مرة أخرى تحاول جبهة quot;بوليساريوquot;، التي ليست سوى مخلب جزائري، بيع الصحراويين الأوهام وذلك عبر تمسكها بخيار الأستفتاء الشعبي كي يتقرر في نهاية المطاف ما أذا كانت ستكون هناك دولة مستقلة في الصحراء الغربية. يأتي الموقف الجديد- القديم لquot;بوليساريوquot; على لسان الأمين العام للجبهة السيد محمد عبد العزيز المقيم في الجزائر. يطلق عبد العزيز، أبن الضابط المتقاعد في الجيش المغربي، النظريات السياسة من مقره المريح في الجزائر وهو يتفرّج على الصحراويين يتعذبون في مخيمات تندوف في حين أن في أستطاعتهم العودة ألى الصحراء والعيش فيها كمواطنين محترمين بعيدا عن الصدقات. ولكن ما العمل عندما يصير اللاجئون في تندوف مادة للمساومات السياسية ووقودا في معارك لا هدف لها سوى أستنزاف المغرب والسعي ألى ألهائه في قضايا لا تصب سوى في منعه من تنمية نفسه وكسب الحرب الحقيقية التي يخوضها. أنها الحرب على الفقر أولا وأخيرا. أنها حرب يفترض في المغرب والجزائر خوضها معا نظرا ألى أن ما يجمع بينهما أكثر بكثير مما يفرق وذلك في كل المجالات...
أخطأ محمد عبدالعزيز مجددا في العنوان. مشكلته ليست مع المغرب الذي يحاول أيجاد حل عملي بدل التلذذ في عملية تعذيب الصحراويين والمتاجرة بهم. مشكلة رئيس quot;الجمهورية الصحراويةquot; التي ليست موجودة سوى في مخيلة مريضة هي مع المجتمع الدولي ومع الأمم المتحدة تحديدا. من يريد دليلا على ذلك يستطيع العودة ألى التصريحات الأخيرة التي أدلى بها قبل أيام في مجلس الأمن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بيتر فان والسوم. قال فان والسوم بالحرف الواحد أن خيار الأستقلال في الصحراء الغربية quot;غير واقعيquot; مضيفا أن لا بد من الأستناد ألى حقيقتين. الأولى أن مجلس الأمن quot;لن يجبر المغرب على أجراء أستفتاء. أما الحقيقة الأخرى فهي أن مجلس الأمن لن يعترف بسيادة المغرب على الصحراء من دون التوصل ألى أتفاقquot;. تلك هي المعادلة المطروحة في غياب أتفاق. الحلّ لا يمكن أن يأتي عن الطريق الأستفتاء وذلك ليس لأن مبدأ الأستفتاء ليس حضاريا. على العكس من ذلك، أن الأستفتاء مرحب به متى توافرت شروط معينة تضمن جدواه ويكون وسيلة لتوفير مستقبل أفضل لشعب ما. لا وجود لهذه الشروط في الصحراء الغربية لأسباب عدة في طليعتها أن لا أتفاق على من هو صحراوي. في حال كان مطلوبا الأتفاق على من هو صحراوي من حقه المشاركة في الأستفتاء، سيستمر الجدل مئة سنة في أقل تقدير من دون الوصول ألى نتيجة. ثم في حال كان مطلوبا أيجاد دولة صحراوية، لماذا لا تكون هذه الدولة خارج المغرب نظرا ألى وجود أنتشار صحراوي في الشريط الممتد من موريتانيا... ألى جنوب السودان مرورا بجنوب الجزائر. ما دامت الجزائر كريمة ألى هذا الحد مع الصحراويين، لماذا لا توفر لهم دولة على حسابها بدل أستخدامهم مادة للأبتزاز وسلعة في هذا الميدان؟
تكمن أهمية كلام ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، وهو مواطن هولندي محايد وديبلوماسي محترف يتعاطى مع الموضوع بروح علمية محضة، في أنه بدأ يكتشف أن الحل موجود متى كانت هناك نية صافية متوافرة لدى الجميع من أجل الوصول ألى أتفاق. ولأن الحل موجود بدأ يظهر تحول دولي في أتجاه تأييد الخطة التي طرحها المغرب والهادفة ألى أعطاء الصحراء الغربية حكما ذاتيا واسعا. بموجب الخطة يدير سكان الصحراء شؤونهم بنفسهم ولا يبقى للمغرب سوى السياسة الخارجية والأمن. ستكون لسكان الصحراء حكومة خاصة بهم وموازنة خاصة بهم وشرطتهم المحلية. سيديرون شؤونهم اليومية على نحو مستقل عن الحكومة المركزية في الرباط. ماذا يريدون أكثر من ذلك من المغرب... أم يفضلون على الحكم الذاتي مخيمات تندوف حيث يقيمون في ظل نوعين من البؤس، بؤس الفقر وبؤس الأستبداد الذي تمارسه عليهم quot;بوليساريوquot; التي لا تشبه ممارساتها في حق الصحراويين سوى ممارسات عصابة quot;الخمير الحمرquot; السعيدة الذكر في كمبوديا!
لا بد من توقف تلك المهزلة التي تشرف عليها الجزائر من بعيد. أن الحل في الصحراء الغربية في مصلحة المغرب والجزائر وكل دول المنطقة. ما يجمع بين هذه الدول يتجاوز قضية الصحراء التي لا يمكن أن تجد حلا خارج أطار الحكم الذاتي الذي يشكل في النهاية حلا وسطا. كل ما عدا ذلك جنوح جزائري ألى المغامرة وتهرب من أستحقاقات المرحلة الراهنة التي لا تحتاج ألى أصرار على أستمرار أغلاق للحدود بين المغرب والجزائر بمقدار ما تحتاج ألى تعاون وتنسيق بينهما على كل المستويات وفي شأن كل الملفات. الفقر لا يرحم أحدا. الأرهاب لا يرحم أحدا. الفقر والأرهاب لا يرحمان أي مجتمع من المجتمعات. ليس في أستطاعة الجزائر رئيسا وحكومة ومؤسسات عسكرية ومافيات مستفيدة من أستمرار التوتر في الصحراء ومن وجود quot;بوليساريوquot; الترحيب بالتعاون مع الولايات المتحدة ومع وكالاتها الأمنية في مجال مكافحة الأرهاب والأمتناع عن ذلك حين يتعلق الأمر بالمغرب!
من الواضح أن النظام في الجزائر لم يتعلم شيئا من تجارب الماضي القريب. نسي ما حصل في العام 1988 ونسي ما حصل ويحصل منذ التسعينات من القرن الماضي بسبب التعنت والأصرار على تجاهل الوضع الأجتماعي في البلد. أن خطورة أحتضان quot;بوليساريوquot; في مستوى خطورة أحتضان quot;القاعدةquot;. كانت الجزائر في الماضي تستخدم الأسلاميين لأبتزاز الدول المحيطة بها. فعلت ذلك مع تونس وغير تونس ألى أن أكتشفت أن لا وجود لأرهابيين معتدلين وآخرين متطرفين. الأرهابي أرهابي بغض النظر عن الشعارات التي يتلطى بها. الحل المطروح من المغرب هو اللعبة الوحيدة في المدينة. أنه يخدم المغرب والجزائر والصحراويين والمنطقة ككل. أنه نتيجة منطقية لأحداث وتطورات أستمرت ما يزيد على ثلاثة وثلاثين عاما تخللتها حرب بالواسطة على المغرب شنتها الجزائر بواسطة quot;بوليساريوquot;. تكمن مشكلة الجزائر في أن المغرب ربح الحرب على الأرض. ولذلك، ليس طبيعيا أن يخسرها سياسيا؟ لم يعلن المغرب أنتصاره. كل ما أراده هو طرح صيغة فيها أنقاذ لماء الوجه للجميع. هل من يريد أنقاذ ماء وجهه اليوم قبل غد والأنصراف ألى معالجة هموم شعبه؟ الجزائر تواجه هذا التحدي ولكن يبدو أنها تفضل الهرب منه. منذ متى الهرب ألى أمام سياسة؟