"إيلاف" من القاهرة:&تشهد مسابقة آفاق عربية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الأربعين العرض الأول لفيلم "ورد مسموم" للمخرج أحمد فوزي صالح، وهو الفيلم الذي يشارك في انتاجه الفنان محمود حميدة وطاف عدد من المهرجانات السينمائية.

الفيلم بتصرف عن رواية أحمد زغلول الشيطي، والبطولة للوجوه الجديدة كوكي وإبراهيم النجاري مع صفاء الطوخي و محمود حميدة الذي يشارك في إنتاجه أيضا، "ورد مسموم" مهتم بالحياة اليومية لامرأة عاملة في القاهرة، دون الحديث عن المعتاد والشائع من تحرش أو فقر وظروف اجتماعية سيئة.

&

&


قصة الفيلم تبدو بسيطة.
تحية منظفة مراحيض وهي المزود الرئيسي في منزلها، تهتم بشقيقها صقر، الذي يعمل في ورشة دباغة، كل يوم، تمشي تحية في الطرق غير الممهدة للمدابغ لإحضار الطعام المطبوخ في المنزل لأخيها في وقت الغداء، في كل ليلة، تأخذ رحلة قصيرة إلى مركز تجاري راق حيث تنظف حتى الفجر، تحت النظرات البغيضة لزبائن المركز التجاري، يزداد التوتر عندما يعبر صقر عن نيته في الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا، في حين أن له علاقة ناشئة ولكن متقلبة مع طبيب برجوازي شاب، وكلاهما يرعب تحية، ويحفزها على القيام بكل شيء لإبقاء صقر إلى جانبها.

الشخصيات الرئيسية تتحدث قليلاً، لكن صمتها يطغى عليه الضوضاء الصناعية من المدابغ، من خلال الموسيقى التي تصرخ من مكبرات الصوت والميكروباص، أصوات التلفزيون التي تعد بجائزة كبرى خادعة للمتصلين اليائسين، من خلال الثرثرة اللامتناهية للعمال في ورش الدباغة أو في حمامات المركز التجاري حيث تعمل تحية، تصبح منطقة الدباغة شخصية من شخصيات الفيلم، ليس فقط من خلال فضائها المادي، وصورها، وألوانها، لكن أيضاً ضوضائها، وإيقاعاتها الصوتية، وروائحها التي يمكن مشاهدتها تقريباً.
&

&

تجربة سينمائية جديدة
ويعتبَر هذا الفيلم تجربة سينمائية جديدة تخلط التسجيلي بالروائي، حيث يتم التصوير في المواقع الحقيقية بمناطق مصر القديمة وبشخصيات حقيقية من عمال المدابغ عن واقع مهنتهم القاسية وأحلامهم البسيطة. كذلك فإن مجموعة العمل خلف الكاميرا أغلبهم يخوض تجربته الأولى بعد التخرج من معهد السينما.
ماجد نادر مديراً للتصوير في أوله تجاربه كمصور، بعد مشاركة فيلمه القصير الثاني كمخرج في مهرجان برلين السينمائي.
على شريط الصوت يعمل بسام فرحات كأول تجاربه، وتصمم شريط الصوت المغربية سارة قدوري، بعد تجاربها على أخضر يابس وشيخ جاكسون.
المونتاج منة الشيشيني خريجة الجامعة الأميركية بالقاهرة في عملها الأول، تتشارك فيه مع المونتير الفرنسي قتيبة براهمجي.
لمونتاج وأعمال ما بعد التصوير تمت ما بين القاهرة وفرنسا، يشارك فيها تقننيين مصريين إلي جانب تقنيين من فرنسا.

هذه الجرأة في اختيار طاقم العمل، والتجريب في السرد وصنع الصورة مكنت المشروع في الحصول على عدة منح وجوائز لاستكمال الفيلم، الفيلم الدؤوب الذي ينمو بخطى متمهلة، سبق أن تم أختياره ضمن مشاريع من دول الجنوب "أفلام لم تنته بعد" في برنامج «فاينال كت» بمهرجان فينسيا الدولي العام الماضي، بما يعني قوة و جدية المشروع، أما التصوير فتم في المواقع الحقيقية بمنطقة المدابغ وبشخصيات حقيقية من عمال المنطقة عن واقع مهنتهم القاسية وأحلامهم البسيطة.

&


صالح
يقول أحمد فوزي صالح مخرج الفيلم: "فيلمي لا يعتمد على البكائيات أو اليأس، في ظني هكذا تسير الحياة، حياة الناس العادية، بلا بطولات خارقة لأن الاستمرار في هذه الحياة بطولة بحد ذاته، وأريد تمجيد ذلك، بكل بساطة، حياة عادية بلا يأس و بلا أمل."
يؤكد أنه لا يعتمد على "البكائيات أو اليأس"، قائلاً "في ظني هكذا تسير الحياة، حياة الناس اليومية، بلا بطولات خارقة لأن الاستمرار في هذه الحياة بطولة بحد ذاته، وأريد تمجيد ذلك، بكل بساطة. حياة عادية بلا يأس و بلا أمل".
الفيلم شارك في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية بعد انطلاقته من روتردام، تجاوز الآربعين مهرجاناً، في ايطاليا، انجلترا، ألمانيا، اسبانيا، الأرجنتين، السويد، النرويج، البرازيل، نيجيريا، الهند، المغرب، وأخيرا القاهرة.


تكشف المشاهد وصوت هدير الماكينات، الذي خُلق في الفيلم، بالإعتماد على إيقاعات الإنشاد الصوفي، إلى تلك المطابقة المدهشة، في التكرار، والتدفق، والحركة في دوائر المعاناة والخلق، التي يتضمنها كل من العمل والطقس الصوفي، ويحملنا الفيلم من مياه الصرف إلى الأبخرة السامة للمدابغ، في رحلات يومية، خلف أبطاله، كـ"السعي"، في حواري الحي الضيقة، بلا ضغينة، وبلا غضب، أو رغبة في إطلاق الأحكام، معنياً بالأساس، بسحب جمهوره خطوة خطوة إلى حالة من الوجد الصوفي. تلك المدفوعة باليأس من قسوة العالم، وفي الوقت نفسه بالأمل في طاقة الحب الإلهي الحاضرة فيه.&

&


&

ويقول المخرج عن مساحة الطقس الصوفي الموجودة "وجدت اجابتي في التصوف المصري (أن جاز لي التعبير) أو ما أحب تسميته الدين الشعبي المصري، التصوف يضم مجموعة من النقاط والتي أرى أنها سينمائية بامتياز، على سبيل المثال فكرة الدائرة، &كيف يمكن خلقها سواء من خلال الشكل السردي للفيلم أو بناء المشهد نفسة بصرياً.&
التصوف غنى بشدة بعناصر يمكن نقلها الى صورة سينمائية ,التصوف يظهر فيه الحضور اللوني، كيف يمكنك أن تستخدم تلك الألوان داخل الفيلم ؟ وماذا تريد ان تقول بها؟ وما هي دلالات استخدامها؟ كذلك التصوف ينتج موسيقى متنوعة ومختلفة من شمال مصر إلى جنوبها، لها إيقاع مميز من حلقات الذكر، كيف تستخدمه في بناء شريط الصوت وإيقاع الفيلم عامة؟ والنقطة الأهم بالنسبة لي في&التصوف التي حاولت أن يبني علىها الفيلم ككل أن التصوف يتكلم عن عالم ظاهر وعالم باطن ,هناك شيء ظاهر لكن هناك آخر عميق علىك أن تخوض تجربة اكتشافه والتعامل معه. وهو ما حاولت أن نقدمه في العمل الذي لا يحكى قصتة من اللحظة الأولى، ولكنه يظل يكشف عن قصته وشخصياته تدريجياً، وأظن ذلك ما كان يشغلني في تقديم هذا الفيلم".
وعن الرسالة التي يناقشها الفيلم يقول صالح "لست صاحب رسالة وكذلك الجمهور ليس بقاصر حتى أوجه له رسالة، الأفلام تطرح مجموعة هموم ما بين هموم اجتماعية وهموم فنية وانشغالات سياسية، تقدم واقعنا وعن النفس البشرية، وأرواحنا.
أما فكرة الإنشغال برسالة أعتقد انه ليس مطلوباً من الفنان، لأن الرسالة من اهتمامات السياسي والكاتب&الصحافي، فأنا أقدم سينما".