ما يزال من المبكر للغاية تحديد طبيعة التعديلات الدستورية بعد حل مجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور، ونأمل ألا ينصب التركيز على صناعة التوتر والصدام السياسي، فالأسهل والأفضل عشرات المرات هو صناعة التلاقي والتوافق والاتفاق، والعبور بالتجربة الديمقراطية نحو آفاق واعدة.

جذور المشكلة السياسية تعود إلى سلوك وقول وممارسة منحرفة من السلطة التنفيذية قبل السلطة التشريعية، فالأولى لم تخرج من القالب التقليدي في العلاقة مع مجلس الأمة والخضوع إلى مساومات ومقايضة نيابية، وتنازل الحكومة عن دورها الدستوري للثانية.

افتقرنا إلى المناعة الديمقراطية حين سادت الفوضى وتعمق التشرذم والانشطار، فقد تقاذفت العملية الديمقراطية عواطف وولاءات طائفية وقبلية ومناطقية وفئوية ودينية، حتى تأسس التناقض الرهيب بين مكتسبات ديمقراطية والإقبال على الانتخابات حفاظاً على تطلعات سياسية أنانية ومصالح نيابية ووزارية!

تفاقم التشقق في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حتى بلغنا الانسداد السياسي دون مبادرة حكومية لإنقاذ الديمقراطية، وتغليب مصالح البلاد والعباد على المصالح السياسية والعواطف الاجتماعية، وتنازلات حكومية لبعض الأطراف النيابية ذات الصوت العالي والنفوذ الديني والقبلي والطائفي!

وضاعف التشقق الداخلي في المؤسسة التشريعية والحكومة أيضاً فقدان المناعة الثقافية، فأضعفت المناعة السياسية وضعفت المناعة في السلطتين. وقد كان من أبرز أسباب فقدان المناعة في الكويت عدم التعامل بجدية مع مسألة تداخل الاختصاص والصلاحيات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية!

التعامل بجدية يحتم المراجعة الدقيقة ودراسة الأخطاء وأسباب فقدان المناعة من قبل الحكومة باعتبارها السلطة المهيمنة دستورياً، وعدم تبنيها مشروعاً ثقافياً لتحصين العملية السياسية والديمقراطية تحديداً.

والتعامل بجدية يحتم أيضاً عدم الهروب من معالجة جذور المشكلة السياسية وأسبابها وظروفها ومصادرها، حتى لا تتكرر عملية الهروب ولا يتكرر الانسداد السياسي ولا يتكرر زحف السلطة التشريعية على صلاحيات السلطة التنفيذية.

الشماتة السياسية لا تبرر ضعف المناعة، ولا ثرثرة الشعارات الصاخبة تحصن الديمقراطية، فالكذب على المواطنين بانتصارات زائفة والمبالغات السياسية لا تساعد على المواجهة ودراسة جذور المشكلة السياسية ومعالجة عوامل فقدان ثقافة الديمقراطية.

لعل تحديد التصورات الأولية والمبدئية لأسباب تعثر التجربة الديمقراطية واستحواذ الطائفية والقبلية والفئوية على حيز سياسي لا يستهان به، وتحليل طبيعة التحديات الثقافية التي واجهتها الدولة خلال الفترة 2013-2020 تحديداً، يمهد الطريق لمعالجة ضعف المناعة بعيداً عن الصدام السياسي.

زمن المراجعة كان يفترض ألا يؤجل ولا يتأخر، وكان ينبغي على الحكومة تبني مشروع ترميم العلاقة مع مجلس الأمة والشعب خاصة، وتحصين العملية الديمقراطية داخل مؤسسة مجلس الوزراء والمؤسسة التشريعية أيضاً.

وزمن المراجعة السياسية كان يفترض أن يبدأ منذ بداية بروز ظاهرة الأصولية والصحوة الدينية، وتمدد مظاهر أفول الدولة المدنية، في حين استحوذت التيارات الدينية المتزمتة وتنظيم الإخوان المسلمين على الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات النفع العام خاصة!

الكويت بحاجة ملحة لمبادرة حكومية تتقدمها الشفافية والمصالحة الوطنية من أجل ترسيخ قواعد زمن المراجعة الحقيقية والعلمية، فالصمت الحكومي قد يخلق حالة معقدة جديدة من التوتر والاحتقان، ومن ثم الصدام السياسي كنهاية حتمية للصمت!