صدر في مدينة الكويت يوم التاسع والعشرين من جمادى الأولى عام 1446هـ الموافق للأول من كانون الأول (ديسمبر) عام 2024م البيان الختامي للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الخامسة والأربعين، الذي اختتم أعماله مؤخراً برئاسة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة، وقد جاء البيان شاملاً ووافياً لكل ما يتصل بالعمل الخليجي المشترك وتنسيق الرؤى والمواقف إزاء جميع القضايا الإقليمية والدولية والأحداث المتسارعة التي يشهدها العالم وعلى رأسها القضية الفلسطينية (القضية المركزية) التي تتصدر أعمال المجلس منذ تأسيسه في أيار (مايو) 1981م، كما أشاد المجلس الأعلى بمخرجات القمة العربية الإسلامية غير العادية التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه، ومطالبة المجتمع الدولي القيام بمسؤولياته تجاه عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإعلان دولته المستقلة ذات السيادة.
إقرأ أيضاً: سلطنة عمان.. نهضة متجددة
غير أنَّ أكثر جزئية شدتني كانت في كلمة صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء في سلطنة عمان الشقيقة رئيس الوفد العماني، عندما أكد سموه أنَّ استمرار انعقاد المجلس الأعلى سنوياً على مدى أكثر من أربعة عقود آتى ثماره اليانعة على أبناء دول مجلس التعاون. والحق يقال إنَّ هذه الاستمرارية جعلت من معاني التلاحم والتعاضد واقعاً ملموساً بين الخليجيين، فباتوا كالبنيان المرصوص يشدّه بعضه بعضاً، منطلقين من أساس أصيل راسخ مهما تكالبت الظروف الخارجية أو عصفت بالدول الأعضاء غيوم الاختلاف إلا أنها سرعان ما تنقشع ويعود الجو الخليجي صافياً متألقاً وشاهداً على نجاح هذه المنظومة التي باتت نموذجاً يُحتذى على مستوى العالم أجمع. فالتاريخ يقف شاهداً على أكبر أزمة تعرّض لها المجلس على الإطلاق عندما تعرّضت إحدى الدول الأعضاء للاحتلال وأعني بها دولة الكويت الشقيقة التي استيقظ العالم فجر الثاني من آب (أغسطس) عام 1990م على نبأ حماقة القرن وجيش نظام صدام حسين يريد إخراجها من الجغرافيا ويُودعها في التاريخ بكل صفاقة، فانتفض فهد العروبة المغفور له بإذن الله خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية في ذلك الحين وأعلنها صريحة قائلاً: (لم يعد هناك كويت وسعودية فكلنا الآن بلد واحد، فإما أن تعود الكويت لقيادتها الشرعية وشعبها وتبقى السعودية أو تذهبا معاً)، ثم توالت قرارات قادة دول المجلس الرافضة للغزو العراقي قبل أن تتحول إلى قضية عالمية وتشكّل إثر ذلك التحالف الدولي بقيادة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية لطرد الغزاة من الكويت، غير أن أكثر اللحظات التي هزّت المشاعر من الأعماق عندما انعقدت القمة الخليجية الحادية عشرة في دوحة قطر في كانون الأول (ديسمبر) 1990م وإعلان أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون بأن اجتماعهم القادم في كانون الأول (ديسمبر) 1991م سيكون على أرض الكويت المُحرّرة، وهذا ما كان بفضل الله الواحد الأحد ثم بفضل عزائم الرجال في البيت الخليجي الكبير ومناصرة الأشقاء في الوطن العربي والأصدقاء في العالم بأسره.
إقرأ أيضاً: تاريخ القمم الخليجية في دولة الكويت
إنَّ ما حققه مجلس التعاون في مسيرته الحافلة منذ أن كان مجرد فكرة لمعت في ذهن المغفور له بإذن الله صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة الأسبق خلال القمة العربية في الأردن عام 1980م وحتى وقتنا الحاضر يقف شاهداً على ملاحم التنمية والتكامل الاقتصادي ورفع المستوى المعيشي لرعايا الدول الأعضاء والمقيمين على أراضيها والفخر كل الفخر يشعر به كل محب للخير والسلام ودول المجلس الآن باتت قبلة العالم وهي تستضيف المؤتمرات العالمية وتتبنى المبادرات الدولية لخير الإنسانية جمعاء عسى أن تُكلّل كل الجهود بالتوفيق والسداد.
التعليقات