رأى عدد من المعنيين في المجال الدرامي المغربي، أن هذا الفن لم يرق لطموحات المشاهد بسبب التسيب الإعلامي والإحتكار الذي تنتهجه القنوات إضافة إلى غياب الإستراتجيات الواضحة في هذا المجال.


الرباط: اذا كانت الأعمال الدرامية المغربية قد استطاعت حصد العديد من الجوائز على مستوى التلفزيونات العربية، وخصوصًا في صنف الأفلام القصيرة، إلّا أن الدراما المغربية عمومًا لم ترقَ لمستوى طموحات المشاهد المغربي على الرغم من الكم الهائل للإنتاجات الدرامية في العشرية الأخيرة التي واكبها تطوّر في التقنيّة وحرفيّة عالية في التمثيل.

ويرى بعض النقاد أن مقابل كل هذا التطور الكمي لم تشهد الدراما أيّ تطوّر على مستوى الكتابة وعمق المضامين، اذا ما استثنينا بعض الفلتات الإبداعيّة، فالدراما ما زالت لدى الإعلام العموميّ مجرّد وسيلة للتسلية والترفيه وأداة لتكريس الوضع الراهن وتنميط المشاهد على القيم نفسها والذوق نفسه دون تغيير واضح في المضامين وهو ما يكرس صورة متخلفة عن المغرب، إذ يظهر للعالم الآخر بمظهر متخلف في غياب التنوّع الجغرافيّ والجماليّ الطبيعيّ والعمرانيّ والحضاريّ في أغلب الإنتاجات الدرامية.

أمام هذا الوضع الذي تتخبط فيه الدراما المغربية، تجاوزت السينما الإنتاجات التلفزيونية حيث استطاعت حصد جوائز مهمة في المهرجانات الدولية كما تمكنت من مصالحة الجمهور مع القاعات السينمائية، فمثلاً فيلم quot;الطريق إلى كابولquot; للمخرج ابراهيم الشكيري تمكن من بيع 280 ألف تذكرة على الرغم من ضعف القاعات السينمائية في المغرب والتي تطرح بحدة مشكل توزيع الأفلام السينمائية. كما أن الإنتاج الموسيقى تراجع إذ ما زال يشغل آخر دورة في الإنتاج السينمائي، فالموسيقى التصويرية هي آخر شيء يفكر فيه المخرجون والمنتجون وغالبًا ما ترصد لها ميزانيات ضعيفة وهو ما ينعكس على جودتها الفنية.

عزيز دادس: الدراما المغربية تعاني حالة تسيب
ويرى الممثل، عزيز دادس، أن الأزمة التي تتخبط فيها الدراما المغربية هي quot;حالة من التسيبquot; لدى الإعلام العمومي المتحكم الوحيد في الإنتاج الدرامي حيث يفتح المجال على مصراعيه أمام الجميع لولوج مهنة التمثيل بعكس الإنتاجات السينمائية التي تحرص على انتقاء الممثلين بعناية، وأضاف أن الإشكال الذي نواجهه هو وجود شركات إنتاج لا علاقة لها بالميدان الفني تبحث فقط عن الأرباح من دون أدنى اهتمام بجودة الإنتاجات الدرامية التي ظلت هي المحتكر للإنتاج الدرامي في غياب الشفافية في علاقتها مع التلفزيون، وأشار على سبيل المثال الى تقديم بعض الشركات ملفات أعمال تضم أسماء ممثلين لكنهم لا يحضرون في الواقع في غياب أية مراقبة لدفاتر تحملاتها في علاقتها بالإعلام العمومي، وهو ما يكرس صورة سلبية عن الدراما المغربية وكأن المغرب يفتقد إلى مخرجين وممثلين أكفاء في حين أنه يمتلك خيرة المخرجين والممثلين، لكنه اعترف في الوقت نفسه بوجود شركات إنتاج تتمتع بالمصداقية في مجال الإنتاج السينمائي تبحث عن الجودة وحريصة على سمعتها الفنية.

ميلود الحبشي: الأعمال التلفزيونية تعاني إما من الإحتكار أو القمع
من جهته أشار الممثل، ميلود الحبشي، إلى أنه لم يكن يتوقع هذا المستوى الذي ظهر به التلفزيون خلال شهر رمضان، وأكد أنه كان يطمح الى الخروج من خانة انتاج الجزء الأول ثم الثاني والثالث من مسلسلات معينة في إشارة الى سلسلة quot;كلنا جيرانquot; التي تنتجها القناة الثانية والتي اعتبرها بمثابة احتكار للتلفزيون من طرف شركات للإنتاج، وأشار إلى أن هناك أعمالا تلفزيونية جديدة لكنها quot;مقموعةquot; ولا تصل الى الجمهور، وأضاف في حديث لـquot;إيلافquot; أن الأعمال التي تعرض في التلفزيون لا تمر إلا بفضل quot;العلاقاتquot;، وأشار إلى أن المغرب كان مزدهرًا فنيًا مقارنة مع عدد من البلدان العربية وكان حضوره متميزًا في الساحة العربية لكن في السنوات الأخيرة طغت المصالح ودخلت شركات الإنتاج على الخط، مؤكدا أن همه الأساسي هو أن يظل الفن تراثًا للأمة رافضًا نقل quot;التفاهةquot; للأجيال القادمة من خلال أعمال تلفزيونية، علمًا أن المغرب يتوفر على كتاب سيناريو جيدين وكوميديين متميزين لكن المشكلة تكمن في الشركات التي تهيمن داخلها العلاقات الخاصة وهو ما يسيء للمجال الفني ويعطي أعمالا فاشلة لا يرضى عنها الجمهور.

محمد اسماعيل: مشكلة الدراما تكمن في غياب الإستراتجيات الواضحة
وذهب المخرج محمد اسماعيل الى أن القنوات التلفزيونية المغربية لا تحترم دفاتر برامجها التي تتضمن إنتاج 20 فيلمًا قصيرًا من طرف كل من القناة الأولى والقناة الثانية وقناة ميدي 1 تي في، حيث يسجل تراجع حصيلة إنتاجها في هذه السنة التي وصفها بالسنة البيضاء من حيث إنتاج الأفلام القصيرة، وأشار إلى أن هناك تفوقا نوعيا للسينما على الإنتاجات الدرامية التي تتفوق على السينما من الناحية الكمية، ورأى أن المشكلة تعود الى غياب استراتيجية واضحة وعدم احترام المساطر من طرف القنوات التلفزيونية، وعلى الرغم من بعض التحسن الذي شهدته الدراما المغربية فلا مجال للمقارنة بينها وبين الدراما المصرية أو السورية وخصوصًا من ناحية أدوات العمل.

وفي المقابل، ذهب مسؤول في شركة للإنتاج (تحفظ عن ذكر اسمه) الى أنه لا يمكن وضع كافة شركات الإنتاج كلها موضع انتقاد بسبب ضعف مستوى الإنتاجات الدرامية، مشيرًا الى أن المشكلة هي في غياب الشفافية وتكافؤ الفرص بين مختلف شركات الإنتاج، إذما زالت بعض شركات الإنتاج تتحكم في الإنتاجات الدرامية على حساب باقي شركات الإنتاج، من دون الإلتزام باحترام مساطر الصفقات العمومية وهو ما يتسبب بتكرار المادة الدرامية وتكرار الوجوه نفسها إضافة إلى ضرورة الرفع من الميزانيات المخصصة للإنتاجات الدرامية من أجل الرفع من جودة المنتوج الدرامي المغربي.