الأمر هنا لا يتعلق بما قدمه ليونيل ميسي للكرة العالمية طوال أكثر من 15 عاماً، فقد أنقذها من الملل دون مبالغة، ومنحها مبرراً لأن تكون أكثر جاذبية وتتحرر ولو لبعض الوقت من قيود الخطط والتكتيك، ولا علاقة لمقولة إن "الأرجنتين هي كرة القدم" بتصنيف دييجو أرماندو مارادونا، باعتباره اللاعب الأفضل في التاريخ، والنجم الأكثر "سحراً" في عالم الساحرة، بالرغم من هفواته وعثراته وسقطاته خارج الملعب.

لماذا هي كرة القدم؟
"الأرجنتين هي كرة القدم" لأسباب أخرى، لا ترتبط بعدد الألقاب المونديالية أو كم فاز منتخب "التانغو" بكوبا أميركا، بل إن للقصة أبعاد أخرى أكثر عمقاً، وقد يكون عشاق الكرة اللاتينية على معرفة ببعض تفاصيلها.

الأرجنتين مثل غيرها من الدول اللاتينية، تتنفس كرة قدم، فالساحرة هي الخبر والماء والهواء في عاصمة الهواء العليل بوينس آيرس. ولكن هذا وحده لا يكفي، لأنَّ كرة القدم هي الخبر والماء والهواء في البرازيل، وفي تشيلي، وكولومبيا، وباراغواي، وأوروغواي، وحتى بوليفيا.

ثنائية الشغف والاحترافية
الأرجنتين تظل نموذجاً مختلفاً، لأنَّ اللاعب الأرجنتيني يملك الشغف مثل غيره من العقول اللاتينية، وفي نفس الوقت يختلف كثيراً فيما يتعلق بالعقلية عن بقية القارة اللاتينية، فالأرجنتيني أكثر استعداداً لفهم الجوانب التكتيكية، وأكثر قابلية لحياة الاحتراف والانضباط مقارنة باللاعب البرازيلي مثلاً، وهذا هو "سر الأرجنتين".

العقل الأرجنتيني
ولكن من أين أتى كل ذلك؟ ولماذا يتعين على قارئ هذا المقال أن يتقبل هذا التحليل أو الحقيقة أو المعلومة، دون بحث في جوهر الأسباب، فالسببية هي حق لنا جميعاً، وعن الأسباب فهي تاريخية اجتماعية، فالأرجنتيني يرى نفسه لاتيني أوروبي أكثر من غيره، وهذه هي عقليته التي يتعامل بها طوال الوقت، وحينما يجتمع الشغف اللاتيني مع العقل الأوروبي فالمحصلة هي "أرجنتين ميسي ومارادونا".

ميسي ونيمار
نعم مارادونا هو الاستثناء، فقد كان نموذجاً للإبداع الذي يغلفه الجنون، ولا يمكن الأخذ بنموذج هذا العبقري كقياس أو مقياس في أيّ اتجاه، ولكن القاعدة تقول إنَّ اللاعب الأرجنتيني أكثر استمراراً في الملاعب، وأكثر انضباطاً خارج الملعب، ويملك عقلية احترافية لا تعرف "حياة الليل" كثيراً، على العكس من "البرازيلي" مثلاً، ولكي تتضح الصورة عليكم فقط بمقارنة ميسي مع نيمار، حينها سوف تصل الرسالة بكافة تفاصيلها.