هل حقاً أنَّ الثورة في سورية جاءت رداً على النهب والتصفيق غير المبرر، بدل من أن تكون ثورة على النظام الفاسد، وجرائمه التي لم يَخلُصُ منها أحد؟!

الثورة في سورية، وإن قامت، على تغيير النظام الحاكم الذي تشبّث في السلطة على نحو أكثر من خمسين عاماً، إلّا أنها جاءت أيضاً صحوة للكثيرين على من تسيّدوا السلطة، وتحكموا بالمناصب وبأعناق الناس التي أسندت إليهم وحدهم، دون سواهم، المكانة التي تليق بهم، وتأمر وتنهي وتحكم بيد من حديد، فضلاً عن البعض ممن شملتهم نار الثورة، وإزالة أعداد هائلة من الموظفين من أماكن عملهم، ورمت بهم خارج حصن مؤسساتهم ودوائرهم التي سبق لهم أن أحكموا قبضتهم على مفاتيحها طوال سنوات مضت، ولم يكن بمقدور المسؤول، رأس الهرم، القدرة على لجمهم، لأنهم دفعوا الغالي والنفيس حتى يتمكنوا من الوصول إلى الكرسي، وإشغاله بالطريقة التي تروق لهم بعيداً عن الرقيب الذي لم يكن له أي دور سوى غضَّ الطرف عن أخطائهم، فصاروا قوّامين على المسؤول، ولهذا فإن الثورة السورية نجحت في إزالة أمثال هؤلاء الموظفين، واستطاعت إزاحتهم عن الوظائف التي كانوا يشغلونها، بالرغم من أنف الإدارات المتعاقبة مهما كان جبروتها، وهؤلاء لم يقصروا في السرقة والنهب، وشغل المكان بالطريقة التي يريدون، وما على هذا المسؤول إلاَّ أن يُشير بإصبعه نحو الهدف المطلوب، والمنصب الذي يرغب فيه، وينفّذ ما يُطلب منه، ما دام أنه قادر على دفع المعلوم، والرقم المالي مهما كان كبيراً سيدفع لقاء شغله المكان الذي يبيض ذهباً، وهذا ما يبحث عنه!

الثورة، وهذه حقيقة، وبالرغم من النتائج السلبية التي رافقتها، فانتهت بتشريد الشعب، وقتل أبنائه، وتخريب أبنيته ودمارها، إلا أنها تخلصت من زمرة فاسدة عقيمة، خلّدت في مكانها وأفسدت العباد، ولسنوات.

فالثورة، نجحت في هذا الإطار، ولولاها، لاستمرت تلك النُخبة الفاسدة من الموظفين الفاسدين، وظلت على رأس عملها، وازدادت طغياناً ونهباً، وسعياً في الخراب الذي جرّه الخراب وإلى اليوم!

فالثورة على الفساد، أجد أنها كانت نعمة وليس نقمة، وإن راح ضحيتها أناس أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل!

إقرأ أيضاً: هل تتمكن الحكومة السورية من شراء قمحها؟!

ظلت الصورة، وإلى هذه اللحظة، بحاجة ملحّة إلى موقف حاسم وحازم لجهة نظام فاسد، ما زال، وللأسف، يُقر المراسيم، ويصدر القرارات، ويبت بالتعليمات، ويتبجح بالأوامر الإدارية، ويتفنن باستصدارها كيفما شاء، في ظل بلد تهاوى وفسد، وأصبح المواطن فيه لا قيمة له... مع مستقبل غامض ما زال التصفيق والضحك على الذقون هو المبدأ فيه، وإذلال الناس غايته، والأنكى من ذلك أنّ المستفيدين من وجوده، هؤلاء النخبة من الصغار، الذين يتهمون الآخر بالتآمر على النظام، وهم أكثر الناس فساداً، وباتوا يشغلون اليوم أماكن حساسة، ويسرقون المال العام، وبعلم "زلم" النظام، وقيادته "الحكيمة" التي لا تعرف طريقاً سوى الإشادة بنظام فاسد، وحكومة تتجاهل مطالب مواطنيها... الذي وصل به الحال إلى لعن هكذا حكومة، وقيادة ما زالت تمجّد التماثيل وتحتفي بصناعتها، وتتفنن في إشادتها وتقديسها كرمى عيون زمرة فاسدة، وما على الآخرين سوى التصفيق والخنوع لها!

إقرأ أيضاً: أدوية مهربة ومزيفة!

فالثورة، برأيي، جاءت رداً على الوضع القائم في سورية بالقضاء على الفساد الإداري والنهب المستشري.

الفساد الذي شمل جميع الوزارات والمؤسسات والشركات، والمديريات والإدارات العامة، ونال منه قسم كبير من موظفيها، فضلاً عن التصفيق الذي لم يكن له من مبرر في كل المواقف التي كانت تؤيد النظام وزمرته الخبيثة الطاغية، بل جاءت في وقت كان فيه المواطن في حاجة إليها، مع التزامه الصمت من البعبع ولهجته الحادّة الشرسة التي لم يسلم منه أحد!