لقد خضعت معرفتنا بالإنسان والكون والأرض والتاريخ إلى رحلة تطورية لا تعرف التوقف أو التعب.
نحن نرى شروق الشمس كل يوم ولكننا نعرف عن عمر الشمس أنه خمس مليارات سنة، بعد أن كشف كل من (هانس بيته) و(فردريك فون فايتسكر) أن وقود الشمس غير تقليدي. وأنها ماضية في عمرها خمس مليارات سنة أخرى.
وترى عيوننا في المتوسط في السماء الصافية ثلاث آلاف نجمة ملتمعة، ولكن تلسكوب (كوب) و(هابل) دفع الرقم إلى مائة مليار مجرة، في كل مجرة مائة مليار نجم من نوع نظامنا الشمسي.
نحن نقضم التفاح ونلتهم الموز مثل أي قرد، ولكن (معرفتنا) اليوم تقول أن كل نبات وطير ودابة مكون من حشد مرصوص من الخلايا، كوحدات أولية؛ بل وصلت معرفتنا إلى إدراك أن وجودنا متوقف على تكرار نسخ وجودنا، بواسطة لغة أساسية مرصوفة في نواة كل خلية على شكل كروموسومات، هي سر الخليقة والكود الوراثي، تحوي قدرا مختلفا من الأحماض النووية، تبدأ من خمسين في فيروس السبوتنيك، وتنتهي في ثلاث مليارات في سقف الخليقة في خلية الإنسان.
نحن نرى الحجارة السوداء خارج المدينة المنورة وبعضها يلمع فيها ذرات صفراء، كما رأيت في متحف مؤسسة النقد في الرياض، ليست ذهبا بل نحاسا أما عروق الذهب فهي بيضاء لا تلفت النظر. والذهب والنحاس عنصران في الطبيعة من تدرج سلم موسيقي للعناصر يبدأ من الهيدروجين برقم واحد، ليصل إلى اليورانيوم بـ 92 بروتون في نواة الذرة. ولكن المعرفة الفيزيائية قفزت اليوم في البناء الذري إلى أن هناك مكونات دون ذرية تصل إلى 24 من كواركز ولبتونات، ويبحثون حاليا عن رقم 25 الذي تنبأ به الاسكتلندي هيجز قبل 40 سنة، ويحاول معهد سيرن في نفق ممتد بين فرنسا وسويسرا بطول 27 كم من استحداث نار الانفجار العظيم بدرجة حرارة 2 بليون درجة من العثور عليه؟
بل يدفعها العلماء من أمثال (جون ويلر) إلى نظرية الأوتار الفائقة، والمكون المتعدد على شكل فقاعات متعددة.
كنا نعتقد ببديهيات مثل الزمان والمكان والقوانين والطاقة والمادة. ويظهر الآن أن الزمن بعد سحقه إلى الفيمتو ثانية لا يشكل عملة موحدة في الكون، بل هو مرتبط بالسرعة والكتلة، فمن اعتلى ظهر شعاع الضوء تجمد الزمن. ومن كان على كتلة عرضها السموات والأرض دخل باب الخلود، ويؤتى بالموت على شكل كبش أملح فينحر.
كما جاء في الحديث والآية..
ولم يبق المكان والأبعاد الثلاثية كما هي مع النسبية، بل تسحق إلى بعد واحد.
أما القوانين فقد أدخل مبدأ الارتياب إليها اللاموضوعية واللاحتمية والاحتمالية، وهو ما صاغه (جاوس) من جامعة جوتنجن في ألمانيا على شكل قوانين مرتبطة بالهندسة التحليلية.
وتكسرت فيزياء أقليدس التقليدية، كما في قصة الخط المستقيم وخروج خط آخر من عدمه بين نقطتين، فتحطمت على يد ريمان ولوباتشوفسكي.
أما علاقة الطاقة بالمادة فقد خذل الشيطان خذلانا مبينا، وانكشفت عورته العلمية، حين قال أنا خير منه أنا طاقة وهو مادة؟!
فتبين أن الطاقة والمادة وجهان لحقيقة واحدة، بل كانت المادة طاقة مكثفة مضغوطة في حيز صغير، كما ضغط كل الكون سابقا في حيز أقل من بروتون واحد!!
وبذلك خر سقف فيزياء نيوتن التقليدية، في الأبعاد الخمسة؛ الزمان والمكان والقوانين والطاقة والمادة..
وتحتم على فلسفة العلم صياغة نظرية كونية جديدة كما أشار إلى ذلك روبرت آغروس في كتابه النظرة الجديدة للعلم.
وأصبحت النسبية تقدم العالم في أربعة أبعاد، بل دفعها علماء الفيزياء إلى أحد عشر بعدا..
نحن كنا نظن أن عمر الإنسان على وجه الأرض بضعة آلاف من السنين، وقدرته الكنيسة يوما 4004 سنة قبل الميلاد؟ فتبين أنها بضعة ملايين من السنين.
وكان آخر كشف علمي لبقايا الإنسان في تشاد، رفعت الرقم إلى سبعة ملايين من السنين.
وعرفنا أن شكلنا الحالي هو آخر موديل أنتجته الأرض، ولن يقف التطور عندنا فقد يستبدل الله قوما غيرنا ثم لا يكونوا أمثالنا.
لقد مر من قبلنا ما لا يقل عن درزن من الأناسي، اختفت كلها، وكان آخرهم إنسان نياندرتال الذي عمر أوربا والشرق الأوسط،ثم اختفى قبل 35 ألف سنة بسبب مجهول، وقد ينقرض جيلنا بسبب مجهول أو معلوم.
كان ذلك في الكتاب مسطورا... وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح..
ونحن نعرف اليوم أن رحلة الإنسان بدأت من حيث انتهى أوباما، في شرق أفريقيا، وكان ذلك قبل 200 ألف سنة، بظهور الإنسان الناطق الهوموسابينز سابينز، العاقل العاقل مرتين، حيث انتشر في الأرض، ليصل إلى بتاغونيا قبل 12 ألف سنة، وتعرض قبل 75 ألف سنة إلى محنة كونية بانفجار بركان كراكاتو حيث تغيرت الحياة تماما، ومات معظم البشر إلا بضعة آلاف تابعت الرحلة بما يذكر بطوفان نوح قديم بدون طوفان؟
نحن كنا نعتقد أن الجنس من ذكر وأنثى ثابتا مثل بزوغ الشمس ودورة القمر، ولكن تبين أن الفحول في طريقهم إلى الزوال بتآكل الكروموسوم الذكري، فلن يبقى ذكور في المستقبل وسوف تعتمد الطبيعة تكاثرا مختلفا.
نحن ظننا أننا ضبطنا المرض مثل المجرم متلبسا بالجريمة، وقضينا على الجراثيم بالصادات الحيوية، فقفز لنا من المجهول الفيروس (الميت ـ الحي)، يضرب بالسار والإيبولا والإيدز، بل جنون البقر والبشر بدون فيروسات في عتبة جديدة من الأمراض ليست على الخيال.
مما يظهر لنا جدلية التحدي ولعبة التطور وتفاعل العلم مع المجهول.
كان البشر يسلمون بقدرية الحرب وأزليتها وأنها قانون هرقليطس الذي لايهتز، أنها أم التاريخ وأبوها، ولكن العالم دخل السلم مرغما، بعد أن رأى أبواب الجحيم والفناء، وحصل هذا من حيث أريد عكسه من بوابة التكنولوجيا، أكثر من مواعظ الرسل والقديسين والزبور والتوراة والإنجيل.
وكان ذلك في 16 يوليو 1945م عند الساعة الخامسة والنصف في ألامو جوردو بتجريب أول سلاح نووي، فاستعمل السلاح الذري مرة واحدة ولم يتكرر، على الرغم من أعنف الأزمات في كوبا وكوريا والشرق الأوسط، وماتت مؤسسة الحرب غير مأسوف عليها، مع بكاء آلهة الحرب ونواحهم ونديبهم.
نحن لم نكن نعرف التاريخ والأنبياء وموقعهم في الجدول الزمني، وحاليا نعرف أن آدم هو الهومو سابينس، ويمثل عتبة أولى في الأنثروبولوجيا، وأن نوح يمثل مرحلة ما قبل التاريخ، حيث لم تكن كتابة، قبل 7500 سنة، قبل صحف إبراهيم وموسى واختراع الكتابة قبل خمسة آلاف سنة، والأخيران واجها أعظم حضارة وأطولها عمرا هي الحضارة الفرعونية.
نحن لم نكن نعرف عمر الكون، واختلف في هذا الفلاسفة وأتباع الأنبياء، ولكن من فك السحر وحل اللغز كان العلم، ونحن نعلم اليوم عن طريق الإشعاع الأساسي أن الكون انفجر قبل 13,7 مليار سنة، من نقطة متفردة، في جزء من واحد من السكستليون من الثانية، في حيز أقل من بروتون واحد، في حرارة ترتفع إلى أكثر من مليون مليون درجة، ليشكل العالم الحديث، ولذا كان جواب العلم أصدق في الكتب من أخبار السيف والفلسفة والحرب..
كانت الأمراض سابقا تأتي فتجتاح المدن، ويدخل الطاعون ويخرج وقد محا محاسن الحضارة، فلا يعرف أحد كيف جاء ولا كيف انصرف، كما حكا ابن خلدون مؤرخا للطاعون وانهيار الحضارة الإسلامية،؟
واليوم نعرف عن الوحدات الإمراضية ونكبر فيروس الايدز 65 ألف مرة فنراه رأي العين.
ويضرب السيكلوترون ضربته فنرى فصوص البناء الذري، بعد أن انضغطت موجة الرؤية مع السرعة ما هو أقل من موجة الإلكترون.
وهو ما تراهن عليه تجربة معهد سيرن للفيزياء النووية في الوصول إلى مرحلة البلاسما الكونية ثلاث دقائق بعد الانفجار العظيم، ومعرفة سر مضاد المادة والمادة المعتمة وجزيء هيجز..
وهكذا فقد اجتاح العلم محيطات المجهول، فاكتشف جزرا طافية هنا وهناك، وهي نقاط ارتكاز بسيطة في محيط طامي لتأسيس المعرفة الحقة.
لقد بدأت الرحلة الإنسانية قبل عشرة آلاف سنة، فكان الإنسان يطارد الوحوش ويأكلها، والوحوش تطارده وتأكله، ولم يبدأ التاريخ الفعلي للإنسان بعد.
وإذا كان الطفل يتعلم النظافة من مخلفاته بعد سنين من الولادة، فهو مثل جيد لكل الجنس البشري، فكما كان الطفل يحمل الاستعدادات لكائن مختلف، كذلك الحال في المجتمع الإنساني، الذي يكثر فيه المليارديرات إلى 538 متخما، على حساب شفط الثروة العالمية من يد 55% من الجنس البشري، كما يظهر عجزه في انفلات القتل والحرب والإرهاب من مكان لآخر، شاهد عجز، أن الجنس البشري لم يصل مرحلة الرشد بعد.
وأننا لم نصل بعد مرحلة الحضارة صفر على مستوى الكرة الأرضية، بوجود اتحاد عالمي ديمقراطي عنده قدرة اتخاذ القرارات، وإلغاء مجلس الرعب ـ عفوا الأمن ـ الذي يمثل هبل العالمي، في إعاقة ولادة العدل في العالم، وتعطيل مشاريع السلام في معظم الأحيان.
لذا فالمراهنة هي على العلم...
وحين يتحول الدين إلى علم يصبح عالميا، كما في حبوب الأسبرين والصادات الحيوية والأشعة السينية وحبوب الفياجرا، فهي تنتشر في العالم ويستخدمها الكل...
ومع ولادة الدولة العالمية القادمة سوف يتم إلغاء الحرب تماما، وتفتيت صنم الجوع، وتحقيق جرعة أعلى من العدل والأمن والحريات، وتعميم الرفاهية كما تعمم الموبايل.
والقضاء على الأمراض كما ينال كل طفل في العالم لقاح البوليو. وتوفير الماء النظيف كما هو عادي في بعض الدول، ومحروم منه 600 مليون من الأنام.
و يتمتع الإنسان بالتربية البدنية مع تطوير البحث الجيني لمد العمر بصحة غامرة.
مضافا لها ماء سلسبيلا من التربية الروحية، ودخول مرحلة الإنسان عالمي الثقافة.