اتفاقية وقف إطلاق النار الأخيرة بين إسرائيل ولبنان (وبالفعل مع حزب الله)، والتي دخلت حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، تحمل في طياتها مزايا وعيوباً لكلا الطرفين المعنيين. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يكتب لها الصمود لفترة طويلة؟

مزايا الاتفاق بالنسبة إلى إسرائيل:
1. عودة الهدوء والأمن في الحدود الشمالية: توفر الاتفاقية فرصة لإسرائيل لإعادة الأمن على حدودها الشمالية، الذي تم سحقه خلال ما يقرب من عقدين، وإزالة التهديد المباشر من جانب عناصر حزب الله للشمال الإسرائيلي، وذلك من خلال تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 وإدخال تعديلات عليه لضمان عدم خرقه.

2. التركيز الاستراتيجي: يسمح وقف إطلاق النار لإسرائيل بتجديد مخزونها من الأسلحة والذخيرة، وتسريح بعض قوات الاحتياط، وإعادة تنشيط الاقتصاد الذي كان شبه مجمد بسبب الحرب طويلة الأمد. كما يمنحها الفرصة للتركيز على قضايا ملحة أخرى تخص أمنها القومي، مثل إزالة التهديد الإيراني وإحباط مشروع طهران النووي، وعزل حماس وتفكيك حكمها في القطاع، وإعادة المختطفين.

3. ضمانات أميركية: حصلت إسرائيل على ضمانات من الولايات المتحدة بمنحها حرية العمل العسكري في حال رصد انتهاكات سافرة للاتفاق من جانب حزب الله، مما يتيح لها الرد السريع على هذه الانتهاكات جنوبي نهر الليطاني وأيضًا إلى الشمال منه، بعد إبلاغ الجهات المشرفة على تنفيذ الاتفاق، وهي الولايات المتحدة وفرنسا.

4. إضعاف إيران: إيران، التي اعتمدت بشكل كبير على مخزون حزب الله من الصواريخ لردع إسرائيل عن ضرب منشآتها النووية، لم تعد تملك هذه القدرة. كما أنَّ محاولتها تزويد حزب الله بالأسلحة مجددًا قد تواجه معارضة لبنانية ودولية، بالإضافة إلى أعمال إسرائيلية لإحباطها.

عيوب الاتفاق بالنسبة إلى إسرائيل:
1. رغم الإنجازات العسكرية الكبيرة والضربات المؤلمة التي تكبدها حزب الله على يد الجيش الإسرائيلي، لم تتمكن إسرائيل من تفكيك القدرات العسكرية لحزب الله بالكامل، وقد يمنح الاتفاق هذه المنظمة فرصة لاستعادة قدراتها العسكرية إذا لم يتم تطبيقه بحذافيره.

2. آلية المراقبة على تنفيذ الاتفاق تتولاها جهات أجنبية مثل اليونيفيل، والولايات المتحدة، وفرنسا، مما يجبر إسرائيل على التوجه إلى هذه الجهات في حال خرق الاتفاق من جانب حزب الله، قبل أن يتسنى لها الرد عسكريًا على هذا الخرق، مما ينال من قدرتها على الرد الفوري. كما أن الجيش اللبناني لم يثبت في الماضي قدرته على لجم عناصر حزب الله، الذين قد يتسللون إلى الجنوب.

3. لا ينص الاتفاق على إنشاء منطقة عازلة خالية من السكان إلى الجنوب من نهر الليطاني، كما كان يطالب به سكان المنطقة الشمالية وبعض أحزاب الائتلاف، مما قد يفسح المجال أمام عناصر حزب الله للعودة إلى تلك المنطقة.

مزايا الاتفاق بالنسبة إلى حزب الله:
1. بقاؤه كقوة عسكرية: رغم الخسائر الكبيرة، لم يتم تفكيك حزب الله كقوة عسكرية، ولم يشترط الاتفاق تسليم سلاحه للجيش النظامي اللبناني، والحزب يتباهى بأنه قد صمد أمام الضغط العسكري الإسرائيلي.

2. النفوذ السياسي: حزب الله لا يزال يتمتع بالنفوذ السياسي في الساحة الداخلية اللبنانية، رغم فقدانه الكثير من قدراته العسكرية.

3. فرصة لاستعادة قدراته: الاتفاق قد يفسح المجال أمام حزب الله، عبر مرور الوقت، لإعادة بناء بعض قدراته بطرق مختلفة، وخاصة استئناف تزوده بأسلحة وصواريخ إيرانية، إذا لم تقم إسرائيل بالحيلولة دون حدوث ذلك بحزم.

عيوب الاتفاق بالنسبة إلى حزب الله:
1. الخسائر العسكرية: تكبد التنظيم خسائر كبيرة في الأرواح وفقد الكثير من مخزونه الصاروخي وقدراته القتالية خلال الحرب.

2. فراغ في القيادة: تمثل تصفية زعيم حزب الله حسن نصر الله، ومن كان مرشحًا لخلافته، انتكاسة كبيرة للهيكل القيادي للمنظمة، وقد يصعب عليها ملء هذا الفراغ القيادي.

3. فرض قيود على نشاطاته: الاتفاقية تفرض قيودًا على نشاطات حزب الله وتبعد قواته إلى شمال نهر الليطاني، مما يحد من قدراته العملياتية بالقرب من الحدود الإسرائيلية، ويعتبر إذعانًا للمطلب الإسرائيلي بعد أن كان الحزب قد رفض هذا المطلب.

4. فشل حرب الإسناد: حزب الله تنازل عن مطلبه وقف الحرب في غزة كشرط لوقف إطلاقه النار على إسرائيل، مما يعني فك الارتباط بين الجبهتين، وفشل “حرب الإسناد”. وهذا يضعف موقفه في الساحتين اللبنانية والإقليمية.

خاتمة:
بعد هذه الموازنة من المزايا والعيوب، يبدو أنَّ المكاسب التي حققتها إسرائيل في الاتفاق تفوق الخسائر. إذ إنها قامت بدحر القوة التي كانت تشكل تهديدًا مستمرًا على مدنها وقراها الشمالية، وأجبرتها على سحب قواتها إلى ما وراء الليطاني داخل الأراضي اللبنانية. كما تم إنشاء آلية أكثر فعالية للتعامل مع الخروقات المحتملة، وهي تتمتع حاليًا بحرية أكبر في الرد العسكري على أي انتهاك، مع ضمانات دولية أقوى على تنفيذه من خلال إنشاء لجنة المراقبة بقيادة الولايات المتحدة.

أما بالنسبة إلى حزب الله، فإنه لا يزال يشكل قوة محورية في السياسة اللبنانية، ولا يزال يتمتع بقدرات عسكرية تتحدى مؤسسات الدولة اللبنانية. الأمر الآن يعود إلى اللبنانيين أنفسهم: هل سيكون بإمكانهم إجبار هذه المنظمة على تسليم الجيش اللبناني سلاحها لتصبح حزبًا سياسيًا، أم أنها ستحتفظ بقدراتها العسكرية وستفرض من خلالها إرادتها على الدولة اللبنانية كما كان في الماضي، مما لم يجلب للبنان سوى المآسي والدمار.