانيوم داخل أراضيها، أي اشتراط وقفه أولا، وها هو يعلن في أول مؤتمر صحفي مساء الجمعة بأن على إيران وضع حد لبرنامجها النووي، وان تتوقف عن دعم المجموعات الإرهابية، فهل هذا موقف يغاير موقف بوش؟؟، وهل يمكن أن يتفاوض دون ضمان وقف إيران لبرنامجها النووي العسكري؟؟ كما أنه، وردا على رسالة أحمدي نجاد، التي تطالبه بتغيير السياسة الأميركية، قال إن هناك اليوم رئيسا واحدا هو بوش. إن اوباما لن يقبل بحيازة إيران للسلاح النووي، ومن قبل هدد باستعمال القوة تجاه إيران لو جازفت بمهاجمة إسرائيل. نضيف أن بوش لم يرفض التفاوض مع إيران، وهو التفاوض الذي قاده الاتحاد الأوروبي، ووكالة الطاقة النووية، وحيث تعهد الاتحاد بمنح إيران حزمة من التنازلات، والمساعدات، إذا أوقفت التخصيب، لكن إيران هي التي تعلن رفضها بكل تحد للمجتمع الدولي، ونعتقد أن أية مفاوضات جديدة هدفها وقف التخصيب ستفشل هي الأخرى، كما أن بوش لم يهدد بقصف إيران، بل طالب بتشديد العقوبات، وهو محق في الطلب، لأن تشديد العقوبات مطلوب لتكثيف الضغط على نظام الملالي، ولابد أخيرا من التذكير بأنه قد جرت في العراق مباحثات غير رسمية أميركيةـ إيرانية حول العراق.
أما عن أفغانستان، فنعرف أن أوباما يعيرها أهمية استثنائية، وهو يعلن إصراره على محاربة طالبان والقاعدة، وذهب لحد التلويح بقصف باكستان لملاحقة الإرهابيين، وهو موقف لم يوافقه عليه ماكين، وquot;الملاكquot; أوباما قد ذهب لحد القول بأنه سيطارد بن لادن حتى يقتل.
بالنسبة لاجتاح جورجيا، فلم يتخذ بوش موقفا متشنجا، بل أدان الاجتياح بحزم، ولكنه لم يهدد، ولم يستخدم خطاب الحرب الباردة الذي يستخدمه بوتين، ولا نعتقد أن موقف أوباما سيكون أقل من هذا الموقف.
لقد حزنت لفشل ماكين، الذي برهن بعد فشله على رصانة سياسية فريدة، وعلى خلق سياسي رفيع، وعلى انطلاقه من المصلحة الأميركية أولا. لقد تعاهد على بذل كل جهد لمساعدة أوباما، ودعا ناخبيه لذلك.
لقد كانت الانتخابات الأميركية نموذجية، والمرشحان يمثلان الديمقراطية الأميركية الراسخة، الرائدة، الملهمة، ونحن نتمنى من القلب أن ينجح الرئيس الجديد في التصدي للتحديات الكبرى التي تواجه أميركا داخليا، كالأزمة المالية المستفحلة، وخارجيا، وقد توقفنا لدى عدد من تلك التحديات.
إن السياسة الخارجية الأميركية لا يمكن أن تنقلب على نفسها عشوائيا بمجرد تغيير الإدارات، وهذا ما يغمض العرب أنظارهم عنه، متوهمين أن الرئيس الجديد سيمارس من الدبلوماسية الناعمة، المتساهلة، ما يتحول معه الأشرار أخيارا، فتتخلى إيران عن مشروع القنبلة، وتقبل حماس بالحل السلمي، ويكف النظام السوري عن حلم العودة لبسط السيطرة على لبنان، ألخ..
إنها لمجرد أحلام!
التعليقات