أنا وكثير من أبناء جيلي، أبناء دول مجلس التعاون، أبصرنا الدنيا وقد اعتدنا في نهاية كل سنة ميلادية التئام اجتماع المجلس الأعلى لمجلس التعاون. حيث تعلّق جميع تلفزيونات الخليج برامجها المعتادة وتبدأ في بث مباشر من مطار الدولة المستضيفة لنقل مراسم استقبال أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، ثم الانتقال بعد ذلك إلى بث وقائع الجلسة الافتتاحية العلنية. فكنا نتسمّر أمام الشاشة رغم حداثة أعمارنا، فقد كنّا – ولا نزال وسنبقى – ننظر إلى قادتنا بمثابة الآباء الكرام الذين يرعون شعوبهم بروح الأب الحاني. رحم الله الراحلين وبارك في عمر الأحياء وأمدّهم بعونه وتوفيقه.

ودولة الكويت الشقيقة تستضيف أعمال المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الخامس والأربعين في الأول من كانون الأول (ديسمبر) القادم، وسط ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد. يتطلع المراقبون إلى أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس متأملين كل خير في مخرجات قمة الكويت 2024، بما يدعم العمل الخليجي المشترك والتنسيق المستمر حيال القضايا الإقليمية والدولية والأحداث المتسارعة التي تلقي بظلالها على العالم أجمع.

ويسعدني في هذه المساحة تسليط الضوء على القمم الخليجية التي استضافتها الكويت منذ تأسيس مجلس التعاون في 25 أيار (مايو) عام 1981، بسرد تاريخي موجز. ففي كانون الأول (ديسمبر) 1984، احتضنت الكويت لأول مرة اجتماع المجلس الأعلى الخامس وسط مظاهر احتفالية عارمة. وقد تم في تلك المناسبة إشراك الفن والمسرح للاحتفاء بهذا اللقاء الخليجي الأثير في نفوس الخليجيين. فقد شمّرت وزارة الإعلام الكويتية عن ساعد الإبداع والتميز بإنتاج أغنيتين أصبحتا لاحقاً بمثابة النشيد الخليجي الذي يتم استحضاره في كل مناسبة خليجية حتى وقتنا الحالي.

الأولى أغنية "مصيرنا واحد"، كتبها بالمحكي الخليجي الشاعر الكويتي الكبير عبداللطيف البنّاي، وصاغ ألحانها الموسيقار الكويتي المرحوم مرزوق المرزوق، وقدمتها فرقة تلفزيون الكويت مسجّلة. كذلك تم تقديمها في المسرح أمام أصحاب الجلالة والسمو القادة. أما الأغنية الثانية فهي "أنا الخليجي"، كتبها الشاعر عبداللطيف البنّاي، ولحنها الموسيقار الكويتي الكبير يوسف المهنا، وأدّاها الفنانون الكبار: عبدالمحسن المهنا، المرحوم عبدالكريم عبدالقادر، ونوال الكويتية.

وعلى صعيد المسرح، قدّم الفنان الكبير المرحوم عبدالحسين عبدالرضا مسرحية كوميدية اجتماعية من تأليفه بعنوان "فرحة أمة". كانت من بطولته ومعه الفنانون الكبار: غانم الصالح، أحمد الصالح، وعائشة إبراهيم – رحمهم الله – وإبراهيم الصلال، سعاد عبدالله، وعبدالرحمن العقل، وعدد من النجوم. عُرضت المسرحية أمام أصحاب الجلالة والسمو وكانت جريئة سابقة لزمانها، مستشرفة للمستقبل، حيث ناقشت قضايا الأسرة الخليجية من جهة ترابطها وتأثير التطرف الديني والانحلال الأخلاقي على الأبناء، في قالب ساخر، ولقيت حينها أصداء واسعة.

في كانون الأول (ديسمبر) 1991، استضافت الكويت القمة الخليجية الثانية عشرة بعد ثمانية أشهر فقط من تحرير أرضها من دنس الغزو العراقي الغاشم وعودة القيادة الشرعية والشعب الكويتي الشقيق لوطنه، فكانت المشاعر حينها لا توصف، والكويت المُحرّرة تزهو بلقاء قادة الخليج مرة أخرى على أرضها.

إقرأ أيضاً: سلطنة عمان.. نهضة متجددة

أما القمة الثالثة التي استضافتها الكويت فكانت القمة الثامنة عشرة في كانون الأول (ديسمبر) 1997. وتجدد اللقاء الرابع على أرض الكويت عبر القمة الرابعة والعشرين في كانون الأول (ديسمبر) 2003.

وفي كانون الأول (ديسمبر) 2009، استضافت الكويت للمرة الخامسة أعمال القمة في دورتها الثلاثين، وكانت القمة الأولى في عهد صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الرابع عشر رحمه الله. أما اللقاء السادس في الكويت فكان في كانون الأول (ديسمبر) 2013 حيث القمة الرابعة والثلاثون. كما شهد كانون الأول (ديسمبر) 2017 سابع قمة خليجية على أرض الكويت، وكانت القمة الثامنة والثلاثين.

إقرأ أيضاً: فوائد غير متوقعة للقراءة

واليوم – وما أجمل اليوم – تستعد الكويت لاستضافة القمة الخليجية الثامنة على أرضها، والأولى في عهد حضرة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت حفظه الله ورعاه.

كل التوفيق والسداد أرجوه لأعمال القمة لخير شعوب الخليج والمنطقة والعالمين العربي والإسلامي.