في كل عام، يطلّ علينا اليوم الوطني السعودي بذكراه المجيدة، ليذكرنا بحكاية وطن لا يشبهه أي وطن، وطن بُني على سواعد أبنائه الأبطال وتضحيات الرواد الأوائل منهم. "وطن من هذا؟"، هو السؤال الذي يقفز إلى الأذهان عندما نتأمل في رحلة هذا البلد العظيم، الذي صمد أمام كل التحديات وخرج منها أقوى، أكثر وحدة وثباتًا.

نبدأ من الدرعية، العاصمة الأولى للدولة السعودية التي كانت ولا تزال رمزًا للصمود والإصرار. تلك المدينة التي حاول الغزاة تدميرها، ولكنها تنهض مجددًا كلما هُدمت، لأنها تنبض بروح هذا الوطن؛ روح لا تقبل الهزيمة، وتنهض من جديد كطائر العنقاء. كلما حاول الأعداء القضاء عليها، عادت أقوى وأكثر صلابة. هذا الوطن الصلب يزداد تماسكًا مع كل محنة.

لم تكن الدرعية مجرد موقع جغرافي، بل هي شهادة حيّة على عظمة الرجال والنساء الذين حموها، ممن قاتلوا واستشهدوا، وممن وقعوا في الأسر وواصلوا مسيرة البقاء.

إنَّ ما جعل هذا الوطن عظيمًا ليس فقط الجغرافيا أو الثروات الطبيعية، بل الأبطال الذين قدموا أرواحهم ليبقى اسم "المملكة العربية السعودية" شامخًا. من حكامه وشعبه الذين انصهروا في عائلة واحدة يعرفها القاصي والداني تحت عنوان "الشعب السعودي". لقد قدم الجميع تضحيات جسيمة في سبيل بناء هذا الكيان، فقد تعلم أبناؤنا من أجدادنا أن ما يُبنى بالتضحيات والدماء لن يُهدم ولن يُهزم، لذلك استمروا في بناء دولة تتحدى الزمان والمكان.

ومع كل هذه التضحيات، برز دور الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، الذي لم يكن مجرد قائد عسكري، بل رجل ذو أفق سياسي واسع. عرف -يرحمه الله- أن بناء الدولة يحتاج مع القوة إلى الحكمة وحسن الإدارة والحنكة السياسية. لذلك أحاط نفسه بنخبة من المستشارين والخبراء من أبناء الوطن المتعلمين المهاجرين في وقتها ومن مختلف أطياف العرب، واستفاد من تجاربهم في بناء دولة حديثة تقوم على أسس راسخة من العلم والإدارة. هذا الوعي السياسي الذي كان يتمتع به الملك عبدالعزيز هو ما جعل المملكة تسير على خطى ثابتة نحو الاستقرار والازدهار.

ولا يمكننا أن ننسى دور قائدنا وملكنا سلمان بن عبدالعزيز، فقد كان شاهدًا على مسيرة المملكة منذ نشأتها الحديثة وكان اليد اليمنى لخمسة ملوك، وأحد أعمدة الدولة السعودية الذين حافظوا على ثباتها واستمراريتها. بخبرته الطويلة وحكمته البارزة، يقود الملك سلمان اليوم، إلى جانب سنده وعضده عرّاب الرؤية الأمير محمد بن سلمان، بلادنا نحو آفاق جديدة، استنادًا إلى إرث الأجداد وروح البناء التي لا تزال تسري في هذا الوطن العظيم.

إننا في هذا اليوم الوطني ونحن نحتفي بوطننا العظيم، نرفع رؤوسنا فخرًا بهذا الوطن وبتاريخه المجيد، ونتذكر بكل فخر واعتزاز أجدادنا الذين ضحوا من أجلنا، والرواد الذين بنوا هذه الدولة بسواعدهم ودمائهم، ونجدد العهد بأن نكون جيلًا يواصل المسيرة، ليظل "وطن من هذا؟" هو سؤال كل من يشهد على عظمة هذا البلد وتراثه الراسخ. ونقف صفًا واحدًا خلف قيادتنا الحكيمة التي تسير بنا نحو مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا.