ناصر بن رجب: قام البروفسور محمد علي أمير معزي معزّي المدير المساعد لمركز دراسات الأديان بمبادرة تاريخية أساسية عندما جمع 27 أخصّائيا في الدراسات التراثية مسلمين وغير مسلمين لإعداد معجم تاريخي نقدي للقرآن الكريم لم يسبق أن قام به أحد قبله. وقد استقبلته الصحافة العالمية العامة والمتخصّصة بالترحيب بآلاف المقالات. وهو اليوم يُترجم في بلدان عديدة في العالم. فمتى يا تُرى يُترجمه العرب ؟ وأردت أن أقوم بعرض له، لكنني وجدت أن مقال مارتين دي سوتو، الذي نشرته جريدة quot;لاكرواquot; (القريبة من الكنيسة) أفضل تعريف أولي بهذا المعجم الهام، على أمل أن أقدم قريبا حوارا شاملا مع البروفسور محمد علي أمير معزي ليشرح لنا كيف جاءت فكرة المعجم والمشاكل التي واجهها...
مارتين دي سوتو: وأخيرا أصبح للقرآن مُعجمه
يقترح هذا المعجم تحليلا نقديّا وموضوعيّا للقرآن، ويعطي مفاتيح أساسية لقراءة وفهم كتاب المسلمين المقدس، ومقاومة الأفكار الخاطئة والإنغلاقات المذهبية.
منذ 11 أيلول سبتمبر 2001 لم يقع التوقف عن ذكر القرآن، عن المطالبة به والتنديد به. إلاّ أن الكثيرين لديهم فكرة غامضة عنه. فقط يعرفون أن هذا الكتاب مقدس لدى المسلمين، لأنّه متكوّن من سور دوّنت ما بين 610 و 632 م من طرف محمّد (ص)تحت إملاء الله نفسه، ولذلك فهو لا يمكن المساس به. أما بخصوص المسلمين، أقلّ من 5 في المائة منهم يعرفون لغة القرآن وبإمكانهم فهم النص قليلا أو كثيرا. ممّا يجعل ممكنا ارتكاب كلّ الأخطاء وكلّ التلاعبات.
بتأليفه المُتقادم، بآياته المتشابهات وتناقضاته التي تسمح بقراءات مختلفة، يظلّ القرآن، الذي وقع تقديسه تحت تأثير التيارات المتطرّفة، لدى الكثيرين مجهولا تماما. ومن هنا المشروع الذي قام به منذ خمس سنوات محمد علي أمير- معزّي المدير المساعد لمركز دراسات الأديان والكتاب، مدير دراسات بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا أين يشغل كرسي التفسير وتيولوجيا الإسلام الشيعي: تقديم لأوّل مرّة للجمهور الواسع دراسة دقيقة، علميّة ومحايدة.
إذن هذا هو القاموس مشتملا على أكثر من 500 مقال كتبها 27 خبيرا من كلّ الجنسيات (من فرنسا، بلجيكا، إيطاليا، تونس، الجزائر، إيران، إسرائيل...) ومن مختلف المدارس الإسلامولوجية. يضمّ مجموع معطيات التفسير، وعلم الأدب والتاريخ. كما يتعرض لكلّ مواضيع العقيدة والقانون والتصوف التي تناولها القرآن.
أطول المقالات تتناول التفسير أو التصوّف وليس القانون طبقا للمكانة الحقيقية للمعطيات القانونية في القرآن. الشريعة (لفظ يُتَرجَم عادة بـ quot;القانون الدينيquot;) هي بالرغم من ذلك واحدة من المواضيع الأكثر توسّعا فيها. شُرح فيها أن مكان الشريعة داخل الخطاب الديني الإسلامي والمجتمعات العربية الإسلامية يتطابق عكسا مع المكان الذي تحتلّه في القرآن: 500 آية من أصل 6300. واللفظة مهما كانت التأويلات ومدارس الفهم يتضمّن دائما فكرة quot;المنهاجquot; الذي يجب اتباعه. وعليه الشريعة هي quot;منهاجquot; عملي متكوّن من أفعال واجبة، مندوبة، مباحة، مكروهة أو محظورةquot;. أما فكرة أنها تهمّ كل فعل إنساني، التي فرضت نفسها شيئا فشيئا، فهو تقوم على تأويل الآية 3 من السورة 5 quot;اليوم أتممت لكم دينكمquot;. ولكنّ تأويلات أخرى إقترِحت. من ذلك أن الفقيه الشافعي الكبير أبو إسحاق الشيرازي (تـ 1083 م) كان يؤكّد أن quot;أمور السياسةquot; ليست من الشريعة.
ينتهي مقال الشريعة بتقسيم الإنسانية إلى طبقات حسب المعاملات الواردة في القرآن والتي أُوكِل إليها تنظيم العلاقات بين الناس. في القمة: رُسُل الله والأنبياء ذوو سلوك يُعتبر قدوة حسنة وله قوةّ القانون في نظر الأمّة. تأتي بعد ذلك الإنسانية ndash; بنو آدم ndash; وفي أعلى السلّم الإنساني المسلمون الأحرار وفي الأسفل بنو آدم quot;الذين لا دين لهم ولا ذمّةquot;، أي بعبارة أخرى الكفّار. إذا كانت العبودية قد انتشرت في المجتمعات الإسلامية السابقة وحتّى الحالية، فذلك لأن القرآن ضمنها حتّى وإن سعى لتحسين وضعية العبيد، وكذلك لأنّه في نظر الشريعة، توجد طبقة quot;دنيا من الآدميينquot;. المجموعات غير الإسلامية المنتمية للديانتين التوحيديتين، التي يَنسِب الإسلام إليها نفسه، تجد نفسها وسط السلّم الآدمي.أفراد هذه المجموعات ليسوا معنيّين بأحكام الشريعة بالرغم من أنّهم أهل ذمّة شرط دفع الجزية.
من بين الألفاظ التي أسالت اليوم كثيرا من الحبر مثل الإستشهاد أو الحجاب، كلمة جهاد وقع تناولها مع إهتمام واضح بإزالة الرواسب عن المأثور. باختيار مسؤول من طرف أمير ndash; معزي، لم يُخصّص أي مقال لهذا اللفظ: لمزيد الإطّلاع يرجع القارئ إلى مقال quot;حرب وسلمquot;، حيث نعلم بأن الجهاد في الجزء المكي من القرآن يعني quot;حربا روحانيةquot; ndash; إذ أن الشعار هو حينئذ quot;الثباتquot;، ومقاومة الكفر ndash; ولم يقع استعماله إلاّ متأخّرا بمعنى الحرب المقدّسة. يقول علي أمير معزي أن وضْعَ القرآن في ظرفه التاريخي خاصّة آيات السّيف (الدعوة للحرب المقدسة ضدّ quot;الكافرينquot;)، هو السلاح الذي يجب إعادة توجيهه ضدّ quot;التحجّر الإختزالي لأقليّة ضئيلة، التي تُهمل قرونا من النقاش ومئات من المؤلّفات التي عبّرت عن وجهات نظر ورؤى متعدّدة لواقع شديد التعقيدquot;.
المواضيع التي دُرست ليست كلّها متعلّقة بالحرب. سواء تعلّق الأمر بوضع الحيوان، بتحديد معنى الشمس، بالمرأة، بالريح أو العفّة، في كلّ مرّة قام المؤلّفون بإعطاء المعنى أو المعاني، بما في ذلك المعنى التيولوجي. هذا المعجم القرآني ثمين من حيث أنّه يشرح بهدوء العلاقات مع quot;أهل الكتابquot; أو (اليهود والنصارى حسب التعبير الإسلامي) وكذلك مكانة المسيح ورسل الكتاب المقدس في القرآن. وهو هام أيضا من حيث المكانة المُخصّصة للمذهب الشيعي، في حين أنّ الإسلامولوجيا الغربية إهتمّت بالخصوص بالمذهب السنّي. وهو أخيرا هامّ بلغته السّهلة التي سوف تسمح له ببلوغ جمهور عريض. بالنسبة لصاحبه، أمير معزي، هذا المعجم يكون قد حقّق هدفه إذا ما أدّى quot;دورا مدنيّا مهما كان متواضعاquot;.
بقراءة مثل هذا الكتاب يمكننا أن نأمل للإسلام مسارا مماثلا للمسار الذي قوّض علاقة اليهود والمسيحيين بكتاباتهم المقدّسة وذلك بفضل التفسير التاريخو- نقدي للكتاب المقدس.
منذ 11 أيلول سبتمبر 2001 لم يقع التوقف عن ذكر القرآن، عن المطالبة به والتنديد به. إلاّ أن الكثيرين لديهم فكرة غامضة عنه. فقط يعرفون أن هذا الكتاب مقدس لدى المسلمين، لأنّه متكوّن من سور دوّنت ما بين 610 و 632 م من طرف محمّد (ص)تحت إملاء الله نفسه، ولذلك فهو لا يمكن المساس به. أما بخصوص المسلمين، أقلّ من 5 في المائة منهم يعرفون لغة القرآن وبإمكانهم فهم النص قليلا أو كثيرا. ممّا يجعل ممكنا ارتكاب كلّ الأخطاء وكلّ التلاعبات.
بتأليفه المُتقادم، بآياته المتشابهات وتناقضاته التي تسمح بقراءات مختلفة، يظلّ القرآن، الذي وقع تقديسه تحت تأثير التيارات المتطرّفة، لدى الكثيرين مجهولا تماما. ومن هنا المشروع الذي قام به منذ خمس سنوات محمد علي أمير- معزّي المدير المساعد لمركز دراسات الأديان والكتاب، مدير دراسات بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا أين يشغل كرسي التفسير وتيولوجيا الإسلام الشيعي: تقديم لأوّل مرّة للجمهور الواسع دراسة دقيقة، علميّة ومحايدة.
إذن هذا هو القاموس مشتملا على أكثر من 500 مقال كتبها 27 خبيرا من كلّ الجنسيات (من فرنسا، بلجيكا، إيطاليا، تونس، الجزائر، إيران، إسرائيل...) ومن مختلف المدارس الإسلامولوجية. يضمّ مجموع معطيات التفسير، وعلم الأدب والتاريخ. كما يتعرض لكلّ مواضيع العقيدة والقانون والتصوف التي تناولها القرآن.
أطول المقالات تتناول التفسير أو التصوّف وليس القانون طبقا للمكانة الحقيقية للمعطيات القانونية في القرآن. الشريعة (لفظ يُتَرجَم عادة بـ quot;القانون الدينيquot;) هي بالرغم من ذلك واحدة من المواضيع الأكثر توسّعا فيها. شُرح فيها أن مكان الشريعة داخل الخطاب الديني الإسلامي والمجتمعات العربية الإسلامية يتطابق عكسا مع المكان الذي تحتلّه في القرآن: 500 آية من أصل 6300. واللفظة مهما كانت التأويلات ومدارس الفهم يتضمّن دائما فكرة quot;المنهاجquot; الذي يجب اتباعه. وعليه الشريعة هي quot;منهاجquot; عملي متكوّن من أفعال واجبة، مندوبة، مباحة، مكروهة أو محظورةquot;. أما فكرة أنها تهمّ كل فعل إنساني، التي فرضت نفسها شيئا فشيئا، فهو تقوم على تأويل الآية 3 من السورة 5 quot;اليوم أتممت لكم دينكمquot;. ولكنّ تأويلات أخرى إقترِحت. من ذلك أن الفقيه الشافعي الكبير أبو إسحاق الشيرازي (تـ 1083 م) كان يؤكّد أن quot;أمور السياسةquot; ليست من الشريعة.
ينتهي مقال الشريعة بتقسيم الإنسانية إلى طبقات حسب المعاملات الواردة في القرآن والتي أُوكِل إليها تنظيم العلاقات بين الناس. في القمة: رُسُل الله والأنبياء ذوو سلوك يُعتبر قدوة حسنة وله قوةّ القانون في نظر الأمّة. تأتي بعد ذلك الإنسانية ndash; بنو آدم ndash; وفي أعلى السلّم الإنساني المسلمون الأحرار وفي الأسفل بنو آدم quot;الذين لا دين لهم ولا ذمّةquot;، أي بعبارة أخرى الكفّار. إذا كانت العبودية قد انتشرت في المجتمعات الإسلامية السابقة وحتّى الحالية، فذلك لأن القرآن ضمنها حتّى وإن سعى لتحسين وضعية العبيد، وكذلك لأنّه في نظر الشريعة، توجد طبقة quot;دنيا من الآدميينquot;. المجموعات غير الإسلامية المنتمية للديانتين التوحيديتين، التي يَنسِب الإسلام إليها نفسه، تجد نفسها وسط السلّم الآدمي.أفراد هذه المجموعات ليسوا معنيّين بأحكام الشريعة بالرغم من أنّهم أهل ذمّة شرط دفع الجزية.
من بين الألفاظ التي أسالت اليوم كثيرا من الحبر مثل الإستشهاد أو الحجاب، كلمة جهاد وقع تناولها مع إهتمام واضح بإزالة الرواسب عن المأثور. باختيار مسؤول من طرف أمير ndash; معزي، لم يُخصّص أي مقال لهذا اللفظ: لمزيد الإطّلاع يرجع القارئ إلى مقال quot;حرب وسلمquot;، حيث نعلم بأن الجهاد في الجزء المكي من القرآن يعني quot;حربا روحانيةquot; ndash; إذ أن الشعار هو حينئذ quot;الثباتquot;، ومقاومة الكفر ndash; ولم يقع استعماله إلاّ متأخّرا بمعنى الحرب المقدّسة. يقول علي أمير معزي أن وضْعَ القرآن في ظرفه التاريخي خاصّة آيات السّيف (الدعوة للحرب المقدسة ضدّ quot;الكافرينquot;)، هو السلاح الذي يجب إعادة توجيهه ضدّ quot;التحجّر الإختزالي لأقليّة ضئيلة، التي تُهمل قرونا من النقاش ومئات من المؤلّفات التي عبّرت عن وجهات نظر ورؤى متعدّدة لواقع شديد التعقيدquot;.
المواضيع التي دُرست ليست كلّها متعلّقة بالحرب. سواء تعلّق الأمر بوضع الحيوان، بتحديد معنى الشمس، بالمرأة، بالريح أو العفّة، في كلّ مرّة قام المؤلّفون بإعطاء المعنى أو المعاني، بما في ذلك المعنى التيولوجي. هذا المعجم القرآني ثمين من حيث أنّه يشرح بهدوء العلاقات مع quot;أهل الكتابquot; أو (اليهود والنصارى حسب التعبير الإسلامي) وكذلك مكانة المسيح ورسل الكتاب المقدس في القرآن. وهو هام أيضا من حيث المكانة المُخصّصة للمذهب الشيعي، في حين أنّ الإسلامولوجيا الغربية إهتمّت بالخصوص بالمذهب السنّي. وهو أخيرا هامّ بلغته السّهلة التي سوف تسمح له ببلوغ جمهور عريض. بالنسبة لصاحبه، أمير معزي، هذا المعجم يكون قد حقّق هدفه إذا ما أدّى quot;دورا مدنيّا مهما كان متواضعاquot;.
بقراءة مثل هذا الكتاب يمكننا أن نأمل للإسلام مسارا مماثلا للمسار الذي قوّض علاقة اليهود والمسيحيين بكتاباتهم المقدّسة وذلك بفضل التفسير التاريخو- نقدي للكتاب المقدس.
التعليقات