عادةً ما تثير الأعمال الفنِّيَّة الدِّينيَّة الكثير من الجدل في العالم العربي عند الشروع في تنفيذها أو عرضها، إذ تواجه خطر المنع مع الضغوط الَّتي تمارسها المرجعيَّات الدِّينيَّة لوقفها، quot;إيلافquot; إستفتت قرّاءها حول الموضوع حيث أيَّدت نسبة63%عرض هذه الأعمال مقابل رفض النسبة الباقية من مجموع المصوِّتين لذلك.


بيروت: يشكِّل ظهور الشَّخصيَّات الدِّينيَّة في الأعمال الفنيَّة مسألةً حسَّاسةً ما زالت تثير الكثير من الجدل في العالم العربي، خصوصًا مع بدء كل موسم رمضاني جديد، حيث اعتمدت معظم المسلسلات والأفلام على أسلوب تقديم سيناريو يتحاشى إبراز وجوه الشَّخصيَّات، وغالبًا ما تواجه هذه الأعمال مطالب منع عرضها من قبل المراجع الدِّينيَّة.

وما يحصل اليوم قبيل أيَّام من بدء شهر رمضان مع مسلسل quot;الفاروق عمرquot; الذي سيعرض على شاشة الـquot;MBCquot; وإصدار الأزهر بيانًا يعلن فيه رفضه عرض العمل على الشَّاشة، يعيد إلى الذهن ما حصل في العام الماضي مع مسلسل quot;الحسن والحسين ومعاويةquot; ومحاولات منعه الَّتي لم تنجح.

الأمر الذي يثير التساؤل عمَّا إذا كانت الجماهير العربيَّة لديها ميل لمتابعة مثل هذه الأعمال وتؤيِّد عرضها أم تقف في صفِّ المرجعيَّات الدِّينيَّة الَّتي تندد بها، quot;إيلافquot; استفتت قرّاءها حول الموضوعوأتت النتيجة بتأييد 63% من مجموع المصوِّتين الذي بلغ عددهم الإجمالي 6860 مشاركًا فكرة العرض مقابل رفض37% لها، وكذلك تنوَّعت آراء النُّقَّاد حول الموضوع.

محمد حجازي: من غير المسموح تشويه صورة الشَّخصيَّات المقدَّسة
يشير النَّاقد والصِّحافي اللبناني، محمد حجازي، إلى أنَّ الإعتراض لا يكون حول فعل العرض، وإنَّما حول كيفيَّة تجسيد هذه الشَّخصيَّات المقدَّسة وإعطائها حقَّها وتسليم هذه المهمَّة إلى من هم جديرون بذلك، كي لا يتمَّ تشويه سيرهذه الشَّخصيَّاتوتحريف الحقيقة، لأنَّه من غير المسموح لأحد بأن يشوِّه أي صورة مقدَّسة لأي دين انتمت، لأنَّ أحدًا لا يقبل بتشويه سيرة أو صورة الشَّخصيَّة الَّتي يحبُّها ويؤمن بها.

وأضاف حجازي في حديثه لـquot;إيلافquot; أنَّ ما حصل مع quot;الحسن والحسين ومعاويةquot; خير دليل على ما يقصده، لأنَّ شخصيَّة الحسين في الإسلام موجودة وتتمتَّع بالقوَّة والشَّهامة في حين أنَّ الممثِّل الذي قدَّم الدور في المسلسل كان ذليلاً على الدور ولا يجيد الكلام حتَّى، فأظهر الحسين خجولاً ويُمكن الضحك عليه، وقال: quot;عندما قدَّم الغرب شخصيَّة السيِّد المسيح قدَّموها بقيمتها، لذلك يجب أن ينطبق الأمر عينه عند تجسيد شخصيَّة النبي محمد وإعطائه قيمته وثقله، فالإمام حسين قدِّم بطريقةٍ سيئةٍ، لذلك فكرة تقديم quot;الفاروق عمرquot; تثير الخوف من إمكانيَّة عدم إعطائها حقِّها وتشويه صورتها، ولكن هناك ثقة في المخرج والمؤلِّف والممثل الذي سيقدِّم الشَّخصيَّةquot;.

وعن المنع أو خطر المنع الذي من الممكن أن تتعرَّض له هذه الأعمال، قال الناقد اللبناني إنَّ ما من جهة قادرة على تنفيذ المنع إلَّا الرَّقابة، وإنَّ ما تقوم به المرجعيَّات الدِّينيَّة يصبُّ في خانة الضغط والإعتراض فقط من منطلق تفادي بعض المشاكل الَّتي قد تثيرها إمكانيَّة وجود تشويه أو تحريف في سير شخصيَّات مقدَّسة لدى المؤمنين بها، كما أنَّ الدعاوى الَّتي ترفع لا علاقة لها بما تقرِّره الرَّقابة، فلا خطر على الفن لا دينيًّا ولا قانونيًّا ولا شرعيًّا.

روبير فرنجية: يجب التَّحرُّر من هذا العقد وكفانا تقوقعًا
في المقابل رأى النَّاقد والصِّحافي اللبناني، روبير فرنجيَّة، أنَّه من مؤيِّدي تجسيد كلالشَّخصيَّات وترجمتها وبلورتها من خلال الدراما، وقال: quot;المنع مرفوض في المبدأ، فمثلاً إذا ما أخذنا ممثلة لتقدِّم شخصيَّة القديسة رفقا فهي لن تصبح رفقا في الحقيقة ولكن بإمكانها أن تبدع في دورها، وما تقوم به في حياتها لا علاقة له بأدوارها التَّمثيليَّة، كما أنَّه عندما قدِّمت شخصيَّة السيِّد المسيح فإن أحدًا لن يقترب منه فعليًا ولكن فنيًّا قد يكون هناك نقاط إبداع في أدائهquot;.

وأضاف فرنجيَّة في حديثه لـquot;إيلافquot; أنَّه مع التَّحرُّر من هذه العقد شرط المحافظة على وقايةٍ من تشويه صورة هذه الشَّخصيَّات، وتحريف مضمون سيرها، وعدم احترام رمزيتها الدِّينيَّة، مؤكِّدًا احترامه لآراء الصروح الدِّينيَّة، ودعا إلى الإبتعاد عن سياسة التقوقع، مؤكِّدًا أنَّ هذه الأعمال تشكِّل عنصرًا من عناصر الإنفتاح الكبير والحقيقي على الأديان، وأنَّها تساهم في تعبيد الطَّريق نحو التَّعايش في حال سكتت أصوات التَّفرقة والطَّائفيَّة.

الغرب وتعاطيه مع الأعمال الدِّينيَّة
إلى ذلك، في الغرب تمَّ ويتم تقديم العديد من الأعمال الَّتي تتناول حياة الكثير من الأنبياء، كنوح ويوسف وموسى، وهي من الأعمال الَّتي حقَّقت نجاحًا كبيرًا، وهذا الأمر بات عاديًّا ويندرج ضمن حريَّة تبادل الثقافة والرأي، حيث لا تضع هذه الدول قيودًا أمام الإبداع والفن تحت أيَّه حجَّةٍ كانت ولاتجرؤ على المنع مهما بلغ خيال الكاتب، ومن الأمثلة على ذلك عرض فيلم quot;آلام المسيحquot; للمخرج ميل غيبسون على الرغم من اعتراض اللوبي اليهودي عليه، وكذلك عرض فيلم quot;دافنتشي كودquot; رغمًا عن الموقف المعارض الصادر من الفاتيكان.

الأعمال الدِّينيَّة في العالم العربي
أما في عالمنا العربي فإنَّ المنع في بعض الحالات كان هو الأصل من دون إتاحة المجال للعرض والمشاهدة والنَّقد، حيث للأزهر موقف ثابت من فكرة تجسيد الأنبياء والصحابة وأهل بيت على الشَّاشة، وأضيف لهم بعد ذلك العشرة المبشرون بالجنَّة، فبالعودة إلى الخمسينات من القرن العشرين رفض الأزهر فكرة تقديم الممثل، يوسف وهبي، شخصيَّة النبي محمد، على الرغم من تعبيره عن استعداده لترك عالم التَّمثيل نهائيًّا بعد تقديم هذا الفيلم، وفي سياق آخر واجه مسلسل quot;المسيحquot; الإيراني حملة رفض في لبنان من قبل المرجعيَّات الدِّينيَّة المسيحيَّة الَّتي نجحت في وقف عرضه وذلك منذ حوالى العامين، بحجَّة أنَّ هناك الكثير من المغالطات في النَّص وتشويه وتحريف لسيرة المسيح.

ومن الأعمال الَّتي قدِّمت ووافقت عليها المراجع الدِّينيَّة لالتزامها بشروطها نذكر فيلم quot;الرِّسالةquot; للمخرج السوري الراحل، مصطفى العقَّاد، الذي يعتبر من أكثر الأعمال شهرةً وإنتشارًا على المستوى العالمي، حيث يروي قصَّة الإسلام منذ مبعث الرَّسول إلى وفاته، أنتج في السَّبعينات بعد أخذ موافقة مرجعيَّاتٍ سنيَّةٍ، وموافقة المجلس الإسلامي الشِّيعي الأعلى في لبنان من خلال الإمام المغيَّب، موسى الصَّدر، حيث وضعت عدَّة شروط على المخرج العقَّاد والتزم بها، إذ لم تظهر صورة النبي في كلِّ أحداث الفيلم على الرغم من دوره الرَّئيس، كما غابت شخصيَّات رئيسة في تاريخ الإسلام مثل الإمام علي بن أبي طالب الذي ظهر سيفه quot;ذو الفقارquot; فقط في مشهد النـزال قبل معركة بدر.

غالبًا ما يثار الجدل عند الشروع بتصوير أو عرض أحد الأعمال الَّتي تتناول إحدى الشَّخصيَّات الدِّينيَّة على الرغم من التَّصاريح والأذونات الَّتي تحصل عليها، فصورة الأنبياء والشَّخصيَّات المقدَّسة عليها الكثير من التَّحفظات خوفًا من تجسيدها في أعمالٍ فنيَّة قد تسيء بشكلٍ أو بآخرٍ لمكانتها الروحيَّة في نفوس البشر أو بحجَّة تأجيج المشاعر والفتن الطائفيَّة، ويرى علماء الفقه أنَّ تقديم تلك الشَّخصيَّات على الشَّاشة لتعريف الجمهور بها هو سبب غير كافٍ وغير مقنعٍ quot;لأنَّ الأضرار الَّتي ستسبِّبها هذه الأعمال ستكون كبيرةquot;، ويضيفون أنَّ quot;الممثلين الذين سيجسِّدون شخصيَّات الأنبياء والصحابة لن يقتربوا مهما فعلوا من حياة الأنبياء والصَّحابة، كما أنَّ الجمهور سيربط بينهم وبين شخصيَّات أخرى جسَّدوها على الشَّاشة من قبل، وبالتالي هناك وسائل أخرى يمكن من خلالها التَّعرف إلى سِيَر الأنبياء من دون الحاجة إلى تجسيدهم على الشَّاشة.