السعوديون يحبون لبنان، السعوديون شعباً وقيادة. وهم يغارون على مصالحه. هذا يأتي بمثابة اعتراف من بعض قادة المعارضة اللبنانية. يقولون اليوم ان الممكلة العربية السعودية سهلت امر الخلاص من الفراغ في السلطة وحاولت مع القيادة السورية ان تسهل ولادة الحكومة. والمملكة بذلت جهداً صادقاً في هذا الإطار. لكن اهل الموالاة في لبنان ما زالوا يعرقلون ولادة الحكومة والاتفاق على حقائبها لأن النظام المصري اوعز إليهم بذلك بدعم أميركي. وتالياً فإن من كانت تظنهم المملكة في عداد حلفائها اثبتوا، رغبة منهم بالتعطيل فقط، انهم ليسوا حلفاءها ولا يراعون مصالحها.
بودنا ان نقبل هذا الضرب من التحليل. معادلة س- س التي اطلقها الرئيس نبيه بري قبل اعتكافه إبان الأزمة الرئاسية، والتي هلل لها لحظة تكليف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بتأليف الحكومة، لم تعد صالحة. الآن المعادلة هي س ndash; م ndash; أ. والسين الأولى لا تعود إلى السعودية، فالمملكة اثبتت انها لا تمون على حلفائها، وانهم يتبعون مصر وأميركا. إذاً: خلاصة التحليل السوري تقول: ليس للمملكة العربية السعودية نفوذ في لبنان، بدليل ان الحكومة لم تشكل بعد. اما النفوذ السوري فهو قائم وتحصيل حاصل، ولا يقربه الباطل من امام او وراء.
لكن الخلاصة هذه ليست بيت القصيد. ذلك ان هذه الخلاصة تفرض علينا ان نسلم جدلاً ان الموالاة هي من يعطل ولادة الحكومة فهذا يعني ان القيادة السورية تريد التسهيل، وان الهجومات التي يقوم بها بعض اركان المعارضة على رموز الموالاة ليست سوى ردود فعل على هجومات الموالاة على رموز المعارضة. إذاً ليس ثمة عقدة عند المعارضة ولا من يحزنون. فقط الموالاة تريد الانتظار حتى تأتيها الموافقة من مصر واميركا. هذا يعني بالعربي الفصيح: ان القيادة السورية لم تعد مهتمة بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز لدمشق كثيراً. الزيارة حتى لو لم تحصل فهي كانت واردة. هذا مما يكفي دمشق ويثلج صدرها. العين على الرئيس مبارك، وعلى الرئيس اوباما. القيادة السورية تستطيع إذا ما زارها الرئيس باراك اوباما في عاصمتها ان تقنعه ان مصلحة اللبنانيين جميعاً تكمن في تسهيل ولادة الحكومة. وكذلك فإنها تستطيع اقناع الرئيس مبارك ايضاً. وتالياً سيوعزان إلى مواليهما في لبنان تسهيل التشكيل.
المنطق سليم. هو سليم مئة بالمئة بشرط ان لا يكون ثمة في دمشق من يرغب بالتعطيل. وبشرط ان يكون باراك اوباما مهتماً بلبنان. وعلى ما يبدو فالرئيس الأميركي ليس كثير الاهتمام بهذا البلد الصغير. طبعاً تستطيع الإدارة السورية ان تثير انتباهه، وتستطيع اكثر ان تضع لبنان عموماً على حافة الانفجار فيضطر الرئيس الاميركي إلى ملاحظة هذا البلد. لكن ما يخيف في هذه المحاولة يتعلق اولاً بالسياسة السورية حيال أميركا ولبنان. تلك السياسة التي ناضلت طويلاً لصرف انتباه اميركا عن لبنان. لقد كانت الشكوى السورية من إدارة الرئيس جورج بوش ان لبنان غدا بلداً مهماً جداً في اروقة الإدارة الاميركية، واصبح كل ما يحصل فيه مدعاة للتحرك الاميركي الفاعل. في حين ان الإدارة الجديدة لا تولي الموضوع اللبناني اهمية كبرى وتركز على مواضيع اخرى، كالصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي، وعلاقة اميركا بالإسلام والمسلمين عموماً وبالعالم العربي على نحو خاص، والملف النووي الإيراني. وهذا ما يغبط القيادة السورية من جهة اولى ويزعجها من جهة ثانية. ذلك ان لسان حال القيادة السورية يقول: عليكم ان تنسوا لبنان، إنما فقط حين يكون في عهدتنا. أما وأنه ما زال خارج القبضة، بعضه او كله، فالأفضل ان يتم الاهتمام به من باب جانبي: اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وكلوا القيادة السورية بتسيير الامور، فهذا بلد جانبي وثانوي، وليس ثمة فيه ما يدفع دولة كبرى كأميركا للاهتمام بنوافله ومشكلاته التي لا تنتهي.
تخفي هذه الرغبة رغبة اخرى. الرئيس اوباما القى خطبته الموجهة إلى العالم العربي والإسلامي على احد مدرجات جامعة القاهرة. اليوم هو يستعد لإعلان خطة جديدة لحل مشكلات المنطقة. إذا كان اللبنانيون يريدون تشكيل الحكومة عليهم ان يقنعوا الرئيس الاميركي ان يعلن خطته هذه من مدرج جامعة دمشق. إذا لم ينجحوا في سعيهم، فإنهم لن ينجحوا في تشكيل الحكومة. هذا بلد يجدر به تصريف الأعمال. الحكومة الحالية أكثر من مناسبة!