الامتداد الزمني الطويل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يبرز الحاجة إلى أن نتوقف عنده ونقرأه من جديد، ونقيم التحديات والصعوبات والفرص، ونبحث في ثناياه عن خارطة طريق للخروج من متاهته، ونميز الحلول الأنسب لمشكلة امتزجت فيها المصالح السياسية بالتاريخ الأثري والشريعة السماوية.

خلق هذا المزيج ساحة صراع دخلت فيها جميع القوى، وأصبح جزءًا من الخطاب السياسي والديني، وحتى حديث المجالس. الجميع يبحث عن حل، وكل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر. المعاناة مستمرة، ويعانيها الشعب الفلسطيني وحده. ليس هناك بيت فلسطيني إلا وله قصة مع الاحتلال، بينما الاحتلال لديه رواية أخرى يغلفها بطابع إنساني ليكسب تعاطف قلوب بعيدة لا ترى ولا تسمع إلا ما يقول.

التساؤلات كثيرة حول هذا الواقع الذي نعرف تفاصيله، لكننا نريد أن ننظر إليه من زاوية أخرى بعيدًا عن عين الضحية أو عين الجلاد.

هل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو صراع وجود أم صراع سياسي؟

هل مقاومة الاحتلال حق أم لها وقت محدد إذا تجاوزه تحول إلى إرهاب؟

وهل مقاومة المحتل خيار مجدٍ في حالة فلسطين، أم هي مجرد خيار لرفع الحرج؟

أليس السلام بوابة للحل؟ أليس من حق الفلسطينيين أن ينعموا بمفهوم الدولة الوطنية وحقوق المواطنة الكاملة؟

وهل الأجيال المتعاقبة التي نشأت وسط الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، اعتادت على الحرب أم سئمت من تبعاته وباتت تنشد السلام؟

منذ نشأة إسرائيل وهي تبحث عن هيكل سليمان، فهل هي تبحث عن تاريخها أم تبحث عن مسوغ لوجودها؟

وأين يقع هيكل سليمان إذا لم يجد علماء الآثار الإسرائيليون أي أثر له تحت المسجد الأقصى؟ ثم هل الطبيعة الجغرافية للقصص التي وقعت لبني إسرائيل تتناسب مع أرض فلسطين؟

هل الواقع الجغرافي والسياسي اليوم حجة للفلسطينيين في المواجهة أم حجة عليهم في القبول بما آل إليه هذا الواقع؟

ألا يستحق السلام والتضحية والتنازل قراءة الواقع من جديد؟

هل ندم الفلسطينيون على القرارات الأممية والفرص التاريخية لتحقيق دولة مستقلة؟

هل تشبع الشارع في الشرق الأوسط من حالة الحرب التي يعيشها منذ قرن أم ألفها فأصبحت جزءًا من يومياته؟

هل صحيح أنَّ إسرائيل تعيش مع الحرب وتموت مع السلم؟

في حالة توقيع معاهدة سلام شاملة، هل العالم العربي المحيط بإسرائيل قادر على هضم إسرائيل وتفتيت بنيانها الثقافي والاجتماعي أم ستبقى ورمًا منعزلًا في جسده؟

وقبل الختام، وسط هذه القوة العسكرية الكبيرة والدعم الغربي المفتوح، هل إسرائيل قادرة سياسيًا وجغرافيًا وعسكريًا على التمدد من النيل إلى الفرات؟

وأخيرًا، وبعد هذا الصراع الطويل المستمر، تتراءى فرصة جديدة تشكل مخرجًا من دوامة هذه المواجهات المستمرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أمامنا مبادرة للسلام، مبادرة لوقف نزيف الدم، مبادرة للبناء، مبادرة لطي صفحات الألم والفقد والتشريد، تقدمها المملكة العربية السعودية، انطلاقًا من فهمها العميق لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحقه في أرضه، وإقامة وطنه المستقل، ومن واقع إدراكها للبعد السياسي الدولي وما يفرضه من فرص قد لا تتكرر. المملكة تنطلق من مسؤوليتها التاريخية والجغرافية والسياسية كونها حاضنة الرأي العربي والإسلامي، والقبلة السياسية والدينية لأكثر من مليار ونصف مسلم وعربي.

وختامًا، نقف اليوم بين نذر الحرب ومآلاتها وبين فرص السلام، نتأمل هذا الصراع ونقلب صفحاته لنخرج بطرح جديد يعيد للقارئ توازنه ونظرته للمشكلة والحل.