ما زال من المبكر جداً الحكم على الوضع في سوريا ومستقبلها، حتى بعد تسمية أحمد الشرع رئيساً للدولة، فتعقيدات الظروف الحياتية والاجتماعية والاقتصادية والعرقية والدينية لم تغادر سوريا، فمعظم القرارات إن لم يكن جميعها، قيل، مصدرها أدلب وليس العاصمة دمشق!
دمشق هي العاصمة السياسية لسوريا وليس أدلب، هذا ما يعرفه العالم الذي مع الرئيس الشرع أو ما زال متحفظاً ومراقباً، أو غير قادر على فصل تاريخ "أبو محمد الجولاني" الديني والمسلح، عن القيادة الجديدة كما هو حال العراق اليوم، ربما!
قيل إن عزمي بشارة، بعيدا عن ملابسات تاريخه، وهو من جماعة "الإخوان المسلمين" له دور مؤثر وسلطة على القرار السياسي وصناعته في سوريا، ونأمل عدم صحة ما قيل وما يقال من أجل الشعب السوري، والمستقبل المدني والديمقراطي الذي ينتظر الدولة السورية.
وقيل إن شباب غير مؤهل وفاقد الخبرات في التخصصات المالية والقانونية والدبلوماسية، تسلموا زمام القرار والإدارة في الحكومية الانتقالية في حين كفاءات وطنية تم ركنها على ناصية الطريق، وتجميدها والتخلي عنها بأسلوب غير مهني لأنهم غير "منشقين"!
أيضاً قيل إن من شروط العمل في الحكومة الانتقالية وفي مرافقها الحساسة الخلفية الدينية، وإذا كان فعلا الموظفين من "المنشقين" عن نظام بشار الأسد، وهو مؤشر خطير ولا يبشر بالاستقرار المنشود.
ماذا يفعل جماعات شيشان وطاجيكستان المسلحة ذات الخلفية الدينية في سوريا في هذه الفترة السياسية الانتقالية؟
ماذا يفعل الأويغور في مهام الحراسة الأمنية؟ ماذا يفعل الأويغور في سوريا بهذا الوقت بالذات؟
ما دور الشيشان والطاجيك والأويغور في الساحل السوري الذي يتكون من أغلبية علوية؟
هل الهدف الاستفزاز العرقي أو الدعوة إلى المذهب السني؟
قيل الكثير من التساؤلات المثيرة للجدل السياسي والاهتمام، ويقال أكثر عن الحكومة الانتقالية في سوريا، والمخاوف والقلق والفزع من المستقبل القريب والبعيد أيضاً، خصوصاً فيما يتعلق بالديمقراطية والدولة عموما والمستقبل المنتظر وملامحه المدنية.
بلا شك، أن تعقيدات الظروف السياسية والعرقية والدينية في سوريا، والتحديات كثيرة وأكبر مما نتصور في عملية الانتقال من الثورة وخططها المسلحة إلى إدارة الدولة المدنية، فالماضي الثوري، وتحديداً في مدينة أدلب وأسلوب إدارتها مختلف عن إدارة الدولة السورية.
إدارة الدولة السورية ضمن منهج سياسي مدني وديمقراطي جديد مختلف عن ماضي نظام اسرة الأسد يحتم من دون شك تطعيم الحكومة الانتقالية ومرافق الدولة العامة في الخبرات المهنية والسياسية والأمنية المعتدلة وليس جماعات ذات خلفية دينية متشددة كما هو حال جماعة مدينة أدلب.
المزارع، بالتأكيد، يجب أن يبقى في حقله وميدانه، ويجب إبعاد وزارة الدفاع وإدارتها والجيش عن الجماعات المسلحة ذات الخبرات القتالية الشرسة في أيام الثورة والنضال السياسي المسلح قبل الوصول بسلاسة إلى العاصمة دمشق ودون مقاومة عسكرية للنظام المخلوع.
ومتطلبات جذب الاستثمار إلى سوريا وإحداث تحولات تنموية واقتصادية فيها وبناء الثقة في فرص الاستثمار في الاقتصاد السوري، تحتم الاستعانة بخبرات مهنية عميقة من دون ممارسة عملية الإقصاء للكفاءات الوطنية بغض النظر عن خلفيتها وعملها في فترة نظام بشار الأسد المخلوع.
القضاء يعتبر مرفق مهم للغاية في هذه الفترة الحساسة والشائكة سياسياً وأمنياً في سوريا، لذلك لابد من الاستعانة بقضاة يفقهون في القانون المدني والتجاري والجنائي والدستوري وليس من له خبرات شرعية وفقهية وخلفية مؤذن وإقامة الصلوات.
أما بالنسبة لموقف العراق من القيادة الجديدة في سوريا، فالموقف له صلة مباشرة في دور "أبو محمد الجولاني" القتالي في العراق، وكذلك في هيمنة إيران على مفاصل الدولة العراقية.
الخروج من الدائرة الضيقة إلى الدائرة المدنية الواسعة والكبيرة ليست خيارا أمام القيادة السورية الجديدة، وانما هي متطلبات محورية للمرحلة الحالية واحتياجات المستقبل السياسي للحكومة الانتقالية.
*إعلامي كويتي
التعليقات