بات وَقع عنوان المَقال على بَعض العراقيين، شَبيهاً بوَقع مَثَل "جاك الواوي وجاك الذيب". الواوي هو إبن آوى والذيب هو الذئب في اللهجة العراقية الدارِجة، والذي يُضرَب لوجود أخطار دائِمة، حَقيقية أو مُفتعلة، تتَهَدّد المَرء، وتُديم حالة الخَوف والرُعب في ذِهنِه، وتُبقيه قلِقاً خائِفاً طَوال الوَقت، كما كان بَعض العِراقيين يَتّخذون الواوي رَمزاً لإخافة أطفالهم المُشاكسين كي يَخلدوا للنوم بقَولهم "ترة يجيك الواوي إذا ما تنام وتصير عاقِل". ورَغم أن فِكرة التَخويف بعَودة البعثية، والتهديد بجَيش يَزيد، تقادَمَت واستُهلِكَت لكثرة إجتِرارها طَوال عِشرين عاماً، لكن لا زال لها مَفعول السِحر على مَلايين العراقيين السُذّج، الذين ما إن تَطرُق أسماعَهُم حتى يُسَلِّموا حالهم ومالهم لغِلمان إيران الذين يَحكمونَهم، سَواء كانوا ساسة مُخادعون، أو مِليشياويون مِن سَقط المَتاع، كانوا حَتى 2003 حُثالات مُجتمَعِهم، فباتوا اليوم أسيادهم وتيجان رؤوسِهِم.

إذا لم تنتَخِبونا سَتسقُط دَولتنا، دَولة الشيعة وآل البَيت، ويَعود البَعثية ومَقابرهُم الجَماعية، وتعودون أذلاء مُصطَهدين! هذه هي الأسطوانة التي يُعيد الإسلام السياسي الشيعي تدويرها منذ 2003 إلى اليوم. رَغم أن الذل الذي يَعيشه الشيعة اليوم في ظل مَن يَدّعون تمثيلهم، لم يَعيشوه حتى في ظِل أكثر الدُول تسَنّناً في العراق. ورغم أن أغلب كوادِر البعث وقياداته كانوا مِن الشيعة، وهُم وليسَ غيرهم مَن نَفّذوا المَقابر الجَماعية بحَق أبناء جِلدَتِهِم ومُدُنِهِم. ورَغم أن أصغَر بَعثي لا يقل عُمره اليوم عن 50 سَنة، ولا يقل مُعَدّل أعمار كوادر البَعثيين عن 70 سنة، وأساساً لا وُجود لهُم في العَملية السياسية بَعد سَنوات مِن الاجتثاث. لكن هذا الكلام يُطلق لتخويف الناس، ودَفعِهِم إلى انتخابهم وعَدَم انتَخاب أي شَخص أو تيّار خارج مُحيط الإسلام السياسي الشيعي الذي يَدور في فلك إيران، حتى إن كان شيعياً أباً عَن جِد أكثر مِن بَعضهم مِمّن لا أصل لَهُم ولا فَصل، كما فعلوا مع د. أياد علاوي عام 2010 لمُجَرّد طَرحِه مَشروعاً ليبرالياً وَطَنياً يَتقاطَع مَع مَشروعِهم الإيراني.

وإذا لم تنتَخِبونا فإن جَيش يَزيد يَقِف عِند ناصِية الشارع (براس الفَرِع)، وسَيَقتلكم عَن بكرة أبيكم! هي الأسطوانة الثانية التي يُعيد الإسلام السياسي الشيعي تدويرَها منذ 2003 إلى اليوم. رغم أن يَزيد مات منذ 14 قرناً، والجَيش الذي يَقصِدون كان قَوامَه أجدادهم مِن أهل الكوفة، الذين دَعوا الإمام الحسين لنُصرَتهم ثم انقلبوا عَليه، والذين وَصَفَهم الفرزدق للإمام الحسين حين لَقِيَه عائِداً مِن الكوفة: "قلوبهم مَعك وسيوفهم عليك". فلو تَتَبّعنا أنسابَهم العَشائرية، ليس بَعيداً أن نجِد بأن الكثير مِنها يَعود لهذا الجيش الذي ارتكب أبشَع مَجزرة بحَق الإمام الحسين وأهل بيته، الذين يَتباكون عليهم اليوم ويَدّعون موالاتهم والتشَيّع لهُم، في حين هم يُوالون مَن يتّخذهم وسيلة لتحقيق أطماعه بإعادة الإمبراطورية الفارسية مِن ملالي قم.

بفَضل هذه العِبارة المُبَطّنة بالخِداع والتزييف، لم تضطَر عِصابات الإسلام السياسي الشيعي الموالية الإيران، ولعَقدين من الزمن قَضَتها في السُلطة، إلى توفير الخَدَمات وتطوير البُنى التَحتية لناخبيها مِن أبناء طائِفتها، بل ولا حَتى الإبقاء عليها كما استلمَتها في 2003، والتي باتت في حالة يُرثى لها، تحديداً في المحافظات التي تحكُمُها هذه الأحزاب! والسَبب هو أنه ليسَ هناك من يُسائِلهم بخصوصِها، لأنَّ الغالبية مُخَدّرة ومُصَدّقة أكذوبة أنَّ البعثية يُطِلّون بِرَؤوسِهم مِن الشِباك، وجَيش يزيد يَترَصّدَهم خَلف الباب، والتي يَتِم تكرارها على مَسامِعِهم طَوال العام، وبشَكل أكثر تركيزاً قبل الانتخابات، مِن قِبَل خُطباء المَنابر وأبواق الفضائيات، مَع بَعض البهارات، كافتِعال تفجيرات تتبنّاها القاعِدة في مراقِد أو مناطق شيعية! أو الترويج لإنقلاب على الحُكم أو مُخَطّط لاغتيال المَرجعية يُدَبِّر له البَعثية! أو ترتيب فيلم انسِحاب الجَيش وتسليم مُحافظة بأكملها إلى تنظيم إرهابي خَرَج فجأة مِن زُرف الحائِط، كما حَصل عام 2014 في الموصل، أو كما يَجري اليوم في حلب، ليأتي مُرتزقة مليشيات إيران ويَقوموا بدَور أبطال الفيلم وحُماة الأعراض! لإيصال الناس إلى قَناعة أنَّ عليهم أن يَرضوا بإجرام وفَساد وعَمالة هذه الأحزاب، بإجرامِهم بحَق شُركائهم في الوطن ومَن لا يتفِق مَعَهم مِن أبناء طائِفتهم، وبفساد ذِمّتهم وسَرِقاهم وجَشَعِهم، وبتَباهيهم بالعَمالة لإيران وتبَعِيّتهم لمُرشِدِها خامنئي وتنفيذهم لأجنداتِها التوَسّعية في المنطقة.

إقرأ أيضاً: إيران ومُرتزقتها يُخَرّبون والعَرب يُعَمِّرون

طَبعاً أسطوانة "جاك واوي البَعث وجاك ذيب يَزيد" غير مَسموعة وتُعتبَر نشار ويَتِم التندُّر عليها في إقليم كوردستان وفي مُحافظات الغربية. فالسياسي والمواطن هناك مُتصالِح مَع نفسِه ومُتسامِح مَع غَيره إلى حَد كبير، يَعيش الواقع ويَنظُر إلى المُستقبل ولا يَبحَث بدَفاتر التأريخ العَتيقة، بدَليل أنَّ أغلب "واوية" البَعث كما تَراهُم القوى الشيعية الحاكمة، وأولهم عزة الدوري، ذَهَبوا بَعد 2003 الى إقليم كوردستان وإحتضَنَهُم ساسَته ومُواطنوه، ويُقال أن بَعض أبناء قيادات النظام السابق تم تعيينَهُم في دَوائر الإقليم، بل حَتى عائِلة صَدام عُرِض عَليها البَقاء في إقليم كردستان مُعَزّزة مُكَّرّمة، أو الذهاب الى حَيث تُريد. على عَكس المَناطق التي يَحكُمُها الإسلام السياسي الشيعي، والتي تجِد فيها السياسي سِمسار يَعيش على المعَثّرات، والمواطن مُستلذ بالبَقاء مَسكوناً بعُقدة المَظلومية ومَخدوعاً بها، ويُحِب أن يَعيش دائماً دَور الضَحِّية، وأن يُقال عَنه خَطيّة.

إقرأ أيضاً: ألمانيا في مفترق طرق بعد عطل إشارة المرور

حينما قال المالكي "ما ننطيها"، لم يكن يَعني نفسه وحِزبه الدَعوة فقط، بل مَنظومة إسلام سياسي كاملة مَدعومة مِن إيران لدَيها مَشروع هَيمنة بإسم التشيّع، كانت تسعى لتسَلّق السُلطة في العِراق مُنذ قرون لتَحقيقه، لذا لن تُفَرِّط بها، وسَتفعل الافاعيل لتُحافظ عليها، خصوصاً في ظل وجود قاعِدة مُجتمَعية مُتواطِئة مَعها وحاضِنة وخاضِعة لها، وتَسويق الأكاذيب لتخويف هذه القاعِدة المَسلوبة العَقل والإرادة هو أبسَط هذه الأفاعيل! لذا العَتَب في النهاية ليسَ على هذه الأحزاب والمليشيات لأنها عِصابات لا يُرتجى منها خيراً، بل على الوَعي الجَمعي القطيعي الذي لازال يُصَدق أكاذيبها ويَنخَدِعُ بها ويَنساق لنغمَتِها النَشَاز التي تُرَدِّدها مُنذ أكثر مِن عَقدين ولا تزال تُشَنِّف آذانِه، دون أن يَتوَقّف لحظة ليُشَغِّل عَقله ويعيد النظََر فيها لإختبار مِصداقِيّتها. والذي في سَبيلها يُضَحّي بكرامَتِه التي داسَتها هذه الاحزاب، وبإنسانيته التي تمتَهِنها، بل ويَنغمس مَعَها في رَذيلتها، بمُشاركتها فسادَها وتَبرير جَرائِمِها والإنخِراط مَعها بعَمالتها لإيران، عِبر بَيع أبنائه كمُرتزقة في مليشيات حَشدها. ولا ضَوء بآخر النَفَق يوحي بأن هذا الوَعي القطيعي سَيَصحو من غفلته، فكل المؤشِّرات تقول أنه يَنغَمِس في وَحلها يوماً بَعد آخر، رَغم أن البَعثية باتوا في خبَر كان، ويَزيد وجَيشه تحَوّلوا الى تُراب مِن زمان.