تصاعدت وتيرة الصراع بين العشائر المسلحة وحركة حماس في غزة خلال الفترة الأخيرة، فكلا الفريقين يريد فرض سيطرته على زمام الأمور، مما يزيد الوضع تعقيدًا بالنسبة إلى السكان العاديين، خاصة مع تفاقم أزمتهم الإنسانية بين الحرب الإسرائيلية التي لا تنتهي وافتقارهم لأبسط مقومات الحياة كالمأكل والمشرب والرعاية الصحية. فما زال أهالي القطاع يدفعون ثمن الحرب، سواء بالقتل على يد إسرائيل أو الإبادة التي تُمارس ضدهم كل يوم، وكذلك تشريدهم على الحدود وفي مناطق الإيواء دون رحمة أو غطاء وحماية من عنف الاحتلال الغاشم.

واقعيًا، يدور صراع تاريخي بين حماس والعشائر، بسبب تمسك حماس بالسلطة، في حين أن العشائر لا تعترف بها إطلاقًا. وفي الوقت نفسه، تسعى إسرائيل إلى كسب عشائر وعائلات محلية لحكم قطاع غزة بعد تحقيق هدفها المعلن بالقضاء على حماس نهائيًا وإنهاء دورها في القطاع.

وتحولت العشائر إلى "بدائل" للأحزاب السياسية في ظل غياب حياة حزبية بعد سيطرة حماس المطلقة على القطاع منذ عام 2007. فقد أفرز حكم حماس للقطاع العديد من المشاكل، فقبل سيطرة حماس كانت بعض العائلات تتمتع بنفوذ كبير. لا نستطيع أن نقول بوجود عشيرة موالية ومخاصمة لحماس، لكن هناك عائلات معروفة بعدائها للحركة دخلت في صدامات معها، كعائلة دغمش في مدينة غزة ومحيطها. وفي المجمل، العائلات المؤثرة لها تحفظات على حكم حماس.

ووضعت إسرائيل عدة خطط لليوم التالي بعد الحرب وإدارة قطاع غزة بالتعاون مع عشائر محلية ذات نفوذ. ولكن رفضت حماس هذه الخطط تمامًا، وتمسكت بدورها وعودة نفوذها بعد الحرب، ولذلك تسعى حاليًا لعقد صفقة هدنة مع إسرائيل من أجل استعادة دورها من جديد.

وحاليًا، تبحث إسرائيل جاهدة عن عشائر وعائلات محلية على الأرض للعمل معها، لكن ترفض العشائر ذلك لخوفها من انتقام حماس، التي ما زالت متواجدة في غزة وتفرض إرادتها في الشارع. ففي ظل سعي إسرائيل للتواصل مع العشائر، إلا أن حماس قضت على تلك المحاولات وما زالت تصارع العشائر لإجبارها على الخضوع لرأس حماس.

إقرأ أيضاً: نهاية السنوار.. بين البطولة والتوريط!

لكن تعزز عشرات من العائلات صاحبة النفوذ، التي تعمل كعشائر منظمة، وجودها في غزة وبين السكان. وتستمد قوتها من السيطرة على النشاط الاقتصادي، وتتمتع بولاء مئات أو آلاف من الأقارب، ورأيها يسير على الجميع بعيدًا عن توصيات حماس أو الولاء لها. وفي الوقت نفسه، يرغبون في قيادة محلية تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، بعيدًا عن حماس التي تدير القطاع من خارج فلسطين.

وتسعى هذه العشائر إلى انتزاع حكم غزة الآن من قبضة حماس، حتى وإن كان وجودها هامشيًا على أرض الواقع. فتسعى إلى جلب قوة أمنية من الخارج، والحصول على مساعدة دولية في إعادة الإعمار، والبحث عن تسوية سلمية طويلة الأجل لشعب غزة، والعيش في سلام بعيدًا عن حرب الإبادة والتشريد.

لذلك، يظل هدف تلك العشائر هو القضاء على حماس وتولي زمام الأمور في غزة بعد الحرب، ووجودها كقيادة محلية ترغب في العيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، ولا تكرس حياتها إلا لبناء الوطن. ولكن، هل ستصمت حماس وترضى بالأمر الواقع؟

إقرأ أيضاً: حزب الله ودعم محور إيران على حساب الشعب اللبناني

وبغض النظر عما تراه حماس جيدًا لصالحها أم لا، إلا أن الشعب الفلسطيني سيظل سيد قراره في اختيار من يتولى السلطة في حالة طي صفحة الحرب وبدء التهدئة. فالشعب سيعطي الأولوية لمن يحميه ويدافع عن حقوقه وأمنه ومصلحته، دون أن يدخله في حروب لا تنتهي مع إسرائيل، يدفع ثمنها هو وحده.

ولكن يبدو أن الحل الوحيد لمستقبل غزة هو أن يحكمها الفلسطينيون المحليون، وأن يقرر الشعب مصيره بيده، سواء في عودة الحكم المحلي أو غيره، دون الاكتراث بالصراع الدائر على السلطة أو حتى رغبة إسرائيل فيمن يدير القطاع بعد الحرب، ومن يدبر حياة هادئة ومستقرة بلا حرب أو مجاعة أو وباء.