طالعتنا شاشة الفضائية العراقية بعرض لجلسة مسلية وخطيرة في الوقت ذاته لمجلس النواب العراقي، الذي حل جميع مشاكل الكهرباء والماء والقتل على الهوية والفساد والسرقة والطائفية والنفط والقاعدة وفرق الموت والتفجيرات والبطالة والمهجرين والانتخابات والاحتلالات والأنهار والتعليم والصحة والتنمية، وأفرد وقته الثمين لمناقشة مسألة المشروبات الروحية، وافرد لنا خطبا مطولة في الحلال والحرام والنصوص الدستورية الصريحة، والأهم من ذلك المؤامرة الدولية التي تستغل منظمات المجتمع المدني لترويج الخمور لإسقاط العراق!
لم يترك لنا دراويش البرلمان من الطائفتين حجة إلا وساقوها في مهرجان سياسي الغرض منه النيل من أطراف أخرى في دولة التوافقات المزعومة مع اقتراب موسم الانتخابات، فاكتشفنا بمعونة quot;نواب الشعبquot; بأن الخمر هي quot;الطامة الكبرى quot; التي تقضي على الحضارات، وبأنها تأتي في سياق الغزو الثقافي ضد الإسلام، كما إنها بدعة غريبة على الشعب العراقي. ولم يفت النواب بأن يطالبوا وزارة الداخلية بتولي هذا الملف،بعد أن حلت جميع المشاكل الأخرى، في شوق إلى جماعات من طراز الحرس الثوري أو النهي عن المنكر في بعض دول الجوار. يبحث إذن متأسلمو القرن الحادي والعشرين في العراق عن جهاز قمعي يحكمون به ليس تناول الخمر فحسب، بل والكتاب والأغنية و الثياب والأفكار وكل صغيرة وكبيرة وصولا إلى ترويض الشعوب وركوبها باسم فرض الفضيلة بالعصا، فلم يكفيهم ما فعلت ميليشياتهم بالنساء والشباب في أنحاء مختلفة من العراق.
لا ألوم من هؤلاء من قد لا يدري هؤلاء بأن أجدادهم السومريين كانوا أول من أبتكر ماء الشعير المخمر (التعريف المهذب للبيرة) قبل سبعة آلاف عام، وبأننا أول من غزا العالم ثقافيا، ليس بالخمر، بل بالكتابة والعلم والموسيقى والأدب والجمال، ولا ننسى بأن الخمور كانت مباحة في عصر احفادهم العباسيين، ولم تمنعهم من بناء الحضارة الأسمى والامبراطورية الأكبر في ذلك العهد، وبقيت كذلك حتى يومنا هذا ضمن تقاليد سكان هذا الجزء من العالم الذي يشمل ايضا الشام والهلال الخصيب حيث اقامت الشعوب حضارات ترفة وغنية ومنفتحة إلى حد كبير. لقد ابتكر مخترعو البيرة ايضا العجلة والكتابة والمثلثات والرياضيات والأديان، ولم تمنعهم quot;الخمرة quot; من رسم تاريخ البشرية الأولى، فماذا أخترع لنا دعاة اليوم غير القتل والنهب والسرقة والفساد؟
لا استغرب أن اعتبر هؤلاء هذه العادة، وأنا هنا لا أحمدها، غريبة عن الشعب العراقي، فجلهم لم يعش في العراق وبعضهم جاء الى الدنيا وقد ولد في الجوار المظلم شرقا وجنوبا، ويحلم ببغداد ملتحية سوداء اللون حيث لا شعر يقرأ ولا وتر يسمع، ليقيم دولة الخيمة والسيف والحور. يمتشقون سلاح الدين كلما أرادوا أن يطفئوا شمعة أو أن يقتلوا عصفورا، ويغمدونه كلما ظهر لهم بريق الدولار الأخضر.
ليست الخمر هي القضية، انما القضية هي الزحف غير المقدس على خصوصيات الناس وحرياتهم، وإن شاء نواب التكية أم أبوا ورغم كل ما تنابزوا به يوم أمس،، فإن تعاطي الخمر حرية شخصية وحق لكل مواطن مسؤول عن قرارته، كما ارتداء الحجاب أو قلعه، وإطلاق اللحية أو حلقها وممارسة هذا الطقس أو ذاك، واتخاذ موقف من العالم قد يختلف مع ما يظننونه صحيحا، وباختصار وبعيدا عن التفاصيل. إن الهدف ما وراء هذه الإيديولوجيات ليس منع تناول الخمر، وإنما هو مصادرة حق الإنسان في رسم اختياراته،، تلك الاختيارات التي أقرها العالم منذ زمن بعيد منذ زمن بعيد باستثناء هذا الجزء المنكوب بأمثالهم، حيث يعلمون بأنهم لن يسودوا إلا في مجتمع ثقافة القطيع والسمع والطاعة. وغدا، سيجتمع الربع لمناقشة الحجاب، وقصّات الشعر، والملابس، وصولا إلى الكتب والنشر والصحافة وانتهاء بالحريات السياسية على طريق تأسيس الدويلة الثيوقراطية على الطريقة الأميركية. وبالطبع سيرتع هؤلاء في الأسواق السوداء التي سيلدها المنع والقمع، من المشروبات إلى الكتب، في مدن أعلاها مآذن وأسفلها معاصر وفق تعبير الروائي حمزة الحسن.
لقد انتهى عصر quot;المجموعةquot; التي تحتكر المعرفة وترسم للافراد ما هو حق وما هو باطل منذ قرون عديدة، وجاء عصر الإنسان الحر الذي يحدد ثوابته وخياراته، وإن جاء الأميركيون ببعض من ساسة التكايا لأغراض في نفس يعقوب، فإن هذه لن تتعدى كونها موجة سياسية فرضها كبار العالم ليحرقوا هذا النموذج أمام انظار الشعوب، بعد أن يثبتوا لها بالممارسة العملية بأن هؤلاء لا يمكن أن يضعوا حجرا على حجر، ولا أن يحفروا ساقية، ولا يغرسوا شجرة، وبأنهم مثلهم مثل غيرهم، يضعون quot;مثلهم وقيمهم الساميةquot; عند الباب الخارجي للبنك أو الشركة أو السفارة.
يستجوب هذا المجلس وزيرا، ولا يجرؤ على استجواب قتلة ذبحوا الابرياء أو لصوص نهبوا المال والحلال من بين الجالسين بينهم، ويناقشون ميزانية الدولة، ولكنهم يفردون لأنفسهم امتيازات ما نالها هامان في زمن فرعون، ويبكون من الاحتلال نهارا ويبكون على قدميه ليلا.
لم تترك هذه التكية البرلمانية للعراقيين شيئا ليبكوا عليه، بل باتت موضوعا للنكتة والغمزة واللمزة بعد أن فقدت احترام الناخبين والحكومة والعالم كله، وليخرجوا ويجلسوا في المقاهي ليسمعوا ما يقول العراقيون عنهم، وإن تعسر ذلك وأساء الى مقامهم العالي فليقرأوا ما تكتبه عنهم صحافة العالم.
أتمنى أن يصحح الناخب العراقي خياره في كانون المقبل، وينتصر للعقل والعلم والفن الأدب والجمال، كما ينتصر للأمن والاستقرار والتنمية والإعمار، وليرسل الدراويش الى تكاياهم وسراديبهم قبل ان يمتد عصر الحرائق لسنوات أخرى.
لم يترك لنا دراويش البرلمان من الطائفتين حجة إلا وساقوها في مهرجان سياسي الغرض منه النيل من أطراف أخرى في دولة التوافقات المزعومة مع اقتراب موسم الانتخابات، فاكتشفنا بمعونة quot;نواب الشعبquot; بأن الخمر هي quot;الطامة الكبرى quot; التي تقضي على الحضارات، وبأنها تأتي في سياق الغزو الثقافي ضد الإسلام، كما إنها بدعة غريبة على الشعب العراقي. ولم يفت النواب بأن يطالبوا وزارة الداخلية بتولي هذا الملف،بعد أن حلت جميع المشاكل الأخرى، في شوق إلى جماعات من طراز الحرس الثوري أو النهي عن المنكر في بعض دول الجوار. يبحث إذن متأسلمو القرن الحادي والعشرين في العراق عن جهاز قمعي يحكمون به ليس تناول الخمر فحسب، بل والكتاب والأغنية و الثياب والأفكار وكل صغيرة وكبيرة وصولا إلى ترويض الشعوب وركوبها باسم فرض الفضيلة بالعصا، فلم يكفيهم ما فعلت ميليشياتهم بالنساء والشباب في أنحاء مختلفة من العراق.
لا ألوم من هؤلاء من قد لا يدري هؤلاء بأن أجدادهم السومريين كانوا أول من أبتكر ماء الشعير المخمر (التعريف المهذب للبيرة) قبل سبعة آلاف عام، وبأننا أول من غزا العالم ثقافيا، ليس بالخمر، بل بالكتابة والعلم والموسيقى والأدب والجمال، ولا ننسى بأن الخمور كانت مباحة في عصر احفادهم العباسيين، ولم تمنعهم من بناء الحضارة الأسمى والامبراطورية الأكبر في ذلك العهد، وبقيت كذلك حتى يومنا هذا ضمن تقاليد سكان هذا الجزء من العالم الذي يشمل ايضا الشام والهلال الخصيب حيث اقامت الشعوب حضارات ترفة وغنية ومنفتحة إلى حد كبير. لقد ابتكر مخترعو البيرة ايضا العجلة والكتابة والمثلثات والرياضيات والأديان، ولم تمنعهم quot;الخمرة quot; من رسم تاريخ البشرية الأولى، فماذا أخترع لنا دعاة اليوم غير القتل والنهب والسرقة والفساد؟
لا استغرب أن اعتبر هؤلاء هذه العادة، وأنا هنا لا أحمدها، غريبة عن الشعب العراقي، فجلهم لم يعش في العراق وبعضهم جاء الى الدنيا وقد ولد في الجوار المظلم شرقا وجنوبا، ويحلم ببغداد ملتحية سوداء اللون حيث لا شعر يقرأ ولا وتر يسمع، ليقيم دولة الخيمة والسيف والحور. يمتشقون سلاح الدين كلما أرادوا أن يطفئوا شمعة أو أن يقتلوا عصفورا، ويغمدونه كلما ظهر لهم بريق الدولار الأخضر.
ليست الخمر هي القضية، انما القضية هي الزحف غير المقدس على خصوصيات الناس وحرياتهم، وإن شاء نواب التكية أم أبوا ورغم كل ما تنابزوا به يوم أمس،، فإن تعاطي الخمر حرية شخصية وحق لكل مواطن مسؤول عن قرارته، كما ارتداء الحجاب أو قلعه، وإطلاق اللحية أو حلقها وممارسة هذا الطقس أو ذاك، واتخاذ موقف من العالم قد يختلف مع ما يظننونه صحيحا، وباختصار وبعيدا عن التفاصيل. إن الهدف ما وراء هذه الإيديولوجيات ليس منع تناول الخمر، وإنما هو مصادرة حق الإنسان في رسم اختياراته،، تلك الاختيارات التي أقرها العالم منذ زمن بعيد منذ زمن بعيد باستثناء هذا الجزء المنكوب بأمثالهم، حيث يعلمون بأنهم لن يسودوا إلا في مجتمع ثقافة القطيع والسمع والطاعة. وغدا، سيجتمع الربع لمناقشة الحجاب، وقصّات الشعر، والملابس، وصولا إلى الكتب والنشر والصحافة وانتهاء بالحريات السياسية على طريق تأسيس الدويلة الثيوقراطية على الطريقة الأميركية. وبالطبع سيرتع هؤلاء في الأسواق السوداء التي سيلدها المنع والقمع، من المشروبات إلى الكتب، في مدن أعلاها مآذن وأسفلها معاصر وفق تعبير الروائي حمزة الحسن.
لقد انتهى عصر quot;المجموعةquot; التي تحتكر المعرفة وترسم للافراد ما هو حق وما هو باطل منذ قرون عديدة، وجاء عصر الإنسان الحر الذي يحدد ثوابته وخياراته، وإن جاء الأميركيون ببعض من ساسة التكايا لأغراض في نفس يعقوب، فإن هذه لن تتعدى كونها موجة سياسية فرضها كبار العالم ليحرقوا هذا النموذج أمام انظار الشعوب، بعد أن يثبتوا لها بالممارسة العملية بأن هؤلاء لا يمكن أن يضعوا حجرا على حجر، ولا أن يحفروا ساقية، ولا يغرسوا شجرة، وبأنهم مثلهم مثل غيرهم، يضعون quot;مثلهم وقيمهم الساميةquot; عند الباب الخارجي للبنك أو الشركة أو السفارة.
يستجوب هذا المجلس وزيرا، ولا يجرؤ على استجواب قتلة ذبحوا الابرياء أو لصوص نهبوا المال والحلال من بين الجالسين بينهم، ويناقشون ميزانية الدولة، ولكنهم يفردون لأنفسهم امتيازات ما نالها هامان في زمن فرعون، ويبكون من الاحتلال نهارا ويبكون على قدميه ليلا.
لم تترك هذه التكية البرلمانية للعراقيين شيئا ليبكوا عليه، بل باتت موضوعا للنكتة والغمزة واللمزة بعد أن فقدت احترام الناخبين والحكومة والعالم كله، وليخرجوا ويجلسوا في المقاهي ليسمعوا ما يقول العراقيون عنهم، وإن تعسر ذلك وأساء الى مقامهم العالي فليقرأوا ما تكتبه عنهم صحافة العالم.
أتمنى أن يصحح الناخب العراقي خياره في كانون المقبل، وينتصر للعقل والعلم والفن الأدب والجمال، كما ينتصر للأمن والاستقرار والتنمية والإعمار، وليرسل الدراويش الى تكاياهم وسراديبهم قبل ان يمتد عصر الحرائق لسنوات أخرى.
التعليقات