ياسمين قصاري
أجرى الحوار أحمد نجيم: استطاعت المخرجة المغربية المقيمة ببلجيكا ياسمين القصاري أن تخطف الأضواء خلال الأشهر الأخيرة، ففيلمها حصل على ما يفوق 32 جائزة في مهرجانات دولية، آخرها الجائزة الكبرى في مهرجان طنجة للفيلم المغربي.
تتحدث المخرجة السينمائية المغربية ياسمين القصاري، في حوارها مع quot;إيلافquot; عن موقفها من الضجة التي أثارها فيلم quot;ماروكquot; لليلى المراكشي، كما تتطرق صاحبة quot;الراكدquot; على ظروف إخراج فيلمها وطريقة تعاملها مع ممثلين غير محرفين. وتتحدث عن علاقة الفيلم بفيلمها الوثائقي السابق quot;عندما يبكي الرجالquot;.

طالب مخرجون مغاربة خلال مهرجان طنجة للفيلم الوطني بعدم إشراك المخرجين المغاربة الذين يقدمون أعمالا مخالفة، كما حدث مع ليلى المراكشي صاحبة quot;ماروكquot;؟
ما هو متعارف عليه عالميا هو أن الفيلم يأخذ جنسية المخرج، فهو يعطي جنسيه للفيلم. هذه نقطة لا خلاف عليها.
هناك مؤاخذات على الفيلم، جمهور قال إنه تحدث عنا بطريقة سلبية، آنذاك أتفهم المؤاخذات على طريقة تقديم صورة سلبية لهذا الجمهور.
قد يتسامح الجمهور مع أخطاء المخرج الشاب، لكن علينا أن نعي خطورة السلاح الذي نملكه وقدرته الفتاكة. فالصورة ليست بريئة، إنها نظرة وموقف. كل فيلم، بما فيه، quot;ماروكquot; ليس بريئا في اختيار موضوعه. يجب أن يجيب على الأسئلة التي يطرحها الجمهور. وهذا عملنا كمخرجين. يقول نيتشه quot;نغير العالم بخطوة حمامةquot;.
إنني ضد تجريح معتقدات الشعب الراسخة، له الحق أن يظهر ما يعيشه، لكن لا تصل إلى التجريح. يجب ألا يجرح المخرج في ثقافته، يجب أن يحترم كل شخص. وهناك فرق بين النقد والتجريح.

quot;الراكدquot; أول فيلم طويل لياسمين قصاري، هل كان الفيلم الوثائقي quot;الرجال يبكونquot; الجزء الأول من فيلمك quot;الراكدquot; فالرجال الذين غادروا القرية، هم من شاهدناهم في الفيلم الوثائقي؟
عندما بدأت في إعداد مشروع quot;عندما يبكي الرجالquot;، فكرت في مستويين، الأول يتحدث عن الرجال والثاني عن النساء. زرت إسبانيا، للتوثيق على الفيلم، فطريقتي دائما أثناء إعداد الفيلم تعتمد على زيارة أماكن التصوير والمعاينة عن قضاء فترة طويلة هناك. هناك حضور دائم للواقع في الأفلام المتخيلة. فالواقع له قوة وإذا ما استطاع المخرج أن يوظفها في فيلم سينمائي سيجد المشاهد نفسه. عندما رحلت إلى إسبانيا بين 1999 و2000 وجدت كل شيء جاهزا. رجال لم يقضوا في إسبانيا كمهاجرين سريين أقل من شهر، ويريدون أن يتحدثوا. هذه الرغبة في الحديث جعلت من واجبي أن أمنحهم الحق في التعبير عبر فيلم وثائقي.

هذا ما فرض عليه نوع الفيلم؟
نعم، لقد كان الرجال يستطيعون التعبير عن أحاسيسهم ومعاناتهم، لذا لم تظهر الحاجة إلى فيلم متخيل. فالفيلم الوثائقي بالنسبة لي ليس الواقع في إطلاقه، بل نظرتي الشخصية، كمخرج للواقع. وهذا ما حدث مع الرجال، هؤلاء أبهروا الأوربيين بقدرتهم الكبيرة على التعبير عن مشاعرهم، في أوربا مثلا، القرويون يجدون صعوبة كبيرة في الحديث عن أحاسيسهم ومشاعرهم.
لذا ففي بداية المشروع كانت رغبتي هي فيلم من جزءين عن وضعية هؤلاء المهاجرين ووضعية النساء اللائي مكثن في المغرب.

بعد لقائك مع الرجال هل كنت تفكرين في الجزء الخاص بالنساء؟
بداية الفكرة كما أسلفت، كان التركيز على الشقين الأول المتعلق بالرجال والثاني المتعلق بالنساء اللائي تركهن المهاجرون السريون. بعد المعاينة، قضيت أشهر في القرية التي صورنا فيها فيلم quot;الراكدquot;، انتقلت مع الراعي وبحثت عن الماء، قمت بأعمال كثيرة، فتلك المنطقة أرض أجدادي، قضيت فيها مرات عديدة العطل.
لقد تحدثت مع رجال عن نسائهم، لكن وجدت أنهم مهمشين. مع النساء الأمر مختلفا، إذ لم يكن من الممكن أن يتحدثن عن حميميتهن بتلقائية الرجال، إنهن خجولات وكثومات.
لذا لجأت إلى الفيلم، لأنه يعطي للنساء حرية التعبير عما يعشنه أكثر من الرجال.

يعرف على المنطقة التي صورت فيها أنها محافظة، كيف استطعت أن تشركي نساءها في فيلم سينمائي؟
كل سكان المنطقة الشرقية محافظون، والفيلم السينمائي يشبههم كثيرا، إنهم متحفظون كثيرا، لذا ركزت كثيرا على نقل تلك الشخصية على شاشة الكاميرا.

كيف تعاملت مع غير ممثلات أثناء التصوير؟
باستثناء بطلتي الفيلم الجزائرية المقيمة في باريس رشيدة لبراكني ومنية عصفور القادمة من الدار البيضاء، كل الممثلات من المنطقة. لقد كان أمامي خيارات متعددة لكل دور.الاختيار كان لمجموعة من النساء اللاتي لم يسبق لهن أن لعبن في فيلم سينمائي، لكنهن يتمتعن بالشجاعة، شجاعة تحتاج لشخص كي يوقظها. فالجدة تتكلم العربية بصعوبة، وهي شبه عمياء، وقد استطاعت تلك أن تستوعب الدور بشكل جيد. أعتقد أن لكل سيدة من تلك اللواتي شاركن في الفيلم موهبة في التمثيل.

الفيلم لم يعتمد كثيرا على الحوار، كيف استطعت التركيز على مشاعرهن؟
لإدارة ممثلين غير محترفين يجب أن تحبهم، إنني أعرفهن عن قرب، بعضهن من قبيلتي أمي. بالنسبة لهن، كان العمل معي وكأنه تقديم لخدمة إلي، يعرفنني منذ كنت طفلة، وكن متأكدات أنني عدت كي أتحدث عنهن، كن في حاجة إلى هذا النوع. صعب جدا إدارة مثل تلك النساء دون أن يحبهن المخرج.

quot;الراكدquot; لم يكن مهما في حد ذاته بل في رمزيته؟
استعارة quot;الراكدquot; يقدم قراءة ممكنة لمخيلة هؤلاء، إنها وضعية نفسية. بالنسبة لي الراكد الحقيقي لم يكن الطفل، بل ذلك الأمل في المستقبل. أتذكر عبارة جميلة عند ليوناردو دافنشي، لقد رسم عصفورا في قفص وكتب quot;الأفكار تتجه نحو الأملquot;. بالنسبة لي الاعتقاد في quot;الراكدquot; فكرة تتجه نحو الأمل. غدا سيكون هناك وليدا، وكل ما يرمز له من أمل.
إن الرجال أنفسهم يعيشون الضغط، فالجماعة لا تهتم بالشخص، إنه فرد داخل القبيلة أو الجماعة، إنها من تقرر. فمصيرهم جماعيا لذا لا وجود لخلاص فردي. العواطف لا يجب أن تتدخل، وتتهم بأنها تفسد سلطة الجماعة.

طبيعة المنطقة كانت حاضرة بقوة في الفيلم؟
بالنسبة لي الطبيعة التي صورتها شخصية قائمة بذاتها، منذ طفولتي وقبل أن أرحل إلى فرنسا، قدم لي عمي، أستاذ الفرنسية، مجموعة كتب منها quot;بلوري أو بايي بيان إيميquot; للكاتب ألان باتون، كان هذا الكتاب يذكرني بطبيعة الشرق. أتذكر أن تلك الطبيعة الجميلة الخضراء يعيش فيها أناس كثر. تغير الوضع الآن ورحل الرجال والنساء. فالطبيعة تركت هي الأخرى تواجه مصيرها بنفسها مثل تلك النساء. هناك علاقة نفسية وطيدة بين الشخصيات والطبيعة في هذا الفيلم.

ما هو المشهد الذي شدك في الفيلم؟
أشتغل كثيرا على الصورة، لا أرى أن هناك مشهدا أقل من مشهد. من المشاهد رشيدة التي صعدت وبدأت تبكي، لما بدأت تصيح ساد شعور غريب وتساؤل هل تقوم بذلك حقيقة أم تمثيلا، فرشيدة لا بد أنها استحضرت تذكريات أبكتها فعلا.


فيلم نال أكثر من ثلاثين فيلما، ألا تزعجك هذه الجوائز؟
لا أحس أنني معنية بهذه الجوائز، لما أحصل عليها أكون سعيدة، سعادة لحظية. فالفيلم هو من يحصل على الجائزة ولست أنا. ما يؤثر في الجمهور لم يعد ملكي، لأن تلك المشاعر تثيرني أنا كذلك، إنه ملك للجميع.

ألا تفكرين في ذلك أثناء إعداد الفيلم المقبل؟
أسعى أن أنضج وأطور عملي، لكن ما هو جواني لن يتغير. هناك طريقتين للتعامل مع الجمهور، إما أن تدفعه إلى الشراء وهو سعيد، أو أن تدفعه إلى الشراء وإلى التفكير في الآن نفسه. أريد أن يشتري الجمهور عملي ويفكر في ما أقدمه له، إذا شعر بالسعادة فهذا جيد، لكن إذا ما نسيني الجمهور بعد ساعة فإنه فيلم فاشل بالنسبة.

هل هناك مشروع في هذا السياق؟
لا أكشف عن حديقتي السرية

هل سيصور في الشرق؟
طبعا إنها منطقة جميلة وسكانها لهم ذكاء خاص.
[email protected]