ضمن فعاليات الدورة الأولى من مهرجان الفجيرة الدولي للفنون، وعلى مسرح الكورنيش تذوّق الجمهور طرباً أصيلاً، وثقافةً موسيقيّة من نوع فريد قدّمتها بإبداع وحرفيّة عاليّة الفنّانة النخبويّة اللبنانيّة عبير نعمة.


&سعيد حريري من الفجيرة: مدهشة، رائعة، ممتازة، إكتشاف مذهل، صوت فريد، موهبة نادرة، جوهرة مخبّأة، ثقافة موسيقيّة مميّزة، أين الإعلام العربيّ عنها؟& هذه التعليقات التي تسمعها من الجمهور حولك وأنت جالس&تتابع&بشغف الأمسية الغنائيّة الإستثنائيّة التي قدّمتها ساحرة الصوت اللبنانيّة عبير نعمة مساء أمس على مسرح مهرجان الفجيرة الدولي للفنون.

موسوعة موسيقيّة متنقّلة، جابت العالم بغنائها بلهجات، ولغات، وألوان غنائيّة مختلفة. صوت يجمع ما بين الطرب، والأوبرا، وما بين الحبّ، والوطن، والفولكلور، والتراث والدين. خليط عجيب يجعلك في حيرة من أمرك: هل من تغنّي فعلاً من البشر؟ هل هذه الحنجرة طبيعيّة لدرجة أنّها تشدو بأغانٍ من أكثر من 11 ثقافة ولغة مختلفة.

رحلة عبير نعمة بين الزمان والمكان مساء أمس زادتها سحراً أشعار أبو الطيّب المتنبّي التي أُلقيت بين أغانيها. كما إفتتحت حفلها بأغنية "في سفري" التي إستوحيت كلماتها من حياة المتنبّي وبعض قصائده.

أبحرت عبير بعدها ما بين أمواج فولكلور الفُرات العراقي، ثمّ توجّهت جنوباً إلى حلب، فلبنان، لتروينا بعد ذلك من ماء النيل العذب، وتُشبعنا من موشّحات الأندلس الساحر. تجلّت نعمة وهي تؤدّي "فوق النخل" من الفولكلور العراقي، و"يا شادي الألحان" من الفولكلور الحلبي، و"هالأسمر اللون" من الفولكلور الشاميّ، لتنتقل بعدها إلى مزيج ساحر من الغناء التركي واللبنانيّ بأغنية "شبّاك حبيبي" التي تُغنى في تركيا بعنوان "بهاردا كوشلار غيبي" (كطيور الخريف)، لتطربنا بعد ذلك بالغناء المصريّ الأصيل مع أغنية "طلعت يا محلا نورها"، و"إفرح يا قلبي".

من بلاد العرب، إلى المجر وأغنية "فيراغوم" الهنغاريّة، و"كيري تون ديناميون" اليونانيّة"، و"ساريري" الأرمينيّة. بعد ذلك، حطّت عبير رحالها على شواطئ سردينيا لتبدع في أداء تهويدة "دورمي بيزينو" من السردينيّة، ثمّ عادت إلى أذربيجان مع أغنية "كوجيليري" لتغوص بعد ذلك في التاريخ وتؤدّي بالآراميّة، لغة السيّد المسيح، "آل تارايك إيتو"، و"صوغدينان".

إنتزعت عبير الآهات من القلوب أغنية تلو الآخرى، وتجلّت بصوتها الروحيّ الملائكيّ حتّى جعلت الجمهور يصفّق لها بقوّة بين الفينة والأخرى، دون أن تنسى إمتاعهم من خلال التفاعل عبر ترديد كلمات الأغاني والتصفيق على إيقاعتها حيناً، وعبر إثارة حنينهم وشوقهم على أنغام إيقاعتها الشرقيّة حيناً آخر.

&وخصّصت عبير للجالية الهنديّة الكبيرة التي تعيش في الفجيرة وجوارها تحيّة عبر غنائها "سو جا ري سو جا" التي رافقها في أدائها عزفاً موسيقيّ هنديّ فولكلوريّ أطلّ على المسرح لحظة بدء الأغنية، فما كان من الجمهور إلاّ أن بادل عبير التحيّة بتصفيق كبير، جعلها تتوقّف عن الغناء، وتعيد الأغنية من جديد.

وكان لافتاً على المسرح الكورس الشرقيّ الذي رافق عبير، وتألّف من 12 فرداً من المجر، وكانوا مميّزين بلباسهم الكَنسيّ، وكأنّهم جوقة ترتيل إرتقت بهذه الأمسية إلى أبعاد روحيّة مميّزة لامست أفق الإبداع والطرب الأصيل. كما تميّز الحفل بحضور النجم العربيّ وليد توفيق الذي إلتقى بعبير في الكواليس بعد الحفل وأثنى كثيراً&على موهبتها، وقال لها: "أنت تصنّفين بعد السيّدة فيروز مع إحترامي للجميع".&

عبير التي قدّمت عدداً من الأغاني من ألحانها، صرّحت على المسرح بأنّها سعيدة جداً بأداء أغنيتها "في عصفور" التي لها مكانة خاصّة لديها، وهي من كلمات تانيا صالح، ومن ألحان عبير نفسها بمشاركة أخيها جورج نعمة.
&
وختمت عبير حفلها المدهش بأغنيتيْن صوفيتيْن الأولى بعنوان "يا نسيم الريح" من أشعار الحسين بن منصور الحلاّج، وألحان وتوزيع مارسيل خليفة، ليكون ختامها مسكاً مع مديح الرسول (ص) ولحن من التراث المغربي بعنوان "صلّى الله على محمّد ـ اللهم صلّ على المصطفى".

موسوعة موسيقيّة حلّقت أمس من مسرح الفجيرة، وتجلّت صفاءً روحياً، فأدهشتنا إلى حدّ خُيّل إلينا أنّ العالم بأسره إجتمع في لوحة فنيّة عجيبة تنقّلت بنا على بساط الفنّ الراقي والأصيل.


تصوير فوتوغرافي:&جمعة عبيد راشد