قبل أسابيع قليلة، وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحذيراً شديد اللهجة لدول حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وذلك رداً على قرارها تزويد أوكرانيا بطائرات الـ"أف-16"، وتحضيراتها لنشر هذه الطائرات في المطارات والقواعد العسكرية المجاورة لأوكرانيا.
فقد شدد بوتين على أن الجيش الروسي "سيحرق الـ"أف-16" في أوكرانيا، ويمكن أن يضربها في قواعدها التي قد تنطلق منها". وأكد بأن هذه الطائرات "ستلقى نفس مصير دبابات "ليوبارد" الألمانية، ومدرعات "بريدلي" الأميركية، وغيرها من الأسلحة الغربية النوعية التي دمرها الجيش الروسي".
روسيا ترد بصرامة
يعكس قرار "الناتو" تزويد أوكرانيا بطائرات الـ"أف-16"، بعدما كان يرفض الاستجابة لإلحاح الرئيس الأوكراني المتواصل منذ 18 شهراً، نواياه في تأجيج الصراع أكثر وتوسيع مدياته، مع توريط عدد من الدول الأعضاء في الحلف، ووضعها في مواجهة حق روسيا المشروع بالدفاع عن أراضيها وشعبها وفق القانون الدولي.
ذلك أن مهمة هذه الطائرات ليست ذات طبيعة دفاعية، بل هجومية. وحسبما أكد العديد من الخبراء العسكريين فإنها لن تحدث فرقاً في سير المعركة. وبالتالي فإن الهدف الأساسي لها هو ضرب عمق الأراضي الروسية.
وموسكو التي استمرت لسنوات تحذر "الناتو" من تهديد أمنها القومي من خلال نشر الأسلحة والصواريخ قرب حدودها، لن تتهاون أبداً مع هذا التطور المتمثل بإدخال طائرات الـ"أف-16"، وستكون مجبرة على التعامل مع هذا التهديد لأمنها القومي بالشكل المناسب.
وهذا ما شدد عليه وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في تصريحات لوكالة "نوفوستي" الروسية، والتي أشار فيها الى أن بلاده "تعتبر توريد هذه الطائرات الى كييف بمثابة إشارة متعمدة من "الناتو" في المجال النووي"، مؤكداً عزم روسيا على تدميرها "شأنها شأن الأسلحة التي قدمتها دول "الناتو" لأوكرانيا".
وضعت موسكو إنذاراتها موضع التنفيذ حينما بدأت باستهداف المطارات التي كانت أوكرانيا قد أعدتها لطائرات الـ"أف-16". في 4 تموز (يوليو) الجاري، نشرت وزارة الدفاع الروسية شريط فيديو لتدمير مقاتلة روسية من طراز "ميغ-29" مطار "دولغوتشوفو" بمقاطعة "دنيبروفسك" وسط أوكرانيا. فضلاً عن تسريبات صحفية أوكرانية تحدثت عن تعرض مطار "ميرغورود" بمقاطعة "بولتافا" وسط أوكرانيا. وكلا الضربتان تمتا عبر صواريخ "اسكندر" الروسية.
توريط دول "الناتو" المجاورة لأوكرانيا
نتيجة لذلك، أشارت التقارير الإعلامية الى أن طائرات الـ"أف-16" التي سيتم تسليمها الى كييف، سيجري نشرها في قواعد عسكرية في الدول المجاورة لأوكرانيا. وهذا ما دفع بموسكو الى توجيه إنذار واضح عبر العديد من وسائل إعلامها، حول إمكانية أن تصبح جميع مطارات "الناتو" التي تتمركز فيها هذه الطائرات بمثابة "أهداف مشروعة لضربات الجيش الروسي، عبر صواريخ "كينجال" و"كاليبر" و"X-101"، مع التركيز على قاعدة "فيستيتي" الرومانية كأول الأهداف".
وهنا تكمن الخطورة في خطوة "الناتو"، والتي تكتسي بطابع إعلان الحرب على روسيا، خصوصاً أن 4 من الدول المجاورة لأوكرانيا، والتي سيتم نشر طائرات الـ"أف-16" فيها تنتمي الى الحلف، وهي رومانيا، سلوفاكيا، بولندا. بالإضافة الى المجر التي رفضت السماح للحلف باستخدام أراضيها لأعمال عدائية ضد روسيا، وهي التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع موسكو، وتعارض بشدة الدعم العسكري المطلق الذي يقدمه "الناتو" لأوكرانيا، والمساعدات المالية الهائلة التي يغدقها عليها.
علاوة على ذلك، فإن توريط "الناتو" للدول الأعضاء المجاورة لأوكرانيا في استخدام مطاراتها وقواعدها العسكرية لشن هجمات على الأراضي الروسية، يضفي المزيد من المصداقية على تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكلام المسؤولين الروس ما قبل اندلاع الصراع، حول أفكار وخطط "الناتو" العدائية ضد روسيا، والتي تشكل تهديداً لأمنها القومي.
وهنا نستذكر أن السبب الرئيسي لاندلاع الصراع ليس نوايا موسكو التوسعية وفق مزاعم الغرب وآلته الإعلامية، بل كان توريط "الناتو" لأوكرانيا وتحويل أراضيها المجاورة لروسيا الى مرتع لأسلحته وصواريخه، ونشره أنظمة لأغراض عسكرية وأخرى للتنصت على المسؤولين الروس.
كما أنه يضفي المزيد من المصداقية حول كلام بوتين في أن بلاده تحارب حلف "الناتو" وليس أوكرانيا، وأن نظام كييف ما هو إلا أداة في هذا الصراع الذي يروم إخضاع روسيا لهيمنة الغرب، خصوصاً مع التقارير الإعلامية الغربية التي تتحدث عن قيام "الناتو" بإقحام طياريه المتقاعدين في قصف الأراضي الروسية لتعويض النقص في عديد الطيارين الأوكران.
"الناتو" يقصف روسيا بصواريخه وطياريه
من بينها تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنترست" المتخصصة بالشؤون العسكرية، أشارت فيه الى أن عدد الطيارين الأوكران الذين أنجزوا دورة تدريبية كاملة على الطيران على طائرة "أف-16" يبلغ 25 طياراً، في حين أن عدد طائرات الـ"أف-16" التي ستستلمها كييف هو 120، بينها 60 تم استلامها فعلياً، وفق تصريحات الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي على هامش قمة "الناتو" السنوية في واشنطن منذ أيام قليلة.
وبيّن التقرير أن 11 من هذه طائرات الـ"أف-16" باتت موجودة بالفعل في قاعدة "فيستيتي" العسكرية برومانيا المجاورة، وأن مهمة هذه الطائرات هي استهداف أراضي جمهورية القرم ذات الاستقلال الذاتي. ويرجح التقرير أن يقوم الناتو بتعويض النقص في عدد الطيارين من خلال إشراك طياريه المتقاعدين، على أن يرتدوا الزي العسكري الأوكراني من أجل التضليل.
كما تحدث التقرير عن تخصيص آلاف الصواريخ "جو-جو" و"جو-أرض" التي تستطيع طائرة الـ"أف-16" حملها، وذلك من ترسانة "الناتو"، والتي يتواجد الجزء الرئيسي في المراكز العسكرية والدعم اللوجستي في بولندا، وسلوفاكيا، ورومانيا.
وعليه، فإننا نصبح أمام حقيقة مفادها بأن "الناتو" هو من يقوم بقصف الأراضي الروسية، عبر طياريه وبصواريخه، وهذا ما يمكن اعتباره بمثابة إعلان حرب من "الناتو" ضد روسيا. الأمر الذي يتيح للأخيرة حق الرد بقسوة حتى خارج أوكرانيا، وتحويل مطارات دول الحلف المجاورة لها الى أهداف مشروعة دفاعاً عن أراضيها وأمنها القومي.
وفي هذا الإطار لا بد لنا من التذكير بأن أميركا أرسلت جيشها الى العراق وأفغانستان، اللتان تبعدان عنها آلاف الأميال، دفاعاً عن أمنها القومي، ومعها بريطانيا التي شاركتها بوحدات عسكرية. وكذلك الحال بالنسبة لفرنسا التي أرسلت جيشها الى مالي والساحل الأفريقي وفق المبدأ نفسه.
التعليقات