في الوقت الذي أصبحت ثقافة القراءة واقتناء الكتب بالنسبة إلى كثير من أفراد مجتمعنا ثقافة منسية بسبب واقع الفرد الذي يرزخ تحت خط الفقر، والذي يبحث مجبراً ومرغماً عن لقمة العيش في ظروف اقتصادية صعبة لا توصف، رغم الثروات الهائلة التي ينعم بها العراق، ينهض الصحفي المخضرم ممتاز الحيدري من بين ركام اليأس والقنوط والتخلف ليقول لنا: "إنَّ القراءة تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات، وإنَّ الحياة هي الحق في العلم والقراءة وإشاعة المعرفة، وبغير ذلك قد لا يكون لنا أي أمل في الحياة"!

يتميز الموسوعي والصحفي المخضرم ممتاز الحيدري بعشقه الكتب منذ صباه، حيث بدأ بجمعها منذ أكثر من ستين سنة، وقرر مؤخراً أن يخصص منزلاً خاصاً على نفقته الشخصية في محلة زانكو 2 في أربيل ليكون داراَ للوثائق والكتب التاريخية والمجلات والجرائد النادرة، بعد أن حول منزله لسنوات إلى مكتبة يرتادها طلبة الجامعات، لا سيما طلاب الدراسات العليا والنخب المثقفة في أنحاء العراق المختلفة. وتضم مكتبة الحيدري الجديدة أكثر من أربعين ألف كتاب وأربعة آلاف مجلد من مختلف الثقافات والاختصاصات واللغات، إضافة إلى وثائق ومراجع تاريخية نادرة، حيث تمكن الحيدري أن يجمع خلال مسيرته الأدبية والصحفية والثقافية والسياسية المئات من الوثائق المهمة والخاصة بتاريخ العراق وكوردستان والأحزاب العراقية والكوردية، فضلاً عن عدد من المخطوطات النادرة.

إضافة إلى ذلك، يوزع الحيدري إصدارته وكتبه مجاناً على معظم المراكز البحثية والثقافية ودوائر ومؤسسات الإقليم ذات العلاقة، وأيضاً على الشخصيات والكتاب والباحثين العراقيين والكوردستانيين، الأمر الذي ليس غريباً عن عائلة الحيدري بكرمها ونضالها من أجل العلم والمعرفة وخدمة الإنسان أينما يكن.

لقد تجاوزت مكتبة الحيدري دورها التقليدي كمصدر اطلاع على المعرفة والقراءة فقط، حيث تقدم اليوم خدمات متنوعة مثل الأنشطة الثقافية وورشات عمل مختلفة، وتضمن مساحة مخصصة للأبحاث والدراسات، ما يجعلها تستقطب شريحة لا بأس بها من المجتمع للالتقاء والتفاعل والتبادل الثقافي.

من هو ممتاز الحيدري؟
ممتاز حيدر عاصم الحيدري، المعروف باسم ممتاز الحيدري، هو سليل أسرة كوردية مرموقة، معروفة بالعلم والمعرفة والنضال، صحفي يتميز بالجدية والصرامة، من مواليد مدينة أربيل في آذار (مارس) 1938، هو ابن الشيخ الصوفي المعروف الملا حيدر الأربيلي. نشأ هذا الصحفي المخضرم وسط عائلة كوردية تقدمية وتشبع بالأفكار العلمية والوطنية واليسارية، وعمل في عام 1960 مراسلاً صحفياً لجريدة (ازادي ـ الحرية)، لسان حال الفرع الكوردي للحزب الشيوعي العراقي، ثم عمل في إعلام الحزب الشيوعي العراقي وساهم في إصدار جريدة (طريق الشعب، وريكاي كوردستان ـ طريق كوردستان). التحق مع أنصار الحزب الشيوعي العراقي بعد انقلاب شباط (فبراير) الأسود في شباط (فبراير) 1963 بالثورة الكوردية، وأسس لأول مرة في تاريخ الصحافة الكوردية عامة والشيوعية خاصة نوعاً من نشرة الإنصات اليومية لمتابعة الأخبار المحلية، وهو شقيق الأصغر لمناضلين معروفين على الصعيد العراق والوطن العربي والعالم وفي مقدمتهم الشهيد جمال الحيدري، وصالح الحيدري، والشهيد مهيب الحيدري، والمناضل عاصم الحيدري، والدكتور جمشيد الحيدري، والمناضلة نازنين، ومليحة، وسلمى الحيدري.

طموح الحيدري
بالرغم من ازدهار العصر الرقمي وسهولة الوصول إلى المعلومات، يطمح الحيدري إلى تطوير مكتبته الكلاسيكية الغنية بالكتب والوثائق لتضاهي مراكز البحث المرموقة في الشرق الأوسط، باعتبار أنَّ مكتبته هي المكتبة الوحيدة في إقليم كوردستان التي تضم الكتب التاريخية والسياسية والاقتصادية والفكرية والإنسانية والاجتماعية واللغوية والأدبية ومذكرات المناضلين الذين قدموا حياتهم في سبيل شعبهم ووطنهم، والمخطوطات والوثائق والمطبوعات والمنشورات النادرة الخاصة بتاريخ العراق وكوردستان لجهابذة الأدب والشعر والسياسة من الرعيل الأول والمبدعين الحاليين.

يقول الحيدري: "إنَّ المكتبات بشكل عام هي محركات للتطور وانفتاح العقل البشري، وعليه أتمنى أن يبدأ عصر تنوير العقول على المستوى العام في العراق وكوردستان، بالرغم من التراجع المخيف وفي جميع النواحي، ليشعر الفرد أنه إنسان بكل معنى الكلمة". ويضيف الحيدري قائلاً: "إنَّ الواقع الحالي يقول لنا إن المكتبات الكلاسيكية لا ينتهي دورها، وستبقى شاهداً على تحضر البلدان وتقدمها، بالرغم تحديات ومواجهة الثورة المعرفية والرقمية".

تحية لعاشق الكلمة والقلم والوطن ممتاز الحيدري، سليل عائلة الحيدري العريقة والمعروفة بعمق وصدق انتمائها لمسيرة النضال السياسي والثقافي للشعب العراقي والكوردستاني.