برغم تهديد خامنئي يوم الجمعة بحمامات دم لو استمرت المظاهرات، فإنها استمرت بعد خطابه مباشرة، وفي اليوم التالي- السبت، حيث نكتب في مسائه هذه السطور، وحيث الأخبار المقتضبة تتحدث عن تصاعد القمع وعن حدوث مصادمات كبرى، ووقوع ضحايا جديدة. إن تحدي الشارع لتحدي خامنئي إضعاف كبير لمركزه الديني والقيادي.
إن خامنئي فضح نفسه بوقوفه الحاسم مع نجاد مع أن هذا موضع اعتراضات ومساجلات، فالفقيه المفترض به محايدا برز كرجل سياسة منحاز لفريق دون فريق.
إن الأزمة الإيرانية لا تزال الخبر الأبرز في الصحافة الدولية، والغربية بوجه خاص، فمعظم الصحف الفرنسية مثلا تخصص صفحات كثيرة للوضع الإيراني، من اليسارية quot;كلوموندquot; وإلى quot;الفيجاروquot;، القريبة من الحزب الحاكم، فضلا عن المجلات الأسبوعية، مثل quot;لو بوانquot; وquot;الإكسبرسquot; وغيرها. والحال مشابهة في الولايات المتحدة باتجاه إدانة القمع ودعم المطالب الشعبية الإيرانية بالحرية والديمقراطية، وقد تعرض الموقف الباهت لأوباما لتساؤلات داخل حزبه نفسه، واتفق الديمقراطيون والجمهوريون معا في الكونغرس على إصدار بيان قوي في دعم المطالبة الشعبية الإيرانية السلمية بالحرية، مما اضطر معه أوباما لإصدار تصريح جديد أوضح من سابقه ولكنه غير كاف.
لقد عُرف الرئيس الأميركي، قبل وخلال ترشيحه، بالحماس لمبدأ التدخل الإنساني المتعدد الأشكال لصالح الشعوب التي تتعرض لانتهاكات حقوق الإنسان أو الإبادة، وكان في هذا أكثر حماسا من المرشح الجمهوري، ولكنه اليوم يقف موقفا فاترا باسم عدم التدخل في الشأن الإيراني الداخلي. والواقع، أن النظام الإيراني لم يكف عن مهاجمة الغرب قبل هذه الأزمة، فمثلا، إن أحمدي نجاد افتتح حملته الانتخابية بوصف quot;قوى الاستكبارquot;، أي الغرب، بالكلاب، ولذا فالخوف من الاتهام بالتدخل غير وارد لكونه مألوفا لدى أنظمة الاستبداد، إذ كلما انفجرت حركة شعبية راحت تتحدث عن quot;الأصابع الأجنبيةquot;؛ بل إن هذه الأنظمة تتهم الدول الغربية لمجرد أن إعلامها ينشر أخبار المعارضة الشعبية.
إن إدانة أساليب العنف، ودعم المطالبة بالحرية، هما، بالعكس، يقويان معنوية الشعب الإيراني ولا يعتبران تدخلا وفق ميثاق الأمم المتحدة، وهذا أيضا ما فعله المجتمع الدولي ويفعله انتصارا للمعارضة في ديكتاتورية بورما.
جدير بالذكر أيضا أن صحفيا أميركيا يساريا، هو quot;روجير كوهينquot;، الذي أشرنا له مرارا، والذي كان يدبج سلسلة مقالات متواصلة في تزيين النظام الإيراني، واعتبر في أحدها أحمدي نجاد quot;صديقنا الذي في طهرانquot;، يعود اليوم لانتقاد الكثير مما كتبه، ويقول إنه لم يكن مقدرا تماما مدى الطابع القمعي للنظام الإيراني، وهو يدعو أوباما للتريث حول الحوار مع إيران.
لقد كتبنا في مقالاتنا السابقة أن محور الغضب الشعبي ليست نتائج الانتخابات وحدها، بل جاءت الانتخابات كمفجر لحركة شعبية عارمة، تنادي بالحرية، وموجهة ضد النظام نفسه، وهي اتخذت من موسوي رمزا لتفجير غضبها ضد سياسات نجاد، فموسوي هو على كل حال جزء من النظام الإسلامي حتى ولو خالف اليوم خامنئي نفسه.
تكتب افتتاحية الفيجارو ليوم السبت، 20 منه، وتحت عنوان quot; إيران والحرية والمرشد الأعلىquot;:
quot; إن ما لا يفهمه المرشد الأعلى هو أن الجماهير، التي تتظاهر منذ ثمانية أيام احتجاجا على التزوير الانتخابي، ليست معبئة لمجرد هذا. إن القضية ليست خذلان هذا المرشح أو ذاك، ممن غير معروف مدى اختلاف برامجهم حقا، وإنما القضية هي للمطالبة بانفتاح حقيقي نحو الحرية.quot;
نعتقد أنه، حتى لو أخمد القمع الوحشي الحركة المندلعة، فإن النتائج سوف تظهر مستقبلا، بما يهدد النظام نفسه، وبما يفتح الطريق نحو المطالبة الشعبية باستبداله.

مساء 20 يونيو 2009