خرجت الى العلن في الأيام الأخيرة مشاعر عدائية إيرانية واضحة تجاه دول الخليج العربية خصوصا وتجاه العرب عموما. بلغت العدائية ذروتها بتظاهرة نسائية أمام سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في طهران رفعت شعارات ولافتات تندد بما تعتبره محاولات لتسمية الخليج quot;الفارسيquot;، من وجهة نظر طهران، بquot;الخليج العربيquot;. الموضوع أبعد بكثير من تظاهرة quot;عفويةquot; في طهران أمام مقرّ سفارة دولة عربية تندد بما تسميه محاولات لأطلاق تسمية الخليج العربي على ما تعتبره إيران خليجا فارسيا... أو تشير الى تطلع إيراني نحو ضم البحرين. أنه مرتبط بسياسة إيرانية صارت تسعى ألى الهيمنة على نحو مكشوف على كل ما هو في متناولها، أو تظن أنه في متناولها.
لا تعود تسمية الخليج مهمة حين يكون هناك تفاهم بين الدول المطلة عليه بما يسمح بأن يكون بحيرة سلام في منطقة ذات أهمية أستراتيجية في ضوء ما تحويه أرضها ومياهها من ثروات يحتاج العالم، خصوصا العالم الصناعي، إليها. ولذلك، في استطاعة العرب تسميته الخليج العربي والفرس الخليج الفارسي. كما في أستطاعة من يشاء تسميته الخليج الإسلامي ما دامت كل الدول المطلة عليه إسلامية من دون إستثناء.
تشكّل التظاهرة النسائية تعبيرا عن رغبة إيرانية في إنتهاج سياسة وقحة ذات طابع هجومي تختلف الى حد كبير عن تلك المعتمدة في السنوات الأخيرة. يستدعي الدهاء الإيراني في المرحلة الراهنة الأنتقال من المهادنة والمداهنة الى تخويف الآخر لأسباب داخلية تستدعي القول للعالم أن ايران قوية ولا تخشى أحدا. ربما تبدو أيران في حاجة الى طمأنة نفسها أوّلا الى انها قوية في وقت تعاني من نقاط ضعف لا تحصى. وربما أيضا، هناك طبيعة الرئيس الأيراني محمود أحمدي نجاد التي فرضت النمط الجديد للسياسة الإيرانية القائم على التحدي المباشر. فالرجل في غاية الصلف، إضافة الى أنه يعتبر الدول العربية في المنطقة وشعبها دون إيران بكثير. وظهر ذلك واضحا من خلال الخطاب الذي ألقاه في القمة الأخيرة لدول مجلس التعاون التي أنعقدت في ديسمبر- كانون الأوّل الماضي في الدوحة. تحدث الرئيس الإيراني، الذي طلب توجيه دعوة إليه لحضور القمة الخليجية، في الجلسة الأفتتاحية. وكان خطابه بمثابة برنامج عمل متكامل من أثنتي عشرة نقطة وتضمن شبه استدعاء الى دول مجلس التعاون من أجل عقد قمة سباعية في طهران إستنادا ألى صيغة 6+1، على أن تكون الصيغة أساسا لنظام أقليمي جديد محوره إيران.
في ضوء هذا التوجه الذي عبّر عنه الرئيس الإيراني الذي طالب، في قمة الدوحة، حتى بالسماح للإيرانيين بحرية الحركة والتملك في دول الخليج العربية، لا يعود مستغربا تنظيم السلطات الإيرانية لتظاهرة نسائية ترفع شعارات معادية لتسمية الخليج بالعربي أمام سفارة دولة الأمارات. لا تخجل السلطات في أيران من تنظيم مثل هذه التظاهرة على الرغم من أنها تحتل ثلاث جزر إماراتية هي أبوموسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى منذ العام 1972. أي منذ أيّام الشاه. ماذا تغيّر في أيران منذ سقوط الشاه؟ تغير الشكل ولم يتغيّر الجوهر، أقله في ما يتعلّق بطريقة التعاطي مع الدول الخليجية وجيران أيران عموما. لا تزال أيران تحلم باستعادة أمجاد الأمبراطورية الفارسية. ولذلك، لم يتردد أحمدي نجاد في قمة الدوحة عن الحديث عن مؤسسات أمنية مشتركة مع دول مجلس التعاون أو دعوة هذه الدول ألى quot;الأستفادة من التكنولوجيا الإيرانيةquot; أو quot;السياحة النزيهة والعائليةquot;. لا شك ان ايران بلد جميل سياحيا، بل من أجمل بلدان العالم، ولكن هل من يريد السياحة في أيران أحمدي نجاد حيث الجمال يتحول ألى بشاعة وحيث على المجتمع الإيراني، المتقدم بسنوات وسنوات على النظام، أن يقاوم يوميا quot;مطاوعةquot; النظام الإسلامي الشيعي ( الجعفري) تحديدا؟
يبدو واضحا مما تقدّم أن النظام الأيراني يمارس لعبة الهروب الى أمام. أنه يعتمد على أنتصارات وهمية ينطلق منها للسعي إلى فرض هيمنته على دول المنطقة. وفي حال كان لا بد من اعتماد الواقعية، لأمكن القول أن النظام الأيراني ما كان قادرا على ممارسته السياسة الهجومية التي يمارسها حاليا في تعاطيه مع كل ما هو عربي لولا الحرب الأميركية على العراق. كان النظام الإيراني شريكا في التشجيع على هذه الحرب. كانت إيران البلد الوحيد الذي شجع على الحرب وأعترف لاحقا بالمؤسسات التي أنبثقت عن الأحتلال في مقدمها مجلس الحكم الأنتقالي الذي وضع الحجر الأساس لعملية تهميش السنة العرب وأقامة نظام ذي طابع مذهبي محض يستند إلى quot;الأكثرية الشيعيةquot; في العراقquot; وquot;الفيديراليةquot; التي يسعى إليها الأكراد وبعض الأحزاب الشيعية المذهبية الموالية لطهران. بكلام أوضح، كان النظام الأيراني يسعى منذ البداية ألى أستغلال الحرب الأميركية على العراق كي يخرج منها بصفة كونه المنتصر الأول والوحيد من الحرب. وهذا ما حصل بالفعل بفضل الدهاء الأيراني الذي دفع المعارضة الشيعية في العراق، على رأسها quot;المجلس الأعلى للثورة الأسلاميةquot; بقيادة محمد باقر الحكيم ثم عبد العزيز الحكيم في أتجاه الأنخراط في الحرب وفي المشروع الأميركي من أجل تمكين أيران من الثأر من صدّام حسين ونظامه الغبي الذي لم يكن لديه سلاح آخر غير القمع.
يعتبر النظام الأيراني أنه أنتصر في العراق وقبل ذلك في أفغانستان. كذلك يعتبر أنه صاحب قرار السلم والحرب في لبنان بعدما صار له أمتداد في أتجاه البحر المتوسط بفضل الميليشيا اللبنانية التابعة له المسماةquot;حزب اللهquot;. ويعتبر أن سوريا صارت تحت رحمته بعدما بات وجودها العسكري والأمني في لبنان يعتمد عليه مباشرة. أستطاع النظام الإيراني بفضل quot;حزب اللهquot; ملء الفراغ الذي نجم عن الإنسحاب العسكري السوري وذلك على حساب مؤسسات الدولة اللبنانية أوّلا. أضف الى ذلك ان الأجهزة الإيرانية صارت حاضرة في كل أنحاء فلسطين وباتت تتحكم بquot;حماسquot; وصواريخها في حين أن quot;الجهاد الإسلاميquot; تنظيم تابع لها من ألفه الى يائه... وحتى بالمفهوم المذهبي للتبعية!
أنطلاقا من هذه المعطيات يمكن فهم النهج الأيراني الجديد في التعاطي مع دول المنطقة على رأسها دول الخليج العربي التي يبدو أن عليها الإعتذار يوميا من واقع محدد يتمثل في أنها دول عربية. ذهبت هذه الدول شوطا بعيدا في مراعاة أيران منذ البداية. الأسم الرسمي لدول مجلس التعاون هو quot;مجلس التعاون لدول الخليج العربيةquot;. أما دولة الإمارات التي لا تفرق أصلا بين أحتلال جزرها الثلاث والأحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية أو لهضبة الجولان السورية، فأنها دعت مرارا إلى حل سلمي للقضية استنادا إلى القانون الدولي وما يمكن أن تقره محكمة العدل الدولية. ولكن ما العمل مع نظام يعتقد أنه يستطيع البناء على أنتصارات ليست في الواقع أنتصارات من نوع الأمساك بكل أنواع الميليشيات في العراق، بما في ذلك تلك العصابات الإرهابية التابعة لquot;القاعدةquot;... أو quot;حزب اللهquot; في لبنان أو quot;حماسquot; وتوابعها في فلسطين. من يزرع الريح يحصد العاصفة. من يبني على نشر البؤس والمذهبية والأنقسامات في الأرض العربية لن يحصل على غير البؤس يرتد عليه عاجلا أم آجلا... بغض النظر عن التسمية التي يفترض أطلاقها على الخليج. ليسمه كل طرف بالطريقة التي يختارها. الخليج لا يمكن أن يكون لا تحت هيمنة أيران ولا تحت هيمنة غيرها. العالم لا يمكن أن يقبل بذلك. أنه العالم الممتد من اليابان...إلى الصين، ألى دول جنوب شرق آسيا... ألى أوروبا، الى الولايات المتحدة. من هي أيران لتحاول أبتزاز العالم الصناعي؟ ألم تتعلم شيئا من تجربة صدّام حسين الذي هزمته بفضل الأميركيين والذي هزمها في الماضي بفضل الأميركيين ذاتهم؟ ألم تتعلم أنه لا يمكن صنع قوة من الضعف عن طريق تهديد الآخر ورفع الشعارات التي لا تعني شيئا من نوع التأكيد أن لا عودة عن أحتلال الجزر الإماراتية الثلاث ... أو المطالبة بالبحرين!