وُضع الكاتب البريطاني سلمان رشدي على جهاز التنفس الاصطناعي الجمعة، إثر تعرّضه للطعن مرّات عدّة خلال مؤتمر بغرب ولاية نيويورك، وفق ما قال وكيل أعماله لصحيفة نيويورك تايمز.

ونقلت الصحيفة عن أندرو ويلي قوله إنّ "الأنباء ليست جيّدة" وإنّ "من المحتمل أن يفقد سلمان إحدى عينيه، وقد قُطِعت أعصاب ذراعه وتعرّض كبده للطّعن والتلف".

ارتفاع مبيعات رواية "آيات شيطانية" بعد الاعتداء

وعزّزت عملية الطعن التي تعرّض لها الكاتب البريطاني سلمان رشدي اهتمام القراء برواياته وخصوصا "آيات شيطانية" التي أصدر على خلفيتها مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني في العام 1989 فتوى بهدر دمه، إذ ارتفعت مبيعاتها السبت.

وعصر السبت تصدّرت ثلاث طبعات من الرواية مقياس مبيعات الكتب في موقع أمازون الذي يحصي المؤلفات التي سجّلت أعلى قفزة في المبيعات في الساعات الأربع والعشرين الاخيرة.

وحلّت رابعة روايته "أطفال منتصف الليل".

وأثار الاعتداء الذي استهدف رشدي الجمعة في نيويورك صدمة في أنحاء العالم واستدعى إدانات دولية.

ومنذ الاعتداء بيعت في مكتبة "ستراند بوكستور" الشهيرة في نيويورك نسخا كثيرة من رواياته، ناهيك عن تلك التي بيعت عبر الإنترنت.

وقالت كايتي سيلفرنيل وهي مديرة قسم في المكتبة لبيع الكتب الجديدة والمستعملة في تصريح لوكالة فرانس برس "أتى أشخاص يبحثون عن أي من نتاجاته الأدبية، أرادوا أن يعرفوا ما المتوافر منها لدينا".

وأوضحت "بعض من موظفينا الأصغر سنا لم يسبق أن سمعوا عنه، وأمس كان من المثير للاهتمام التحادث معهم بعدما أتى زبائن يبحثون عن كتبه، حول هويته وتأثيره بالعالم الأدبي".

وقالت "صدقا، أعتقد أن كثرا أتوا أمس فقط للتحدث عما يختلجهم من أحاسيس وعما حصل".

وعلى تويتر دعا مستخدمون إلى شراء كتب سلمان رشدي تعبيرا عن التضامن معه.

وتروي "آيات شيطانية" مغامرات هنديين استُهدفت طائرتهما بهجوم إرهابي، ووصولهما إلى شاطئ في إنكلترا واتّخاذ أحدهما هيئة مخلوق شبيه بالشيطان والآخر هيئة مخلوق شبيه بالملاك.

وفي سياق الرواية، يطلق الكاتب على بائعات هوى أسماء زوجات النبي محمد.

وفي الرواية ظهور لنبي اسمه مهاوند يبيح بادئ الأمر الصلاة لآلهة غير الله، ليعود ويقر بعد ذلك بخطئه.

والسبت كان رشدي لا يزال يرقد في مستشفى في بنسلفانيا بحال خطرة بسبب تعرّضه للطعن في العنق والبطن.

سلمان رشدي رمز رغما عنه لحرية التعبير

منذ إصدار مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني فتوى بهدر دمه عام 1989 بعد صدور روايته الشهيرة "آيات شيطانية"، سعى الكاتب البريطاني الهنديّ الأصل سلمان رشدي حتى لا يختصر بهذه القضيّة التي حرّكت العالم الإسلامي.

وقال هذا المفكّر الحرّ الذي يحدد نفسه ككاتب وليس كرمز ، إن "مشكلتي هي أن الناس ما زالوا ينظرون إليّ من منظار الفتوى فقط".

لكن مع صعود التطرف الإسلامي في السنوات الأخيرة، ترسّخت صورته كرمز للكفاح ضدّ التطرف ولحرية التعبير، وهي صورة لطالما لازمته بنظر الغرب.

وهو اعتبر عام 2005 أن الفتوى بحقّه كانت مقدمة لاعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001. وكتب في 2016 "لم تكن حالتي سوى تمهيد لظاهرة أوسع بكثير باتت تعنينا جميعا".

وروى في مذكراته بعنوان "جوزف أنطون" الصادرة عام 2012 كيف انقلبت حياته رأسا على عقب في 14 شباط/فبارير 1989 حين دعا آية الله الخميني مسلمي العالم إلى قتله إذ اعتُبرت روايته "آيات شيطانية" مسيئة للقرآن وللنبي محمّد.

وانطلاقا من ذلك التاريخ، اضطر إلى التواري والعيش في السريّة تحت حماية الشرطة، متنقّلاً من مخبئ إلى مخبئ تحت اسم مستعار هو جوزف أنطون، اختاره تكريما لكاتبيه المفضّلين جوزف كونراد وأنطون تشيخوف.

عانى من العزلة، واشتدت وحدته مع انفصاله عن زوجته الروائية الأميركية ماريان ويغينز التي أهدى إليها روايته "آيات شيطانية".

وكتب "إنني مكموم الفم ومسجون ... أودّ أن ألعب كرة القدم مع ابني في المنتزه. حياة طبيعيّة، عاديّة، حلم مستحيل عليّ".

لكن اعتبارا من العام 1993، ضاعف السفر والظهور العلني وقد سئم أن يكون "رجلا خفيّا"، فيما أبقت الحكومة البريطانية على مراقبته.

ومع انتقال الكاتب للإقامة في نيويورك، استعاد حياة شبه طبيعية واصل فيها الدفاع في كتبه عن الحق في التهكم وفي انتقاد الأديان.

ولم ترفع الفتوى بحقّه وتعرض العديد من مترجمي روايته لهجمات أصيبوا فيها أو حتى قتلوا على غرار الياباني هيتوشي إيغاراشي الذي قضى طعنا بخنجر عام 1991.

ورغم ذلك قال رشدي في خريف 2018 "مضت ثلاثون سنة. الآن كلّ شيء على ما يرام. كان عمري 41 عاما في ذلك الوقت (عند صدور الفتوى)، عمري اليوم 71 عاما. نعيش في عالم تتبدّل فيه المواضيع ذات الاهتمام بسرعة كبيرة. هناك الآن دوافع أخرى تبعث على الخوف، أشخاص آخرون مطلوب قتلهم..."

وإذ يقول إنه غير سياسي، يؤكّد أن روايته "أسيء فهما إلى حدّ بعيد" موضحا "إنها في الواقع رواية تتحدث عن المهاجرين الآسيويين في جنوب لندن، ولم تكن ديانتهم سوى جانبا من تلك القصّة".

نبذة عنه

يعتبر سلمان رشدي من أشهر كتاب القرن العشرين، إذ ألف العديد من الروايات والقصص القصيرة التي لا تزال تثير اهتمام النقاد والجمهور حتى الآن.

ورشدي اسمه الكامل السير أحمد سلمان رشدي ولد في مدينة بومباي (مومباي حالياً) الهندية في عام 1947.

ويكاد يجمع النقاد على أن قدرة رشدي على الجمع بين الواقعية السحرية والخيال التاريخي تجعله كاتبا فريداً.

معظم الأعمال التي كتبها تدور حول شبه القارة الهندية وتحتوي في الغالب على مواضيع مثل الهجرة من الشرق والغرب والحوادث المتعلقة بها.

دخل رشدي عالم الكتابة الأدبية عام 1975 لكن عمله الأول لم يحصل على رد إيجابي كبير، إلا أنه عاد بقوة مع روايته الثانية التي لم تكسبه الشهرة والاعتراف الدوليين فقط بل حققت له نجاحا ماليا.

لكن روايته الرابعة "الآيات الشيطانية" أغضبت قطاعاً واسعاً من المسلمين حول العالم لدرجة أن زعيم إيران الراحل آية الله الخميني أصدر فتوى بهدر دمه في عام 1989.

سلمان رشدي ومارغريت آتوود من أبرز المتنافسين على جائزة بوكر 2019

"الكاتب سلمان رشدي هو الذي دفع الجيل الذي أنتمي إليه للتطرف"

ومع ذلك واصل رشدي الكتابة وأصدر العديد من الكتب والروايات، رغم أنه توارى عن الأنظار ووفرت الشرطة البريطانية الحماية في مكان مجهول.

تتناول روايات رشدي قضايا فلسفية وأحداثا تاريخية عن طريق شخصيات خيالية. ويمزج رشدي في كتاباته بين الدعابة اللاذعة وسلاسة وانسيابية النص بأسلوب ميلودرامي.

جعلته معالجته للمواضيع الدينية والسياسية الحساسة شخصية مثيرة للجدل.

الكاتب المهدور الدم

رشدي هو نجل رجل أعمال مسلم ثري في الهند. تلقى تعليمه في مدرسة مرموقة وجامعة كامبريدج حيث حصل على درجة الماجستير في التاريخ عام 1968. حملت روايته الأولى عنوان " Grimus " وصدرت في عام 1975. وحققت رواية رشدي التالية "أطفال منتصف الليل" (1981) التي تدور أحداثها في بومباي الحديثة، نجاحاً كبيراً أكسبته شهرة دولية. وتم تحويل الرواية إلى فيلم قام هو بكتابة السيناريو له عام 2012.

كما حققت رواية "العار" (1983) ، التي تتناول الأحداث السياسية المعاصرة في باكستان شعبية واسعة.

وأثارت رواية "آيات شيطانية" غضب الجالية المسلمة في بريطانيا وتظاهر البعض. امتدت المظاهرات العامة ضد الكتاب إلى باكستان في يناير/ كانون الثاني 1989. وفي 14 فبراير/شباط أدان الزعيم الروحي لإيران آية الله الخميني الكتاب علنًا وأصدر فتوى بقتل رشدي وعرض مكافأة على كل من سيقوم بقتله.

كتب رشدي مجموعة من المقالات والكتابات النقدية حملت عنوان "أوطان متخيلة" عام 1991 ورواية للأطفال "هارون وبحر القصص" (1990).

ومجموعة قصص قصيرة "شرق وغرب" (1994) ؛ ورواية "تنهيدة المغربي الأخيرة" (1995). في عام 1998 بعد ما يقرب من عقد من الزمان أعلنت الحكومة الإيرانية أنها لن تسعى بعد الآن إلى تطبيق فتواها ضد رشدي.

روى تجربته التواري عن الأنظار في رواية حملت عنوان "مذكرات الشخص الثالث جوزيف أنطون" (2012) وجوزيف انطوان هو الاسم المستعار الذي استخدمه أثناء فترة تواريه.

بعد عودته إلى الحياة العامة نشر رشدي روايته " الارض التي تحت قدميها" (1999) و " الغضب" (2001) و "خطوة عبر هذا الخط"، مجموعة من المقالات التي كتبها بين عامي 1992 و 2002 حول مواضيع تتراوح من هجمات 11 سبتمبر إلى "الساحر أوز" صدرت في عام 2002. تشمل روايات رشدي اللاحقة "شاليمار المهرج" (2005) وتتناول ما يجري من أعمال عنف في منطقة كشمير المتنازع عليها في شبه القارة الهندية.

رواية " البيت الذهبي" (2017) ، استكشف رشدي تجربة المهاجرين في الولايات المتحدة من خلال عائلة هندية ثرية استقرت في مدينة نيويورك في أوائل القرن الحادي والعشرين. وكانت روايته التالية "كيشوت" (2019) وهي مستوحاة رواية الكتاب الأسباني الشهير سيرفانتس التي حملت عنوان "دون كيشوت".