أعلن إيلون ماسك عن نجاح زراعة شريحة إلكترونية في دماغ إنسان في أول تجربة بالتاريخ، وظيفتها تنمية الخلايا العصبية ومعالجة الشلل الرباعي. ولم تمضِ ساعات على الخبر حتى أعلنت الصين عن وضع جدول زمني يبدأ مطلع 2025 في مشروع أطلقت عليه "واجهة الدماغ والكومبيوتر"، يختص بإطلاق الشرائح الإلكترونية ينافس مشروع إيلون ماسك ويعمل على ذات الموضوع، بل ويهدف إلى تطوير عمل الشريحة لتكشف عن أسباب بعض السرطانات التي تصيب الدماغ، كذلك الكشف مبكراً عن أمراض السكري والفشل الكلوي وغيرها، ومراكز البحوث في بريطانيا واليابان وفرنسا وألمانيا جميعها تشتغل على موضوع الخريطة الجينية والشريحة الإلكترونية وتوظيف معطيات هندسة الذكاء الصناعي في عالم الطب لغرض كشف أسرار الأمراض الخفية التي استعصت على البشرية منذ مئات السنين.
دول تتسابق مع الزمن في ميادين استثمار العلم وتقنياته الحديثة ليكون في خدمة المجتمعات التي وفرت البيئة المناسبة لهذه التطورات العلمية، بعد أن ركلت قفا (فتاح الفال) والغيبيات وفتحت المختبرات وأعطت للعلماء دور قادة المجتمعات وهندسة خطواتها نحو التقدم والازدهار. لقد أدركت تلك المجتمعات الحضارية أنَّ العلم الحديث اندمج مع الفلسفة والفكر وتحول لمضامين جديدة تعالج ما بداخل الإنسان من معوقات الحياة، وليس كما درجت عليه العلوم والفلسفات في الحضارة السابقة التي اهتمت بالإنسان من الخارج، أي سلسلة علاقاته الخارجية الاجتماعية والاقتصادية ومنطق الصراع التاريخي وما جاورها من منجزات في الفكر والأدب والفن وعلم الجمال.
مظاهر التقدم المبهرة التي تعيشها المجتمعات الحضارية في العالم، والتي لخصت تطورها باختيار العلمانية كمنهج للحياة والثقافة والتقدم، تضعنا مرة أخرى أمام سؤال الوجود لمجتمعاتنا العربية الاستهلاكية: هل نبقى نعيش على هامش الوجود الإنساني، أم نبقى ضيوفاً على الآدمية كما يقول الشاعر محمود درويش؟
معادلة أن تكون مجتمعاً منتجاً أو مستهلكاً تصنعها الأنظمة السياسية التي تحكم البلاد، ولم تتقدم مجتمعات العالم المتحضر إلا بمغادرة فكرة الانغلاق واستبدالها بمنهجيات حديثة منفتحة على جميع رياح التقدم ونسائمها المنعشة التي تعيد تأسيس الفرد والمجتمع بأوكسجين متفاعل مع الآخر إيجابياً. إنَّ فكرة التكامل مع الآخر ما زالت مقصية في مجتمعاتنا العربية، بل ان البعض يحسبها دلالة ضعف وانحناء للآخر المختلف. مجتمعاتنا لم تزل تمجد لغة السيف والانتقام والعدو القبلي والطائفي والمذهبي؛ انشغالات أكلت وتأكل نصف وجودنا وقدراتنا وإقصائنا عن المسار في ركب الحضارة الحديثة، بالرغم من امتلاكنا مقدراتها المادية!؟
إقرأ أيضاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي توقع الموت... حقاً؟
إحدى سرديات الأزمة أو المحنة العربية الآن تتجلى بمشهد المدن المهدّمة التي كانت حتى سنوات قريبة مثالاً لجمال الطبيعة وملامح التاريخ والمجد القديم في البناء والمعمار والألفة الاجتماعية بين سكانها، وقد تحولت إلى خرائب وأنقاض كما في سوريا ولبنان وغزة واليمن، وثمة ملايين من المهجرين من المدن الحجرية إلى العيش في خيام لا تستطيع أن تغطي عريهم المأساوي وفاقتهم الصارخة؛ كل الذي حدث ويحدث من أجل أن يبقى الحاكم يحتفظ بدفء مقعده الرئاسي، وتبقى رايات الطوائف ترفرف في فضاء يمتلأ بالأقمار الصناعية الغريبة والمسيرات التي تدخل الشقق لتغتال من فيها حسب المصنفات في ذاكرتها الصورية!
مجتمعاتنا التي يتآكلها الجهل والتخلف والصراعات الطائفية والقبلية والعنصرية، مدعوة اليوم إلى هيكلة أنماط تفكيرها الاجتماعي والثقافي ومراجعة أوضاعها باعتماد منهجية الواقعية النقدية في التفكير والعمل، كما ينصح بذلك الفيلسوف البريطاني روي باسكار (1944 - 2014)، الواقعية النقدية بوصفها بديلاً لا تسلم بالمألوف والواقعية الساذجة، وإنما العمل بصندوق خارج الصندوق، أي خارج السائد النسبي والمحافظ، وهو ما اشتغل عليه عدد من دول الخليج واستطاعت أن تتخطى عالم الانغلاق والجمود نحو عالم يقدم فلسفة العلم ويدمجها بما هو اجتماعي.
إقرأ أيضاً: هل يسرقون المطر الإيراني؟
إن أية نصائح فلسفية أو مشروع مراجعة فكرية سياسية - اجتماعية لا يمكن لها أن تمكث وتشتغل في الواقع العربي دون وجود قيادات دولة تؤمن بها، وقارئة على نحو جيد لقوانين التطور وما تحمله تلك الخطابات الجديدة من مناهج وحداثة وعلوم تؤلف استراتيجية اشتغال الدولة وأهدافها، ويمكن تكريسها بقرارات اجتماعية فاعلة في مشروع التغيير والتحول الحضاري.
وهنا نعود إلى سؤالنا: هل تجهزت العقلية السياسية للحاكم العربي لكي يعيد صياغة المعادلة، أم يحتاج لشريحة إيلون ماسك لتعيد ترتيب أولويات توجهاته العقلية؟
الجواب: رهن المجهول!
التعليقات