لا جدوى من تكرار الحديث عن الإمكانات المتواضعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية وحلفائها في الصراع الذي يخوضونه في مواجهة الولايات المتحدة الاميركية وحليفتها إسرائيل. المسألة لا تتصل بموازين القوى من أي باب. هذه لطالما كانت مختلة اختلالاً فادحاً لصالح الولايات المتحدة الاميركية. المسألة تتعلق عملياً وفعلياً بحدود الرغبة الاميركية في التغيير في إيران او في اي مكان آخر يشهد تدخلاً إيرانياً فاعلاً. النتيجة المنطقية لهذا كله تقول: تستطيع الولايات المتحدة الأميركية التعايش مع قنبلة نووية ايرانية. كما أنها تستطيع التعايش مع وجود قوى معسكرة بالكامل على حدود إسرائيل. الحديث عن تهديد وجودي لإسرائيل بسبب صواريخ حماس وحزب الله لا يبدو وفق المعطيات الراهنة حديثاً دقيقاً. الأميركيون يستطيعون التعايش مع هذا كله. خصوصاً ان تاريخ الولايات المتحدة يثبت انها هزمت وحدت من طموحات امبراطورية نووية كبرى لا مجال لمقارنتها من حيث العظمة والقوة بإمبراطورية إيران المحدودة المساحة، جغرافياً وايديولوجياً. ولا مبرر للاعتقاد ان قنبلة نووية ايرانية ستشكل خطراً فعلياً على الولايات المتحدة او على إسرائيل. فللسلاح النووي شروطه الملزمة وميادين معاركه المحدودة. وعلى اي حال لم تنفع القنبلة الباكستانية في تخويف حركة طالبان الباكستانية او دفعها للتراجع عن محاولة الإمساك بمقاليد السلطات في باكستان. هذا من جهة أولى، اما من جهة أخرى فليس ثمة ما يدعو إسرائيل التي تملك اكثر من مئتي رأس نووي، بحسب تقارير مضى عليها زمن طويل، إلى التخوف من قدرات نووية إيرانية مستجدة. فالتهديد النووي يقابل برد نووي والخاسر في معادلة التهديد النووي هو من يملك قنابل اقل، وتكنولوجيا اضعف.
لكن هذا كله لا يخفي واقع ان شعوب منطقة الشرق الأوسط ونخبها تشعر بثقل الانتصار الإيراني داخل حدودها. لقد انتصرت ايران على جيرانها. ذلك ان هؤلاء الجيران افترضوا ان الولايات المتحدة الاميركية معنية اكثر منهم بمسألة السلاح النووي الإيراني، وتركوا لها تقدير طبيعة المعركة ورسم حدودها. مما جعل التردد الأميركي في منع إيران من امتلاك القوة النووية بقوة السلاح إذا لزم الأمر يبدو كما لو أنه خيانة أميركية لخصوم إيران في المنطقة. وهذا ايضاً كان احد الأسباب التي حدت بخصوم المشروع الإيراني في المنطقة إلى التراجع والتحصن عند خطوط دفاع أخيرة. والحال، وبالنظر إلى الوقائع، ليس ثمة تهديد إيراني لإسرائيل يجعل هذه الأخيرة تخشى من تعاظم قوة إيران العسكرية والنووية. مثلما ان الحديث عن توازن الرعب بين إسرائيل والقوى المسلحة التي تناصبها العداء قولاً وفعلاً على حدود الكيان الإسرائيلي يعمل على الجانبين. ففي الوقت الذي تشكل فيه صورايخ حزب الله وحركة حماس رادعاً من اي اعتداء إسرائيلي على لبنان او غزة، فإن طائرات إسرائيل ومدافعها تشكل رادعاً مماثلاً من اي اشعال للجبهات قد يلجأ إليه حزب الله او حركة حماس. مما يعني ان الصراع بين الطرفين استقر على صمت مشوب بالحذر بين الجانبين، تقطعه بين الفينة والفينة تهديدات متبادلة تعيد تذكير كل طرف من الأطراف بموقعه في المعادلة. في المقابل لا يمر خيار رفع وتيرة التسلح من جانب حزب الله وحركة حماس من دون تأثيرات داخلية في لبنان وفلسطين وفي الجوار. ذلك ان حمى التسلح تفعل فعلها داخلاً وخارجاً. والحق ان الهدوء الذي تشهده الجبهات لا يعني في حال من الأحوال تحييد السلاح عن التأثير الداخلي. والأرجح ان إيران التي تقود جبهة العداء لإسرائيل تستفيد ايما استفادة من بقاء العداء اللفظي ضد إسرائيل عالي الوتيرة، مع محاولة ابقاء الجبهات هادئة. فالتهديدات الإسرائيلية المتنقلة والمتواترة تحصّن سلاح حماس وحزب الله من اي نقد داخلي، وتفعل فعلها في تغيير المعادلات الداخلية في المنطقة عموماً لصالح المشروع الإيراني.
لكن الحجة الإيرانية على وجاهتها واهميتها وضرورتها في مواجهة الصلف الإسرائيلي تضع المنطقة امام تحد من نوع آخر، هو تحدي استقرارها وتطورها الطبيعي واتصالها بالعالم. في لبنان، ثمة عسكرة متعاظمة لما يسميه حزب الله مجتمع المقاومة. هذه العسكرة التي تتطلب من الاجتماع اللبناني البقاء على اهبة الاستعداد لحرب محتملة في اي لحظة، تشكل العائق الأكبر امام تطور البلد واستقراره ونموه. هذا فضلاً عن الشعور المتعاظم في كثير من الدول العربية الكبرى بخطورة المشروع الإيراني على استقرارها الداخلي، حيث لا تتورع إيران واذرعتها عن تقديم الامثلة على انماط التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، أكان الأمر متعلقاً بخلية حزب الله في مصر، ام بممارسات حركة حماس في الفترة التي سبقت الحرب الإسرائيلية على غزة واثناءها.
وحدها سوريا، لأنها تقيم حلفاً راسخ الحجج مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تستطيع ان تفاوض اسرائيل من دون خوف. وهذا الإطمئنان السوري في حد ذاته يفصح أكثر ما يفصح عن طبيعة المطلب الإيراني المتعلق باحتلال مقعد الدول العربية في اي مؤتمر مقبل للسلام.
- آخر تحديث :
التعليقات