قاموس الاختلاف (2)
الإنهيار الأخلاقي: تشخيص شائع وسهل لأمراضنا الاجتماعية يجعل العلاج هو المزيد من التحكم في حريات الأفراد.
مما لاشك فيه أن أمراضنا الاجتماعية كثيرة فالجميع يرصد باستهجان التفاوت الهائل بين السفه والغنى الفاحش من جانب والفقر والعجز عن إشباع الحاجات الضرورية للحياة لدى عدد كبير من الناس من جانب آخر. كما أن مظاهر التخلف بادية لكل عين. وهذه المظاهر لا نستطيع تحديدها إلا بالمقارنة بالمجتمعات الأخرى. وغالباً مايتم في هذا الإطار الإشارة إلى تدهور مستوى الخدمات وانتشار الرشوة والفساد وضعف الأداء العلمي والتكنولوجي وكذلك استهانة النظم الحاكمة بإرادة الناس وتطلعاتها. وتحول التذمر من انتشار هذه المظاهر إلى تسلية الصباح والمساء في إجتماعات الأصدقاء والعائلات والدردشات العابرة مع سائقي التاكسيات.
أثناء هذه المناقشات نجد في الغالب من يرفع أصبع الاتهام مشيراً إلى السبب الأساسي وراء كل هذه المظاهر مطلقاً تعبيراً يكتسى بمسوح من العمق والوقار قائلاً: إنه إنهيار القيم أو الانهيار الأخلاقي أو ما شابه ذلك. ثم ينبري المتحدث في سرد الدلائل من خلال مقارنة مع الماضي، ولاسيما الذى كان فيه هذا المتحدث طفلاً صغيراً. وتتوالي الظواهر التى يبرزها المتحدث ليؤكد بها صدق رؤيته للأمور. فالأب في الماضي كانت لديه سطوة وهيبة يفتقد إليها الآباء المعاصرون. وتلاميذ اليوم أكثر تبجحاً أمام معلميهم. وبالنظر إلى ملابس طالبات الجامعة وماكياجهن يجعلنا نأسى لعدم وجود أب أو شقيق قادر على منع هذه المهزلة.
كل هذه الأمور قد تعبر عن نظرة محافظة للظواهر الاجتماعية من حق أصحابها أن يتبنوها ويدافعوا عنها. ولكن المشكلة تأتى عندما تتحول هذه النظرة من مجرد أراء يعبر عنها أصحابها إلى برامج سياسية ومؤسسات وقوانين. ويتم طرح هذه الرؤية دائماً باعتبارها هى الأفق العام للخروج من أزماتنا، والسبيل الوحيد لبدء مسيرة الإصلاح. وعند هذه النقطة تخرج المسألة من مجرد وجهة نظر محافظة إلى مشروع سياسي وخيم العواقب ينبغي لمن هو مهموم فعلاً بقضايا التقدم والعدل والحرية أن يتصدى له. فمثل هذا المشروع ينطوى على مخاطر عديدة تؤدي إلى تكريس التخلف وتفاقمه. وأهم هذه المخاطر:
أولاً: أنه يجعل من التخلف ومظاهر الخلل في الأداء الاجتماعي نوعاً من الغضب الإلهي الذى حل علينا بسبب سوء السلوك والتراخي في تنفيذ الأوامر الإلهية. وبالتالي لا يتم توجيه الأذهان إلى رصد مظاهر الخلل وأسبابه الحقيقية وقراءة معطيات العالم الذى نعيش فيه وإنما يتم توجيهها إلى محاولة استرضاء الآلهة كما كانت تفعل القبائل القديمة.
ثانياً: أنه ليس حلاً لأى مشكلة. لأن المشاكل التى تنشأ من فساد الضمائر أو خراب الذمم أهون بكثير من المشاكل التى تنشأ عن صياغة واقعنا السياسي والاقتصادي بما يضمن استمرار مصالح المنتفعين بالتخلف. وهي بنية لا صلة لها بالانهيار الأخلاقي، فافتقادنا لأبسط حقوق المواطنة ليس مرجعه انحرافنا عن الطريق المستقيم بقدر ما يرجع إلى أسلوب الحكم وآلية اتخاذ القرار.
ثالثاً: ليست المشكلة في أن حماية الأخلاق من الانهيار هي حل خاطئ فحسب بل هي تعمية عن رؤية الأسباب الحقيقية للتخلف وصرف للأنظار عن البحث عن سبل عقلانية لتحسين الأوضاع. ولهذا فهذه الدعوة للأخلاق الحميدة هي خير سند للمنتفعين باستمرار وضعنا المأزوم.
أن النتائج العملية لهذا التفسير لأمراضنا الاجتماعية بالانهيار الأخلاقي نرى ملامحها في حياتنا العربية المعاصرة حيث يمتلئ مجالنا الثقافي بمواعظ نحفظها عن ظهر قلب ورغم ذلك تُلقى على مسامعنا مراراً وتكراراً، وفي التزايد التدريجي لصور القهر والرقابة التى تمارس على السلوك اليومي للمواطنين وعلى محاولاتهم في التعبير الحر، وفى ذلك الميل المشئوم إلى دفع المرأة إلى العودة إلى سجن المنزل تفادياً للوقوع في الرذيلة بدلاً من فتح المجال أمامها التعليم والعمل وتولي المناصب القيادية.
أثناء هذه المناقشات نجد في الغالب من يرفع أصبع الاتهام مشيراً إلى السبب الأساسي وراء كل هذه المظاهر مطلقاً تعبيراً يكتسى بمسوح من العمق والوقار قائلاً: إنه إنهيار القيم أو الانهيار الأخلاقي أو ما شابه ذلك. ثم ينبري المتحدث في سرد الدلائل من خلال مقارنة مع الماضي، ولاسيما الذى كان فيه هذا المتحدث طفلاً صغيراً. وتتوالي الظواهر التى يبرزها المتحدث ليؤكد بها صدق رؤيته للأمور. فالأب في الماضي كانت لديه سطوة وهيبة يفتقد إليها الآباء المعاصرون. وتلاميذ اليوم أكثر تبجحاً أمام معلميهم. وبالنظر إلى ملابس طالبات الجامعة وماكياجهن يجعلنا نأسى لعدم وجود أب أو شقيق قادر على منع هذه المهزلة.
كل هذه الأمور قد تعبر عن نظرة محافظة للظواهر الاجتماعية من حق أصحابها أن يتبنوها ويدافعوا عنها. ولكن المشكلة تأتى عندما تتحول هذه النظرة من مجرد أراء يعبر عنها أصحابها إلى برامج سياسية ومؤسسات وقوانين. ويتم طرح هذه الرؤية دائماً باعتبارها هى الأفق العام للخروج من أزماتنا، والسبيل الوحيد لبدء مسيرة الإصلاح. وعند هذه النقطة تخرج المسألة من مجرد وجهة نظر محافظة إلى مشروع سياسي وخيم العواقب ينبغي لمن هو مهموم فعلاً بقضايا التقدم والعدل والحرية أن يتصدى له. فمثل هذا المشروع ينطوى على مخاطر عديدة تؤدي إلى تكريس التخلف وتفاقمه. وأهم هذه المخاطر:
أولاً: أنه يجعل من التخلف ومظاهر الخلل في الأداء الاجتماعي نوعاً من الغضب الإلهي الذى حل علينا بسبب سوء السلوك والتراخي في تنفيذ الأوامر الإلهية. وبالتالي لا يتم توجيه الأذهان إلى رصد مظاهر الخلل وأسبابه الحقيقية وقراءة معطيات العالم الذى نعيش فيه وإنما يتم توجيهها إلى محاولة استرضاء الآلهة كما كانت تفعل القبائل القديمة.
ثانياً: أنه ليس حلاً لأى مشكلة. لأن المشاكل التى تنشأ من فساد الضمائر أو خراب الذمم أهون بكثير من المشاكل التى تنشأ عن صياغة واقعنا السياسي والاقتصادي بما يضمن استمرار مصالح المنتفعين بالتخلف. وهي بنية لا صلة لها بالانهيار الأخلاقي، فافتقادنا لأبسط حقوق المواطنة ليس مرجعه انحرافنا عن الطريق المستقيم بقدر ما يرجع إلى أسلوب الحكم وآلية اتخاذ القرار.
ثالثاً: ليست المشكلة في أن حماية الأخلاق من الانهيار هي حل خاطئ فحسب بل هي تعمية عن رؤية الأسباب الحقيقية للتخلف وصرف للأنظار عن البحث عن سبل عقلانية لتحسين الأوضاع. ولهذا فهذه الدعوة للأخلاق الحميدة هي خير سند للمنتفعين باستمرار وضعنا المأزوم.
أن النتائج العملية لهذا التفسير لأمراضنا الاجتماعية بالانهيار الأخلاقي نرى ملامحها في حياتنا العربية المعاصرة حيث يمتلئ مجالنا الثقافي بمواعظ نحفظها عن ظهر قلب ورغم ذلك تُلقى على مسامعنا مراراً وتكراراً، وفي التزايد التدريجي لصور القهر والرقابة التى تمارس على السلوك اليومي للمواطنين وعلى محاولاتهم في التعبير الحر، وفى ذلك الميل المشئوم إلى دفع المرأة إلى العودة إلى سجن المنزل تفادياً للوقوع في الرذيلة بدلاً من فتح المجال أمامها التعليم والعمل وتولي المناصب القيادية.
التعليقات