في الوقت الذي تتصاعد فيه أصداء الصراعات وتتشابك خيوط السياسة الدولية، تبرز جهود المملكة العربية السعودية كنموذج للدبلوماسية الهادئة والفعّالة. في ظل الأحداث المؤسفة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، حيث تتعرض الحقوق والأرواح للخطر، تقف السعودية بثبات في المحافل الدولية، مدافعة عن قضية شعب ينشد العدالة والسلام. على الرغم من التحديات والمعوقات، نجحت السعودية في تحقيق بعض النجاحات في هذا الصدد.

تتجلى الدبلوماسية السعودية في سعيها الدؤوب للحصول على الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وهو سعي يتسم بالحكمة والتبصر. لقد استطاعت المملكة، من خلال مسارات دبلوماسية متعددة، أن تحقق انتصارات صامتة لكنها مؤثرة، وكان آخرها اعتراف دول مثل إسبانيا والنرويج وايرلندا بالدولة الفلسطينية.

منذ السابع من أكتوبر الماضي، لم تقف الدبلوماسية الى حدود التنديد والاستنكار، بل تحركت في اتجاه آخر، حيث كثفت جهودها الدبلوماسية، وبقيت على تواصل مع مسؤولين في حكومات غربية ومارست الضغوطات من اجل وقف الهجمات الإسرائيلية، كما ترأست العديد من الوفود العربية والإسلامية في لقاءات دولية، وكان وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان أشبه بـ"نحلة" يتنقل من بلد الى بلد في سبيل كسب تأييد دولي وتوافق الآراء، وبالفعل قادت حملات دبلوماسية لتوسيع دائرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأعلنت دول مثل مالطا وسلوفانيا عن رغبتهما الإعلان عن اعترافهما بدولة فلسطين. توجت هذه الجهود قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أيد أهلية فلسطين للعضوية الكاملة في المنظمة الدولية، مما يعكس الثقل السياسي والدور المحوري للسعودية في الضغط على المجتمع الدولي.

ردة الفعل الإسرائيلي جاءت مباشرة بعد اعلان اسبانيا والنرويج وأيرلندا حينما استدعت إسرائيل سفيريها في ايرلندا والنرويج لإجراء مشاورات طارئة، بعد تحرك الدولتين نحو الاعتراف بدولة فلسطين.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان قال فيه أوجه اليوم رسالة شديدة اللهجة الى ايرلندا والنرويج، لن تلزم إسرائيل الصمت على ذلك، وأصدر وزير الخارجية الإسرائيلي تعليمات بعودة السفيرين الإسرائيليين في دبلن واوسلو الى إسرائيل لإجراء مزيد من المشاورات. وهدد وزير الخارجية بقوله ان العواقب ستكون وخيمة، وهدد أيضا اسبانيا معتبرا ان إسرائيل سوف تتخذ خطوات ضدها.

وطالب وزير المالية الإسرائيلي المنزعج جدا من خطوة هذه الدول، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يحثه على اتخاذ إجراءات ضد السلطة الفلسطينية بالموافقة على الاف المستوطنات وعدم تحويل أي أموال الى السلطة الفلسطينية، اما وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالايت الغاء خطة فك الارتباط بشمال الضفة ما يتيح إعادة بناء 3 مستوطنات. فيما اقتحم وزير الامن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير ساحات المسجد الأقصى لأول مرة منذ بدء الحرب على غزة.

إسرائيل تلقت اكثر من ضربه ليس فقط دبلوماسيا، حتى الشارع الغربي تفاعل حينما، حينما خرج طلاب نحو 15 جامعة أمريكية الى جانب جامعات في دول سويسرا وهولندا واليونان والنمسا وألمانيا وبلجيكا والسويد والدنمارك واسبانيا وأستراليا، فمنها اعتصامات واحتجاجات، واهتزت صورة الحكومة الإسرائيلية، مما دفع أصوات يهودية وإسرائيلية ترتفع في الخارج منددة بالعدوان الإسرائيلي، منها منظمة الصوت اليهودي من اجل السلام، وأخرى في المانيا وشبكة يهود من اجل فلسطين وخرج العديد من القياديين فيها بالاستهجان والاستنكار، خلال الأشهر الماضية اهتزت صورة إسرائيل في المجتمع الدولي، ليس هذا فحسب ، تكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر مباشرة بقيمة 56 مليار دولار نتيجة الانفاق على عمليات الجيش في غزة وتعويضات مواطنيها وجنودها المتضررين، رغم اعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي ان الوضع الاقتصادي تحت السيطرة، مع ان العجز في ميزانية إسرائيل قفز بنحو 400 في المائة على أساس شهري.

وتستمر الصدمات الإسرائيلية نتيجة الجهود الدبلوماسية السعودية، حيث أفادت وثيقة أوروبية داخلية بان الاتحاد الأوروبي يقترح عقد مؤامر للسلام في الشرق الأوسط في نهاية يونيو المقبل، والوثيقة تتحدث عن إمكانية عقد مؤتمر تحضيري للسلام في الشرق الأوسط دون مشاركة طرفي النزاع، ومقترح عقدها في أوروبا او في دولة عربية، كما تقترح الوثيقة فرض عقوبات على الطرف الذي يعترض عللا مخرجات مؤتمر السلام التحضيري واعتبر امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ انها لحظات تاريخية ينتصر فيها العالم الحر للحق والعدل بعد عقود طويلة من الكفاح الوطني الفلسطيني.

الى جانب الدبلوماسية للملكة العربية السعودية في المحافل الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، تبرز أيضا الجهود القانونية كعنصر حاسم في هذه المعادلة، فقد قدمت جنوب افريقيا، في خطوة جريئة، دعوى الى محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ض\ الشعب الفلسطيني، وقد صدر عن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بيان يطالب فيه اصدار أوامر قبض بحق شخصيات إسرائيلية بارزة منهم بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي، هذا الاجراء يعد انتصارا قانونيا يسلط الضوء على الأهمية البالغة للمسار القضائي في مواجهة الانتهاكات والجرائم، ان الجهود المتواصلة للسعودية في المجتمع الدولي تظهر ان العدالة، مهما طال انتظارها، تظل هدفا يمكن تحقيقه من خلال الإصرار والعمل الدؤوب، وتعتبر هذه الخطوات شهادة على ان القانون الدولي يمكن ان يكون أداة فعالة في الدفاع عن الحقوق والحريات، وان السعي نحو العدالة لا يتوقف عند حدود الدبلوماسية وحدها، بل يمتد ليشمل كل السبل القانونية المتاحة.