اعترفت الامم المتحدة وحكومات ومجمعات علمية كثيرة بان مشكلة تغيّر المناخ أخطر أزمة بيئيّة يشهدها عصرنا هذا. فتأثيرات تغيّر المناخ كتفاقم الاحوال الجوية القصوى، مثل الفيضانات والجفاف، وانتشار الأمراض، وتضرر الزراعة تنعكس على كل فرد من سكان هذا الكوكب. من المعروف أن تاريخ كوكبنا شهد عدّة تغيّرات مناخيّة شاملة، حدث معظمها قبل وجود الإنسان. كما تبدل المناخ أيضا خلال حياة البشر على الأرض، لكن التغيرات المناخيّة التي نشهدها اليوم تجري بوتيرة أسرع من ايّ وقت مضى. اليوم، تم الاقرار بأن أزمة تغيّر المناخ ناجمة عن استخدام الوقود الاحفوريّ، كالنفط، والغاز، والفحم كمصدر أوّلي للطاقة. إن استخدام الموارد هذه بشكل مكثّف، خاصة في الدول الصناعيّة، خلال 150 عاما الأخيرة، قد أدّى إلى ازدياد هائل لما يعرف بـ"غازات الدفيئة"، لا سيما ثاني أوكسيد الكربون. غازات الدفيئة هذه ، تحبس حرارة الشمس داخل الغلاف الجوي، ما يؤدّي الى ارتفاع حرارة الأرض، ويحدث تغييرات مناخية خطيرة وشاملة.

إذا استمر التغير المناخي بوتيرته الحالية، فان منطقة المتوسط معرضة لعواقب قاسية. وقد بدأنا نشعر بهذه التأثيرات منذ فترة. فمخاطر تغيّر المناخ كثيرة، وستؤثر على حياتنا في الكثير من أوجهها، لا سيما الصّحة، موارد المياه، الغابات، السياحة، الزراعة، والتنوع الحيوي. هذه جميعها ستساهم في تدهور اقتصادي معمم في المنطقة. إن انخفاض منسوب الأمطار سيؤدّي إلى الجفاف الذي يعتبر من أخطر المشاكل التي تواجهها المنطقة، نظرا الى انه يهدد موارد المياه والزراعة بصورة مباشرة. نحن نعاني حاليا من تراجع في معدّل هطول الأمطار بنسبة 20%. ولكن في المستقبل ستطول فترات الجفاف ويتضاعف تواترها كما ستتضاءل فترة هطول الأمطار، التي يجري اغلبها الى البحر، ما يحول دون اعادة ملء خزانات المياه الجوفية. ومن المرجح ان تعاني دول جنوب المتوسّط من تراجع المحاصيل الزراعية كحال مصر، التي سوف تسجل خسائر محتملة تصل الى 30% في انتاج قمحها.

كما ان ذوبان الجليد في قطبي الارض سيؤدي الى رفع مستوى البحار ما يهدد المناطق الساحليّة، حيث يعيش معظم سكّان حوض المتوسّط. فيكفي ارتفاع مستوى المتوسّط مترا واحدا كي يبتلع البحر حوالى 20% من دلتا النيل. بالرغم من أن دول المتوسّط ليست المذنبة الرئيسية، وإنّما البلدان الصناعيّة، الرائدة في اصدار ثاني أكسيد الكاربون، ما زال بمقدور هذه المنطقة أن تلعب دورا محوريا يحلّ الأزمة، ويعود عليها بالربح الاقتصاديّ الهائل. ان كبح جماح التغير المناخي رهن بالكف عن اعتمادنا المفرط على الموارد الاحفورية، وباللجوء الى موارد طاقة نظيفة وموثوقة وهي الطاقات المتجددة. فمنطقتنا تتمتّع بثروات هائلة منها لا سيما الشمس والرّياح.

إن دول جنوب المتوسط، والتي تقع في منطقة الحزام الشمسي الذي يضم صحاريها، يمكنها أن تنتج طاقة شمسيّة كفيلة بتزويد لا شمال افريقيا فحسب، بل كافة الشرق الاوسط، وأوروبا مجتمعين. في الوقت عينه، يشمل حوض المتوسط بعضا من أفضل المواقع لتوليد طاقة الريّاح، مثل تركيا، الأردن، سوريا، المغرب، ومصر. إن إيجابيّات استخدام الطاقة المتجددّة لا تقتصر على الحفاظ على البيئة، بل تعود ايضا بالنفع الاقتصادي، من حيث توفير فرص عمل، وموارد طاقة آمنة ليست رهنا لتقلّبات الأسعار والعرض في الأسواق.

حان الوقت لكي يستغل قادة منطقة المتوسّط الفرصّة التي تؤّمّنها موارد الطاقة المتجددة الوفيرة. حاليا، تسعى أوروبا ومنطقة المتوسّط الى توحيد قطاع الطاقة من خلال الشراكة الاوروبية-المتوسطية (يوروميد). فشبكة الكهرباء في الإتحاد الأوروبي باتت موصولة بشبكات المغرب وتركيا، كما يجري العمل على وصلها بتونس وليبيا من خلال ايطاليا.

الإتحاد الأوروبي، وهو مشجّع فذّ للطاقة المتجددة، بحاجة إلى زيادة موارده من الطاقة، ولهذا الغرض يتطلع الى شمال أفريقيا. بالتالي سوف نشهد ارتفاعا هائلا في الاستثمارات في قطاع الطاقة في المنطقة. وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: هل سنختار استخدام هذه الاموال لبناء مصانع طاقة نظيفة ومستدامة تتجنب التاثير على مناخنا ام هل نصر على مواصلة الاستثمار في الوقود الاحفوري الذي يدمر مناخنا وحياتنا ناهيك عما يلحقه بالبيئة من تلوث.

بين يدينا اليوم عدة ندوات محليّة، إقليميّة، ودولية، غير تلك الملحقة باليوروميد، يعقدها المسؤولون لاتخاذ قرارات يمكنها أن تبلور صورة قطاع الطاقة في المستقبل. على سبيل المثال: بروتوكول كيوتو لحماية المناخ، تحالف جوهانسبرغ للطاقة المتجدّدة، مبادرة السوق العالمي للطاقة الشمسيّة المكثّفة، ومؤتمر القيادة العربيّة للطاقة. غرينبيس تحث اليوم حكومات المتوسّط على وضع أهداف محدّدة للاستثمار في الطاقات المتجددة والالتزام بها، والضغط من اجلها في منتديات الطاقة كافة في سبيل إنقاذ مناخنا، واقتصادنا، وصحّتنا، وحياتنا.