تطور نوعي في القوة تمتلكها الدول الأكثر كفاءة في التقدم العلمي والاقتصادي، وتتمثل بالأسلحة الجديدة التي سوف تصبح معيار القوة الفاعلة للدول التي تصنعها؛ أسلحة تجعل الدول تتخلى عن سباق امتلاك الطائرات والدبابات والمدافع وغيرها، وتخصيص ميزانيات مليارية سنوياً لتحقيق التفوق بقوة السلاح، لا سيما الدول التي دخلت وتدخل ميادين إنتاج السلاح الكيمياوي أو النووي.

هناك، في منتصف خمسينيَّات القرن الماضي، أطلق الشاعر العراقي بدر شاكر السياب أسئلة الإدانة للحروب وسباق التسلح وما ينتج عنهما من مآسي وموت وخراب، فكانت قصيدة الأسلحة والأطفال شاخصاً دلالياً لرفض السلاح والحروب التي تتجه مباشرة لقتل الأطفال وعالم البراءة.

لمن كلُّ هذا الحديد؟

لقيدٍ سيُلوى على معصمٍ

ونصلٍ على حلمةٍ أو وريد

رصاصٌ

لمن كلُّ هذا الرصاص؟

حديدٌ عتيق لموتٍ جديد!

لكن منطق التنافس والتسابق وشهوة الطغيان والتفوق بالقوة، تشتغل بالضد من مقاصد الحضارة والشعر وروح السياب ونداءاتها الجمالية لبناء الحياة وليس هدمها.

إقرأ أيضاً: الديمقراطية الطائفية = دكتاتورية بثياب ملونة

لم تتوقف صناعة السلاح على الرصاص الذي رفضه السياب، بل تكشفت خلال السنوات الأخيرة أنواع جديدة من الأسلحة التي كرست التفوق في أسلحة الإبادة الجماعية الذي ارتبط باستراتيجيات الدول الكبرى والتنافس بين النظام الرأسمالي الأميركي من جهة، ورأسمالية الدولة كما في الصين وروسيا من جهة أخرى؛ تلك الأسلحة لها قدرة الإبادة الجماعية وبصمت، دون ضجيج المدافع وصخب الطائرات.

الأسلحة الثلاثة تتمثل بالسلاح السيبراني والسلاح الفيروسي القادر على تدمير مجتمعات ودول وإيقافها عن العمل وانشغالها بمعالجة الوباء الذي يصيب كتلاً بشرية هائلة، كما حدث مع فيروس كوفيد 19، وأخيراً سلاح الاقتصاد الذي حقق تقدماً على السياسة وأصبح يقودها ويرسم اتجاهاتها.

إقرأ أيضاً: الموسيقى الحاضن الوطني الجميل

أسلحة مختصرة جديدة - قديمة أعطت للدول التي تمتلكها مستوى جديداً من تصنيفات القوى العظمى ما يجعلها فوق التصنيف النووي، وتتقاسمها بكفاءة عالية كل من أميركا بكونها تمثل مركزية القوة الغربية، كما تملكها الصين مركز القوة الشرقية المتحدي لأميركا، وكذلك روسيا التي تحاول أن تنفض عن كاهلها ضريبة حرب أوكرانيا وتدخل بخصوصية تختلف عن القطبين المذكورين، وفي الوقت التي تحافظ الدول المذكورة على سرية عمل السلاحين الأول والثاني واحتكارهما لمصالح واستراتيجية كل منهم، فإنَّ معدلات النمو والانكماش يظهر التفوق الاقتصادي الذي تحرز فيه الولايات المتحدة الأميركية الموقع الأول عالمياً ومنذ الحرب العالمية الثانية.

السلاح السيبراني حطم وفجر العديد من منشآت الصناعة الحربية في نطاق خطواتها النووية وفي مواقع تحسبها دولها سرية ومحصنة كما حدث في سوريا وإيران وغيرهما، كما استخدم السلاح الفيروسي في أنواع الأوبئة التي تصيب بعض المجتمعات أو اقتصادياتها، كما تذهب بعض البحوث إلى تبرئة الطبيعة من إنتاج كوفيد 19 كورونا وتؤكد على تصنيعه في مختبرات سرية.

إقرأ أيضاً: شريحة إيلون ماسك وأزمة العقل السياسي العربي

الأسلحة الجديدة أعطت تفوقاً ليس بالقوة والهيمنة وحسب، وإنما بفيوض مالية، فإذا كانت كلفة حرب أميركا لاحتلال العراق تبلغ ستة ترليونات دولار كما تقدرها بعض الدوائر الأميركية، عدا الخسائر البشرية، فإنَّ السلاح السيبراني وهو يعلن تفوق العقل التقني في توظيف المعادلات الرقمية بسلاح سري تخريبي يتسلل إلكترونياً ويخترق تحصينات الشبكة العنكبوتية ليعبث ويفجر كما هو مبرمج، يأتي هذا التدمير بعد أن أنفقت الدول الطامحة بامتلاك السلاح ما يرهق ميزانياتها ويترك شعوبها على حافة الجوع والفاقة، وكانت الدول العظمى هي المستفيدة الأولى من هذا السلاح.

كذا الحال مع السلاح الفيروسي، فإنَّ إنتاجه يرتبط بإنتاج علاجه أو لقاحه، وإذا تم إنفاق مليار دولار على توليده مختبرياً، فإنَّ فوائد أمصال اللقاح والدواء تبلغ مئات أو الآف المليارات، ناهيك عن تأديته للغرض التدميري الذي أنشيء من أجله.

إقرأ أيضاً: العراق: قصف أميركي والخطر يتفاقم!

الدولة الحكيمة في الظرف الدولي الراهن ينبغي أن تبحث في شؤون استقرارها الاقتصادي وإنعاش شعبها والاهتمام بقواعد التنمية الصناعية والزراعية والعلمية والصحية والثقافية والتعليمية، دون الانجرار لفكرة القوة والهيمنة التي تنتهي إلى الوهم والضعف وتلاشي حتى عناصر قوتها التقليدية، مع ظروف مشددة بالفقر والبؤس تنتهي بتفكيك الدولة والمجتمع وتشريد شعبها وتدمير حضارتها وموروثاتها، وهذا ما حصل في العراق وليبيا، وسيحصل مع دول أخرى ما زالت تفكر بعقيلة ماضوية، ولم تستفد من تجارب دول خاضت في ذات المضمار وانتهت إلى فشل محتم.