برغم انتشار ظاهرة قناني مياه الشرب في العراق الا أن كثير من العراقيين مازال يشرب من مياه ملوثة تتسبب بأمراض.
وسيم باسم من بغداد: مع حلول شهر رمضان وتزايد استهلاك المياه إثناء فترات الإفطار، يتمعن العراقي جلياً في قدح الماء الذي أمامه قبل شربه بعدما حدثت حالات تسمم كثيرة بالمياه العام الماضي، لاسيما حالات الإسهال.
ويؤكد الطبيب علي صاحب في بابل معايشته لعشرات من حالات الإسهال بسبب شرب المياه الحاوية على كائنات مجهرية ممرضة.
ويصنف صاحب هذه الحالات بانها إصابات ثانوية تحدث سنويات بين آلاف من العراقيين في مختلف المحافظات.
وعلى رغم ان ثقافة شرب المياه المعبأة تنتشر اليوم بين العراقيين الا ان حوالي تسعين بالمائة منهم مازالوا يتناولون مياه الصنابير، كما ان أعدادا كبيرة مازالت تشرب من الأنهار والترع لاسيما في القرى والأرياف.
فقدان الثقة في المياه المعبأة
وفي مدينة الزبار الواقعة في جنوب بابل(100 كم جنوب بغداد) مات طفلان عام 2010 بسبب شربهما ماء النهر غير الصحي، حيث أصيبا بإسهال أدى الى هزالهما ومن ثم وفاتهما.
وبلغ الاستثمار الحكومي والخاص بالعراق في مستوياته الدنيا، مما ادى الى نقص شديد في مياه الشرب في العراق.
وعلى رغم المشاريع العملاقة التي يتحدث عنها مسؤولون الى انها لم تؤت ثمارها إلى الآن.
وحتى الاستثمار في القطاع الخاص عن طريق إقامة معامل التعبئة الصغيرة، فلم يرتفع بإنتاجه من ناحية الكم والنوع الى المستوى المطلوب.
بل ان البعض بدا يفقد ثقته في هذا القطاع بسبب فوضى إقامة المشاريع غير المرخصة، والتي اكتشفت السلطات ان بعضها غير مؤهل صحيا لإنتاج هذه المياه.
والقي القبض في بعض المدن على اصحاب معامل يعبئون مياه الإسالة على انها مياه معقمة صحية.
وتقول تقارير منظمة الصحة العالمية ان نحو (2.2) مليون شخص يموتون سنوياً في العالم بسبب أمراض الإسهال،الناتجة عن المياه غير الصحية.
الأمراض الوبائية
ويذكر الطبيب صاحب الكثير من الأمراض الوبائية التي تنتشر اليوم بين العراقيين لاسيما في المناطق التي تعتمد في مصادرها المائية على الأنهر والترع، حيث تكثر البكتيريا و الفايروسات والأحياء الأخرى.
واهم الأمراض الناتجة عن المياه الملوثة في العراق اليوم هي التيفوئيد والكوليرا الناتجة عن شرب تلك المياه، كما سجلت العشرات من الإصابات بأمراض الحساسية والجلدية نتيجة ارتفاع ملوحة مياه الاسالة عبر الصنابير.
ويقول الباحث في جامعة كربلاء احمد عبد ان الفحوصات التي اجراها تشير الى ارتفاع نسبة ملوحة المياه في بغداد و مناطق المحمودية و المحاويل (مدن جنوبي بغداد) ) وكربلاء والحلة (100 كم جنوبي بغداد).
وعلى رغم ان الملوحة التي لوحظت ليست بمستويات خطيرة لكنها مؤشر عل حالة يمكن ان تتطور في المستقبل.
الجدير بالذكر ان ملوحة المياه في الوسط والشمال هي اقل بكثير من نسبة ملوحة المياه في مناطق جنوب العراق لاسيما البصرة التي تصل مستويات الملوحة في مياهها في بعض الأحيان الى نحو 15 بالإلف جزء من المليون وهي نسبة تؤشر حالة خطيرة جدا.
وبتحدث المواطن حسين الوالي عن إصابته بطفح جلدي بسبب سباحته المستمرة في النهر الذي يمر بقريته.
وفي العيادة الطبية في مركز الحلة تلمح طفلين صيبا بمرض عيون لم تحدد طبيعته ناتج عن تلوث المياه بحسب الطبيب بارع سعيد.
ويقول بارع ان أمراض مثل البلهارزيا تنتشر بكثيرة في أرياف ومناطق بابل وكربلاء.
نسبة الملوحة
وتشير المشاهدات الميدانية والفحوصات الى ان نسبة الملوحة ترتفع في مياه العراق بنسبة قد تصل الى خمس وعشرين بالمائة.
ويقول ابو نوفل العامل في محطة إسالة بابل ان المواصفات المائية المحلية تستدعي خفض هذه النسبة التي تعتبر مرضية.
لكن ملوحة المياه تلاحظ أكثر في المناطق الجنوبية لاسيما البصرة، فقد أعلن قائممقام الفاو هذا الأسبوع عن ان مياه الإسالة تقترب في ملوحتها من مياه شط العرب مما أدى الى إصابة العشرات بأمراض الحساسية والجلدية والإسهال.
غبار محملة بالمعادن تذوب في الماء
ويشير المهندس الكيماوي ظاهر جواد الى ظاهرة ينفرد بها العراق عن دول الجوار التي تعاني أيضا من ارتفاع نسبة الملوحة في المياه مثل الأردن والسعودية والكويت، وهذه الظاهرة هي ان المسطحات المائية في العراق، على تماس مباشر مع ذرات غبار محملة بالمعادن السامة من مثل الألمنيوم والرصاص والمنغنيز والسترونتيوم والقصدير والتي تجمعت على التربة العراقية اثناء الحروب المتعاقبة التي مر بها العراق، وهذه المعادن تكون بشكل ذرات خفيفة جدا
تستقر في المسطحات المائية وتجد طريقها فيما بعد الى الإنسان عن طريق استخدام المياه.
وتصاحب الرياح في الغالب عواصف رملية تتكون من ثاني أكسيد السيليكون الذي يمكن ان يستقر في المياه من دون نتائج سمية لكن رمال الصحاري العراقية تحتوي على معادن تذوب في المياه إضافة الى كونها وقابلية للاستنشاق.
ويرى خبراء ان العراق سيعاني عجزاً شديداً في مياه الشرب بصورة خاصة اذا لم يتم إنشاء مشاريع إستراتيجية توفر الماء الصحي الصالح للشرب.
وبحسب المهندس ظاهر فان إتباع إستراتيجية المياه الصحية المعبأة الى جانب مشاريع الإسالة الكبرى سيكون المفتاح لحل أزمات المياه المستقبلية، ويضرب ظاهر في دول مثل المانيا وبريطانيا مثلا.
فهذه الدول على رغم توفرها المياه الحلوة فانها اختارت مشاريع المياه المعبأة لان كلفتها ارخص مقارنة بكلفة تحضير مياه الشرب عن طريق الأنابيب الذي يفقد أكثر من نصفه إلى غير أغراضه، حيث يستخدمه الناس للشرب والسقي وغير ذلك.
التعليقات