عندما دخل المستعمرون سوريا، اتحد أهلها وتوحدت كلمتهم، وتم هزيمة المستعمرين وبناء سوريا الحديثة التي خطت في سبيل البناء والتطوير خطوات غير مسبوقة. كانت الصناعة السورية منتشرة في محيطها العربي حسب طابع ذلك الوقت، وأسواقها مصدرًا لكل جديد، وحرفيوها نموذجًا يحتذى به في المهارة والدقة، ومحصولاتها ذات الجودة العالية.
كانت سوريا مقصد التجار والصناع حتى دخلتها الحزبيات والولاءات الخارجية ودعوات القومية والبعث والشيوعية. استولى "الرفاق" على غرار الرفاق في الاتحاد السوفيتي على سوريا، بالرغم من عدم توافقهم الداخلي والخارجي وانقسامهم، وكان الاتحاد السوفيتي هو المستفيد، حيث وجد موطئ قدم في البحر الأبيض المتوسط. مع تولي حافظ الأسد السلطة عام 1970، تبدل حال "الرفاق"، وبقي منهم القلة. دارت رحى الطائفية، فكانت سوريا من نصيب أسرة الأسد وطائفتهم العلوية، مع بقاء عدد من العناصر السنية لإقناع بقية الشعب السوري أن الحكومة تمثل الجميع.
ومع الأيام، زادت الفوارق، وعندما ظهرت الخمينية، رأت القيادة السورية أن إيران هي الحليف الأقرب، على حساب العرب، بغض النظر عن عجميتها. لعبت سوريا الأسد دورًا أكبر في لبنان حتى تمكن شيعة لبنان من تحويل لبنان إلى دولة طائفية، كما هو الحال في سوريا.
رحل حافظ الأسد بعد أن حكم السوريين بالنار والحديد وغسل الدماغ وفق أيديولوجيته الخاصة، التي كانت خليطًا بين البعثية والماركسية والطائفية. أضرم بذلك النار تحت السطح، وطال لهب هذه النار الشعب السوري في حماة عام 1982، وكان الإخوان المسلمون من شاركه إشعال النار بحجة الحرية للشعب السوري. وقبل رحيله، انهار الاتحاد السوفيتي، فبقي تحالفه مع الروس كسابق عهده رغم محاولات أميركا قلب أنظمة الحكم في الدول الحليفة للسوفيت، بما فيها سوريا.
بعد تولي بشار الأسد، كانت الطائفية أشد من عهد والده، والنفوذ الإيراني أكبر في سوريا ولبنان، حتى أصبح حزب الله الآمر الناهي في لبنان بعد خروج الجيش العربي السوري. زاد هذا النفوذ باغتيال رفيق الحريري.
وفي سوريا، كانت الأوضاع السياسية متأزمة، والأحوال الاقتصادية سيئة، وكان الشعب السوري بركانًا يغلي على وشك الانفجار. أشعل الخريف العربي ذلك الفتيل على يد الإخوان المسلمين وبرعاية أميركا وحزبها الديمقراطي وبعض القوى الإقليمية، وبالذات قطر. كانت ثورة الشعب السوري في بداياتها ثورة صادقة، غير محزبة وغير موجهة من الخارج، هدفها إزالة الهيمنة العلوية والنفوذ الإيراني.
ولكن هذه الثورة لم تسمح لها القوى الخارجية المتنفذة بالنجاح. روسيا لا تريد خسارة مصالحها في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، وأميركا تبحث عن موطئ قدم في سوريا لحماية وجودها في العراق ومشروع تسليمه للشيعة. دخلت التنظيمات المتأسلمة المغرر بها الشباب بحجة وأخرى، ومع الوقت هُزم الشعب السوري من جميع هذه القوى. قُسمت فصائل المعارضة حسب ما يخدم مصالح هذه الدول.
إقرأ أيضاً: نذير شؤم في الأجواء
فقد الإخوان المسلمون موقفهم، فتمسكوا بتركيا، فكانت الضربة القاضية للثورة السورية. آثرت تركيا مصالحها على حساب الشعب السوري، وطمعت في احتلال أجزاء من سوريا تحت حجة مناصرة المعارضة ومحاربة الأكراد، فأحيت وأماتت المعارضة السورية حسب ما تريد ووفق مصالحها كأوراق مقايضة مع أميركا وروسيا وإيران وإسرائيل، حتى علق الثوار السوريون العلم التركي في قلعة حلب.
فهل دعمتهم تركيا حبًا للشعب السوري وتمكينه من استعادة وطنه المسلوب، أم أن هذا الدعم مشروط بتحقيق أنقرة وأردوغان مصالح خاصة؟
بسبب هذا الدعم، وكرهًا في استيلاء حكومة إنقاذ سورية إخوانية تركية التبعية على الحكم الكامل في سوريا أو الجزء الشمالي منها، كما حدث في ليبيا، تحركت بعض القوى الإقليمية لدعم دمشق.
إقرأ أيضاً: المستشار تركي آل الشيخ: تتويج في محله
فهل ستتحول سوريا من جديد إلى ميدان لتصفية الحسابات، والضحية شعبها الصابر المخذول المثخن بالجراح وسكاكين المطامع والمصالح؟
وتبقى المملكة العربية السعودية استثناء في حيادها التام والتعامل مع كافة الفرقاء السوريين وفق ما يمليه عليها تقديم مصلحة سوريا والشعب السوري فوق كل المصالح والاعتبارات.
فهل تبقى الأزمة السورية بلا حل؟ أم يقدر الفرقاء السوريون مصلحتهم العليا المتمثلة في وحدة واستقرار سوريا، ويتجهون للحلول السياسية البناءة التي تحيد مصالح دول الجوار وتغلب الرغبة الوطنية والشعبية السورية في لم الشمل وتحقيق السلام في ربوع الشام، بلد الأحرار؟
التعليقات