ليس غريبا هذا الاهتمام الدولي والإقليمي المتصاعد بنتائج الانتخابات الإيرانية، فالأسباب معروفة ولا داعي لتكرارها هنا.

إن قوى الرجعية والتطرف والعنف قد استقبلت النتائج بحماس، ومنها حزب الله وحماس، ولكن قوى التقدم والديمقراطية والسلام في العالم قد استقبلت النتائج بمرارة، لا تفوقها غير مرارة الجماهير الإيرانية، التي عبرت بكل الوسائل السلمية العلنية عن رفض سياسات محمود أحمدي نجاد، وعن التطلع نحو الديمقراطية وسيادة حقوق الإنسان. إن جماهير الشباب والنساء، التي اختارت السيد مير حسين موسوي مرشحا، إنما عبرت، قبل كل شيء، وفي الأساس، عن رفض استمرار الدكتاتورية الدينية العسكرية، وليس اعتقادا بأن موسوي هو الذي سينقذ الشعب من كابوس النظام. فهو رجل النظام، وكان رئيساً للوزراء سابقاً، وهو الذي أعاد بقوة تنشيط المشروع النووي مستعينا بالخبراء الباكستانيين. لقد التفوا حوله لأنه فضح بقوة سياسات نجاد، ودعا للانفراج الداخلي، وتحسين العلاقات مع العالم، ومعالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية. إن شعاراته هي التي التفوا حولها، ولكن من دون نسيان تجربة عهد خاتمي المريرة، التي خيبت في حينه كل آمالهم. إن نجاح موسوي كان سيضعف النظام جزئيا، ويفتح ثغرة يمكن أن ينفذ منها دعاة التغيير للانتقال إلى خطوات أخرى نحو تغيير أكبر، وهذا هو ما يخشاه نظام خامنئي، أي حركة الشارع، وتحديها للنظام برغم عمليات القمع الوحشية، وبرغم الحصار الإعلامي. بعبارة، اتخذوا من ترشيحه رمزا للتحدي وإرادة الانتقال لعهد جديد.

لقد كشفت المظاهرات، والاحتجاجات الصاخبة، ومصادمات الشارع، المندلعة لحد كتابة هذه السطور، عن عمق أزمة النظام، وهي أزمة مزمنة انفجرت اليوم بكل حدتها، وبان الشرخ الكبير في المجتمع، بين قوى الشباب المتطلعة للحداثة والحريات الشخصية، وبين نظام الملالي الثيوقراطي العسكري والجماهير المنخدعة به، وبرغم النتيجة والقمع، فإن إيران ما بعد الانتخابات ليست بالضبط إيران ما قبلها، والنظام صار ، كما نرى، يشعر بالخطر..

لقد رد نجاد، بالقمع العنيف، وبتحريك تلك الجماهير التي لا تزال مخدوعة بخطابه الغوغائي، وبادعائه تمثيل quot; المستضعفينquot;؛ كما أنه رد على الرأي العام العالمي، ويقصد أميركا أولا، بإعلان جديد، حاسم، صارخ، عن غلق الملف النووي، وأن لا تفاوض حوله ndash; وهو تكرار لتصريحات سابقة، ولكنه هنا ذو مدلول أكبر لمن يستوعبون من دعاة التفاوض بلا شروط!! وتكتب صحيفة الفيجارو في افتتاحية اليوم، الخامس عشر من يونيو:

quot;إن باراك أوباما يصعب عليه أن يمد يده لأحمد نجاد ٍ ذي المواقف غير المقبولة وذي الشرعية المهزوزة.quot;

تقول بعض التحليلات إن الشارع الذي جاء بالنظام قادر على إسقاطه، وهو تحليل لا نشارك فيه، إذ أن النظام الإيراني شمولي قمعي، يصادر الحريات، ويقمع قوى المعارضة الشعبية وحتى quot;الإصلاحيةquot;، ومهما كانت قوة ودينامية حركة الشارع، فلابد من أن تتلقى كل دعم خارجي متعدد الأشكال، فالعامل الخارجي، كما ورد في مقالنا السابق، يلعب دورا أساسيا وشديد الأهمية، في تمكين قوى التغيير من تبديل النظام بآخر ديمقراطي. فمهما كانت الثغرة التي يمكن فتحها في النظام، فإن التغيير السلمي الشعبي غير قادر لوحده على دحر الأنظمة الشمولية الدموية، quot;مدنيةquot; كانت أو دينية. إن انهيار الاتحاد السوفيتي هو الذي مكن الجمهوريات السابقة من الإنعتاق، والعامل الخارجي هو الذي أسقط صدام، وهو الذي أجبر القذافي على تغيير المسار والتخلي عن إسناد الإرهاب والتطلع النووي، وإن العون الدولي الفعال، والعقوبات الدولية الصارمة في عزل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، هي التي فككت ذلك النظام، فتحرر الشعب من أسره، وسار نحو الديمقراطية، وأصبحت الدولة ذات مكانة في العالم.

نعم لقد ضرب النظام الشمولي حلم قوى التغيير، وما وصف بالثورة المخملية، ولكنها انتكاسة إلى حين، غير أنه، وفي كل الأحوال، فقد برهن شباب إيران ونساؤها، والشرائح السكانية الأخرى الواعية، على القدرة على التحدي برغم التنكيل الوحشي، وقد أثبتوا أنهم لا يمكن أن يستسلموا للأبد لنظام الملالي، الذي كان قد صادر التطلعات الثورية الديمقراطية للشعب بعد سقوط الشاه.

تحية لقوى التغيير الباسلة في إيران، والتي تستحق الدعم الخارجي الفعال.