فى 15 مايو 2008 أحيت المنطقة العربية الذكرى الستين لنكبة فلسطين، وفى الجانب المقابل احتفلت إسرائيل بذكرى تأسيس الدولة.... فى مصر خصصت الكثير من الصحف أعداداً خاصة لهذه الذكرى. مصر الرسمية والشعبية أنغمست،واستعملت، وتورطت فى هذا الصراع المرير على مدى 60 عاما من رأس السلطة إلى المواطن المصرى البسيط. ولكن ما يهمنا فى هذه المقالة كيف تفاعل رؤساء مصر مع قضية فلسطين منذ بدايتها؟، وهل كان هذا إيمانا بالقضية أم بمثابة بحثا عن زعامة أو انزلاقاً فى هذا الصراع الطويل و المزمن؟.
الإيمان بالقضايا لا يكفى لتفسير دخول الدول فى حروب خارجية فما أكثر القضايا العادلة، والتى هى أكثر عدالة من قضية فلسطين، ومع هذا لم تدخل الدول حروبا من أجل هذه القضايا العادلة. هل كانت هناك قضية أكثر عدالة من الفصل العنصرى البشع الذى كان فى جنوب أفريقيا quot;الأبارتيدquot;، ومع مساندة الكثير من دول العالم لحق السود هناك إلا أن الدول لم تدخل فى حروب مع نظام الأبارتيد السابق من أجل عدالة القضية، وهل تدخل المجتمع الدولى فى رواندا إلا بعد خراب مالطة كما يقولون، بل أن قضية قبرص المستمرة منذ ثلاثة عقود حول الإحتلال التركى لجزء منها فى محاولة لتقسيم الجزيرة الصغيرة تشبه قضية فلسطين ولكن من يسمع عن قضية قبرص إلا الملمين بالسياسة الدولية. قضايا الأضطهادات الدينية والعرقية والتى تجاوز ضحاياها عشرات الملايين عبر العالم لم تتدخل الدول بشكل حاسم لوقفها حتى أن مفوضية اللاجئين قدرت عددهم فى 2007 بــــــ 13.5 مليون لاجئ، وهناك تقارير دولية موثقة رصدت الكثير من المذابح والتطهير العرقى والمجازر التى حدثت فى بقاع الأرض،ومع هذا نادرا ما تدخل دولة حربا من أجل انقاذ مجموعة بشرية من هذا التطهير الآثم إلا إذا كانت للدولة مصلحة مباشرة فى هذا التدخل.
الأهداف النبيلة لا تكفى لتبرير الفعل السياسى فى أقصى حدته والمتمثل فى الحروب؟ لماذا تدخل إذن الزعماء المصريون فى قضية فلسطين من بدايتها وورطوا مصر فى اربعة حروب كلفت الأقتصاد والشعب المصرى الكثير؟.
بعيداً عن الأسباب التبريرية لانغماس مصر فى هذا الصراع، كانت هناك اسبابا شخصية لرأس النظام فى مصر سعى إلى تحقيقها من خلال هذه القضية.
ونبدأ بالملك فاروق الذى ورط مصر فى حرب 1948 وإفتتح باب الحروب مع الكيان الجديد فى الشرق الأوسط. كانت للملك فاروق أسبابه الخاصة، فلم تكن هناك إتفاقيات دفاع عربى مشترك تلزمه بدخول الحرب، وكانت أغلبية الدول العربية تحت الإنتداب البريطانى أو الفرنسى، ولكن أحلام الأسرة المالكة فى أن تملأ الفراغ التركى منذ سقوط الخلافة عام 1923 هو الذى دفع الملك فؤاد لأن تدغدغه أحلام الخلافة ودفع على عبد الرازق لكتابة quot; الإسلام وأصول الحكم quot;،ولم يدر الملك وقتها أن الغرب الذى اسقط الخلافة العثمانية كان قد قرر وضع حداً لهذا النظام التوسعى العدوانى المسمى quot; بالخلافة الإسلامية quot; والذى تسبب فى مأسى كبيرة للبشرية عبر قرونه الطويلة. الملك فاروق كانت له دوافعه الشخصية فى دخول حرب فلسطين عام 1948 لتقوية عرشه المهزوز فى الداخل، ولرسم صورة لنفسه بأنه مدافع عن حقوق المسلمين فى العالم الإسلامى، والعجيب أن حرب 48 كانت من الأسباب التى أدت إلى السخط على العرش الملكى وتشكيل تنظيم الضباط الأحرار ومن ثم إلى سقوط الملكية فى مصر.
حاول فاروق تحقيق زعامة من خلال قضية فلسطين وكانت نهايته ونهاية حكم اسرته بسبب هذا التدخل ايضا.
عبد الناصر من ناحيته عمل على بناء زعامة عربية من خلال تصدره لقضية فلسطين، ولم يورط مصر فقط، وانما ورط المنطقة كلها من أجل هذا الصراع ومن أجل أحلامه فى الزعامة، والغريب أنه لم يسعى إلى توحيد العرب من أجل الوحدة الأقتصادية أو السوق المشتركة أو لدفع عجلة التقدم فى هذه الدول وإنما لتوحيد الجهود من أجل الحروب والصرعات والمغامرات وأحلام الزعامة، وجاءت حرب 1967 لتبين بجلاء جسامة هذا الخطأ الذى ارتكبه عبد الناصر... ويكفى أن نقول أن بلداً صغيرا كلبنان دفع هو الآخر ثمنا باهظا وحربا استمرت اكثر من خمسة عشر عاما نتيجة للعب بالتركيبة الديموغرافية الهشة لهذا البلد بفتح جبهة للحرب مع إسرائيل من لبنان وتدخل عبد الناصر شخصيا فى quot; اتفاق القاهرة quot; الذى وقع بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية فى نوفمبر عام 1969 وما ترتب على ذلك من جرائم لعرفات ورفاقه فى لبنان والتى كانت سببا رئيسيا فى إندلاع الحرب الأهلية هناك، وفى عام 1970حاول عرفات ورفاقه أيضا الإخلال بالمعادلة الأردنية لولا التدخل الحاسم للملك حسين بمساعدة أطراف خارجية فيما عرف فى الأدبيات العربية quot; بايلول الأسود quot; فى سبتمبر 1970.
عبد الناصر الذى بنى زعامته العربية وجماهريته فى الشارع العربى والتفاف الشعبويين حوله بفعل القضية، دفع ثمنا باهظا أيضا نتيجة لتدخله فى القضية ومات عبد الناصر فعليا عام 1967 ومات جسديا عام 1970 مباشرة عقب توقيع اتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الاردنية وسمى quot;باتفاق القاهرةquot; ايضا.
وجاء السادات وحقق زعامته العالمية أيضا من خلال القضية ولكن عكس سلفه عن طريق السلام وليس الحرب، وأصبح السادات زعيما عالميا ونجما إعلاميا بسبب شجاعته فى السلام، ومات ايضا من أجل السلام كما قالت السيدة جيهان السادات.
اخرج السادات الثعابين من جحورها لكى يحاربوا الشيوعيين والناصريين فإذا بهم ينقضون عليه ويقتلونه لأنه وقع معاهدة سلام مع أعداء الإسلام وتنازل عن أرض الإسلام، وهكذا حقق السادات زعامته العالمية من وراء هذا الصراع ودفع حياته بسبب هذه القضية.
وجاء مبارك واستلم هذا الملف الشائك وأداره بتوجيهاته الشخصية، وكانت قضية فلسطين هى مفتاح مبارك ليس لزعامة اقليمية أو عالمية كسابقيه، وإنما المدخل الأساسى له للحوار والتفاعل مع دول العالم... فاينما حل مبارك فى أى دولة فى الغرب يصير حديثه الأساسى عن قضية فلسطين والسلام والحفاظ على السلام. مبارك quot;أدار quot; ملف قضية فلسطين بهدف عدم حل القضية وانما بقاءها ساخنة دائما على المسرح الدولى، لانها المدخل الرئيسى لنظامه للعلاقات الدولية والمعونات الدولية، وهو يقدم نفسه كحارس للسلام فى المنطقة، ويربط المحافظة على السلام مع اسرائيل باستمرارية ودعم نظامه حتى أصبح معروفا فى العالم كله بانه،
.Peace Broke quot;وسيط السلامquot;
كل الرؤساء احتكروا ملف القضية الفلسطينية تحت توجيهاتهم الشخصية، واحتكروا المفتاح الرئيسى للتعامل مع القضية.
كان عبد الناصر بحكم طبيعته السلطوية محتكراً للملف بشكل كامل، والسادات ايضا سار على نفس النهج حتى انه كان يخفى على الوفد المرافق له فى كامب ديفيد ما اتفق عليه مع الجانب الإسرائيلى حسب شهادات اقرب المقربين له فى هذا الوقت مثل أشرف فهمى وبطرس غالى واسامة الباز وغيرهم.
مبارك احتكر الملف أيضا بشكل شخصى، واصبح الملف الفلسطينى ملف رئاسى لا يفرط فيه مطلقاً، وما دور الخارجية سوى تنفيذ توجيهات الرئاسة، واصبح السيد عمرسليمان موفد الرئيس الشخصى والمتحدث باسمه فى هذا الملف.ويدرك مبارك جيداً خطورة هذا الملف وإنه نور ونار كما حدث مع سابقيه ولهذا يتعامل معه بحذر وحرص وخوف.
وكلما لاحت بوادر لحل الأزمة بشكل جذرى تدخل مبارك شخصيا لعرقلة الحل، حدث ذلك فى كامب ديفيد 2، حيث طار مبارك إلى السعودية وحذروا عرفات من التوقيع. ومنذ أيام فى مؤتمر دافوس حذر مبارك فى شرم الشيخ من التنازل من أجل الاتفاق قائلا quot;لا أحد يمكنه أن يوفر الغطاء لاتفاق لا يلبى المطالب الفلسطينيةquot;،وهى رسالة واضحة لابو مازن حتى لا يوقع على أى اتفاق نهائى، ليس حرصاً على مصلحة فلسطين وانما حرصا على أن تبقى قضية فلسطين مستمرة وساخنة، فهى الفرخة التى تبيض ذهبا لنظام مبارك، وسبب هام لمشروعية نظامه على المستوى الدولى.
الغريب أن عرفات الذى استمع إلى نصيحة مبارك ورفض التوقيع كما ذكر كلينتون حيث صرخ فى كامب ديفيد quot; انا مش عايز اموت quot;، مات أيضا لأنه رفض التوقيع، فتم حبسه ومحاصرته بعد رجوعه من أمريكا حتى غادر الحياة... وهناك الكثير مما قيل حول لغز مماته.
القضية الفلسطينية كانت المدخل للزعماء المصريين نحو الشهرة والزعامة، وكانت السبب الرئيسى وراء نكستهم ونهاية انظمتهم.
برر كل الزعماء المصريين انغماسهم فى قضية فلسطين بأنها قضية quot;أمن قومىquot; وهو عكس ما ذكره بطرس غالى فى كتابه الأخير، وهو عبارة عن مناظرة لصحفى فرنسى بين بطرس غالى وشيمون بيرز، حيث رفض بطرس غالى أعتبار قضية فلسطين قضية أمن قومى مصرى وذكر أن قضية الأمن القومى المصرى هى فى الجنوب حيث دول حوض النيل.
من أجل حجة الأمن القومى المصرى استمرت الماكينة الاعلامية المصرية تلوك هذا السبب عبر نصف قرن، لتبرير التضحيات الجسيمة التى قدمها المصريون لهذا الملف.
ولكن مع ظهور التيارات الإسلامية جاء التبرير الثانى وهو أن quot;أرض فلسطين وقف إسلامىquot; لا يجوز التفريط فى شبر منه كما جاء فى ميثاق حماس... وأن ما فتح عنوة لا يجوز التفريط فيه وهذا يمثل عودة لكلاسيكيات الغزوات الإسلامية والخلافة الإسلامية، وهو أسلمة قضية فلسطين، وهذا نقل الصراع إلى مستوى آخر وصفه البعض بـــ quot;لآهوت الأرضquot; حيث أن الأرض مقدسة عند كل من الطرفين ولا يجوز نهائيا التفريط فيها، فهى أرض الميعاد المقدسة، الحاضنة لهيكل سليمان بقدس أقداسه عند اليهود، وهى وقف المسلمين المقدس عند الطرف الآخر.
quot;لاهوت الأرضquot; هو محور أساسى للتاريخ اليهودى كله حيث الأشواق لارض الميعاد وبناء الهيكل فى مكان محدد وفى رقعة محددة جغرفيا، أما عند المسلمين فهذا مدخل التيارات الإسلامية المتطرفة للحروب الدينية وللسيطرة على شعوب المنطقة... وإلا لكانت كل الأراضى التى غزاها المسلمون مقدسة من اسبانيا إلى صربيا إلى الهند إلى مصر إلى فلسطين.
القضية الفلسطينية على المستوى السياسى والقانونى الدولى هى قضية سياسية يجب أن تحل على هذا الأساس.... وتديين القضية هو فى الأساس تعقيدا لها وهروبا من الحل وآدامة للصراع... ومن هذا المنطلق كل التنظيمات الإسلامية تضر بقضية فلسطين وتضر بالمنطقة وتسعى لتفجيرها... وفى هذه المرة ستكون الحرب واسعة لانها تنطلق من اعتبارات دينية تدفع الناس كوقود جاهز للدفاع عن أطماع شخصية مبررة هذه المرة بمقولات دينية حمقاء.
[email protected]
الإيمان بالقضايا لا يكفى لتفسير دخول الدول فى حروب خارجية فما أكثر القضايا العادلة، والتى هى أكثر عدالة من قضية فلسطين، ومع هذا لم تدخل الدول حروبا من أجل هذه القضايا العادلة. هل كانت هناك قضية أكثر عدالة من الفصل العنصرى البشع الذى كان فى جنوب أفريقيا quot;الأبارتيدquot;، ومع مساندة الكثير من دول العالم لحق السود هناك إلا أن الدول لم تدخل فى حروب مع نظام الأبارتيد السابق من أجل عدالة القضية، وهل تدخل المجتمع الدولى فى رواندا إلا بعد خراب مالطة كما يقولون، بل أن قضية قبرص المستمرة منذ ثلاثة عقود حول الإحتلال التركى لجزء منها فى محاولة لتقسيم الجزيرة الصغيرة تشبه قضية فلسطين ولكن من يسمع عن قضية قبرص إلا الملمين بالسياسة الدولية. قضايا الأضطهادات الدينية والعرقية والتى تجاوز ضحاياها عشرات الملايين عبر العالم لم تتدخل الدول بشكل حاسم لوقفها حتى أن مفوضية اللاجئين قدرت عددهم فى 2007 بــــــ 13.5 مليون لاجئ، وهناك تقارير دولية موثقة رصدت الكثير من المذابح والتطهير العرقى والمجازر التى حدثت فى بقاع الأرض،ومع هذا نادرا ما تدخل دولة حربا من أجل انقاذ مجموعة بشرية من هذا التطهير الآثم إلا إذا كانت للدولة مصلحة مباشرة فى هذا التدخل.
الأهداف النبيلة لا تكفى لتبرير الفعل السياسى فى أقصى حدته والمتمثل فى الحروب؟ لماذا تدخل إذن الزعماء المصريون فى قضية فلسطين من بدايتها وورطوا مصر فى اربعة حروب كلفت الأقتصاد والشعب المصرى الكثير؟.
بعيداً عن الأسباب التبريرية لانغماس مصر فى هذا الصراع، كانت هناك اسبابا شخصية لرأس النظام فى مصر سعى إلى تحقيقها من خلال هذه القضية.
ونبدأ بالملك فاروق الذى ورط مصر فى حرب 1948 وإفتتح باب الحروب مع الكيان الجديد فى الشرق الأوسط. كانت للملك فاروق أسبابه الخاصة، فلم تكن هناك إتفاقيات دفاع عربى مشترك تلزمه بدخول الحرب، وكانت أغلبية الدول العربية تحت الإنتداب البريطانى أو الفرنسى، ولكن أحلام الأسرة المالكة فى أن تملأ الفراغ التركى منذ سقوط الخلافة عام 1923 هو الذى دفع الملك فؤاد لأن تدغدغه أحلام الخلافة ودفع على عبد الرازق لكتابة quot; الإسلام وأصول الحكم quot;،ولم يدر الملك وقتها أن الغرب الذى اسقط الخلافة العثمانية كان قد قرر وضع حداً لهذا النظام التوسعى العدوانى المسمى quot; بالخلافة الإسلامية quot; والذى تسبب فى مأسى كبيرة للبشرية عبر قرونه الطويلة. الملك فاروق كانت له دوافعه الشخصية فى دخول حرب فلسطين عام 1948 لتقوية عرشه المهزوز فى الداخل، ولرسم صورة لنفسه بأنه مدافع عن حقوق المسلمين فى العالم الإسلامى، والعجيب أن حرب 48 كانت من الأسباب التى أدت إلى السخط على العرش الملكى وتشكيل تنظيم الضباط الأحرار ومن ثم إلى سقوط الملكية فى مصر.
حاول فاروق تحقيق زعامة من خلال قضية فلسطين وكانت نهايته ونهاية حكم اسرته بسبب هذا التدخل ايضا.
عبد الناصر من ناحيته عمل على بناء زعامة عربية من خلال تصدره لقضية فلسطين، ولم يورط مصر فقط، وانما ورط المنطقة كلها من أجل هذا الصراع ومن أجل أحلامه فى الزعامة، والغريب أنه لم يسعى إلى توحيد العرب من أجل الوحدة الأقتصادية أو السوق المشتركة أو لدفع عجلة التقدم فى هذه الدول وإنما لتوحيد الجهود من أجل الحروب والصرعات والمغامرات وأحلام الزعامة، وجاءت حرب 1967 لتبين بجلاء جسامة هذا الخطأ الذى ارتكبه عبد الناصر... ويكفى أن نقول أن بلداً صغيرا كلبنان دفع هو الآخر ثمنا باهظا وحربا استمرت اكثر من خمسة عشر عاما نتيجة للعب بالتركيبة الديموغرافية الهشة لهذا البلد بفتح جبهة للحرب مع إسرائيل من لبنان وتدخل عبد الناصر شخصيا فى quot; اتفاق القاهرة quot; الذى وقع بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية فى نوفمبر عام 1969 وما ترتب على ذلك من جرائم لعرفات ورفاقه فى لبنان والتى كانت سببا رئيسيا فى إندلاع الحرب الأهلية هناك، وفى عام 1970حاول عرفات ورفاقه أيضا الإخلال بالمعادلة الأردنية لولا التدخل الحاسم للملك حسين بمساعدة أطراف خارجية فيما عرف فى الأدبيات العربية quot; بايلول الأسود quot; فى سبتمبر 1970.
عبد الناصر الذى بنى زعامته العربية وجماهريته فى الشارع العربى والتفاف الشعبويين حوله بفعل القضية، دفع ثمنا باهظا أيضا نتيجة لتدخله فى القضية ومات عبد الناصر فعليا عام 1967 ومات جسديا عام 1970 مباشرة عقب توقيع اتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الاردنية وسمى quot;باتفاق القاهرةquot; ايضا.
وجاء السادات وحقق زعامته العالمية أيضا من خلال القضية ولكن عكس سلفه عن طريق السلام وليس الحرب، وأصبح السادات زعيما عالميا ونجما إعلاميا بسبب شجاعته فى السلام، ومات ايضا من أجل السلام كما قالت السيدة جيهان السادات.
اخرج السادات الثعابين من جحورها لكى يحاربوا الشيوعيين والناصريين فإذا بهم ينقضون عليه ويقتلونه لأنه وقع معاهدة سلام مع أعداء الإسلام وتنازل عن أرض الإسلام، وهكذا حقق السادات زعامته العالمية من وراء هذا الصراع ودفع حياته بسبب هذه القضية.
وجاء مبارك واستلم هذا الملف الشائك وأداره بتوجيهاته الشخصية، وكانت قضية فلسطين هى مفتاح مبارك ليس لزعامة اقليمية أو عالمية كسابقيه، وإنما المدخل الأساسى له للحوار والتفاعل مع دول العالم... فاينما حل مبارك فى أى دولة فى الغرب يصير حديثه الأساسى عن قضية فلسطين والسلام والحفاظ على السلام. مبارك quot;أدار quot; ملف قضية فلسطين بهدف عدم حل القضية وانما بقاءها ساخنة دائما على المسرح الدولى، لانها المدخل الرئيسى لنظامه للعلاقات الدولية والمعونات الدولية، وهو يقدم نفسه كحارس للسلام فى المنطقة، ويربط المحافظة على السلام مع اسرائيل باستمرارية ودعم نظامه حتى أصبح معروفا فى العالم كله بانه،
.Peace Broke quot;وسيط السلامquot;
كل الرؤساء احتكروا ملف القضية الفلسطينية تحت توجيهاتهم الشخصية، واحتكروا المفتاح الرئيسى للتعامل مع القضية.
كان عبد الناصر بحكم طبيعته السلطوية محتكراً للملف بشكل كامل، والسادات ايضا سار على نفس النهج حتى انه كان يخفى على الوفد المرافق له فى كامب ديفيد ما اتفق عليه مع الجانب الإسرائيلى حسب شهادات اقرب المقربين له فى هذا الوقت مثل أشرف فهمى وبطرس غالى واسامة الباز وغيرهم.
مبارك احتكر الملف أيضا بشكل شخصى، واصبح الملف الفلسطينى ملف رئاسى لا يفرط فيه مطلقاً، وما دور الخارجية سوى تنفيذ توجيهات الرئاسة، واصبح السيد عمرسليمان موفد الرئيس الشخصى والمتحدث باسمه فى هذا الملف.ويدرك مبارك جيداً خطورة هذا الملف وإنه نور ونار كما حدث مع سابقيه ولهذا يتعامل معه بحذر وحرص وخوف.
وكلما لاحت بوادر لحل الأزمة بشكل جذرى تدخل مبارك شخصيا لعرقلة الحل، حدث ذلك فى كامب ديفيد 2، حيث طار مبارك إلى السعودية وحذروا عرفات من التوقيع. ومنذ أيام فى مؤتمر دافوس حذر مبارك فى شرم الشيخ من التنازل من أجل الاتفاق قائلا quot;لا أحد يمكنه أن يوفر الغطاء لاتفاق لا يلبى المطالب الفلسطينيةquot;،وهى رسالة واضحة لابو مازن حتى لا يوقع على أى اتفاق نهائى، ليس حرصاً على مصلحة فلسطين وانما حرصا على أن تبقى قضية فلسطين مستمرة وساخنة، فهى الفرخة التى تبيض ذهبا لنظام مبارك، وسبب هام لمشروعية نظامه على المستوى الدولى.
الغريب أن عرفات الذى استمع إلى نصيحة مبارك ورفض التوقيع كما ذكر كلينتون حيث صرخ فى كامب ديفيد quot; انا مش عايز اموت quot;، مات أيضا لأنه رفض التوقيع، فتم حبسه ومحاصرته بعد رجوعه من أمريكا حتى غادر الحياة... وهناك الكثير مما قيل حول لغز مماته.
القضية الفلسطينية كانت المدخل للزعماء المصريين نحو الشهرة والزعامة، وكانت السبب الرئيسى وراء نكستهم ونهاية انظمتهم.
برر كل الزعماء المصريين انغماسهم فى قضية فلسطين بأنها قضية quot;أمن قومىquot; وهو عكس ما ذكره بطرس غالى فى كتابه الأخير، وهو عبارة عن مناظرة لصحفى فرنسى بين بطرس غالى وشيمون بيرز، حيث رفض بطرس غالى أعتبار قضية فلسطين قضية أمن قومى مصرى وذكر أن قضية الأمن القومى المصرى هى فى الجنوب حيث دول حوض النيل.
من أجل حجة الأمن القومى المصرى استمرت الماكينة الاعلامية المصرية تلوك هذا السبب عبر نصف قرن، لتبرير التضحيات الجسيمة التى قدمها المصريون لهذا الملف.
ولكن مع ظهور التيارات الإسلامية جاء التبرير الثانى وهو أن quot;أرض فلسطين وقف إسلامىquot; لا يجوز التفريط فى شبر منه كما جاء فى ميثاق حماس... وأن ما فتح عنوة لا يجوز التفريط فيه وهذا يمثل عودة لكلاسيكيات الغزوات الإسلامية والخلافة الإسلامية، وهو أسلمة قضية فلسطين، وهذا نقل الصراع إلى مستوى آخر وصفه البعض بـــ quot;لآهوت الأرضquot; حيث أن الأرض مقدسة عند كل من الطرفين ولا يجوز نهائيا التفريط فيها، فهى أرض الميعاد المقدسة، الحاضنة لهيكل سليمان بقدس أقداسه عند اليهود، وهى وقف المسلمين المقدس عند الطرف الآخر.
quot;لاهوت الأرضquot; هو محور أساسى للتاريخ اليهودى كله حيث الأشواق لارض الميعاد وبناء الهيكل فى مكان محدد وفى رقعة محددة جغرفيا، أما عند المسلمين فهذا مدخل التيارات الإسلامية المتطرفة للحروب الدينية وللسيطرة على شعوب المنطقة... وإلا لكانت كل الأراضى التى غزاها المسلمون مقدسة من اسبانيا إلى صربيا إلى الهند إلى مصر إلى فلسطين.
القضية الفلسطينية على المستوى السياسى والقانونى الدولى هى قضية سياسية يجب أن تحل على هذا الأساس.... وتديين القضية هو فى الأساس تعقيدا لها وهروبا من الحل وآدامة للصراع... ومن هذا المنطلق كل التنظيمات الإسلامية تضر بقضية فلسطين وتضر بالمنطقة وتسعى لتفجيرها... وفى هذه المرة ستكون الحرب واسعة لانها تنطلق من اعتبارات دينية تدفع الناس كوقود جاهز للدفاع عن أطماع شخصية مبررة هذه المرة بمقولات دينية حمقاء.
[email protected]
التعليقات