تعود ظاهرة بيوت الطين في مدن العراق دون وعي بيئي، لكنها ناتجة عن عدم قدرة الناس على بناء بيوت الطابوق.

وسيم باسم من بغداد: يجهد الفلاح حسين كاظم في التحضير لأكوام القش لمزجها مع كتلة كبيرة من الطين والماء، عبر الدهس المستمر عليها بالأقدام من قبل عدد من الأفراد لغرض الحصول على تجانس جيد لخلطة سيستخدمها لبناء بيت من الطين يؤويه وأسرته.

من بيوت الطين الجديدة في العراق

وعودة ظاهرة بيوت الطين في مختلف مدن العراق ليس ناتجا هن وعي بيئي، حيث ان هذه البيوت صديقة للبيئة، لكنها ناتجة عن عدم قدرة الناس على بناء بيوت الطابوق و الخرسان بسبب تكلفتها العالية و شحة الطابوق الناري.

وبيوت الطين، معروفة في العراق منذ القدم، وارتبطت بالفقر والمناطق الريفية.

وعلى رغم ان الزائر ينظر الى بيوت القرى والأرياف كرمز للبساطة والجمال، لكنها من وجهة نظر كاظم، رمز للفقر والحاجة، فهي لا تحمي من حرارة الصيف ولا برودة الشتاء على حد تعبيره، لكنها تلبي الحاجة الملحة الى سقف لأناس ليس لديهم القدرة على بناء بيوت الطابوق.

وفي الوقت الذي ينظر فيه الناشط البيئي احمد عبيد، طالب في جامعة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) الى بيوت الطين على انها مساكن صديقة للبيئة، الا ان اغلب أصحاب هذه البيوت، يرون في مثل هذا الكلام ترفا، وquot; فلسفة quot; لا يودون سماعها.

ولعلهم على حق في هذا طالما ان الفقر وليس الدافع البيئي هو من يجبرهم على العيش في تلك البيوت.

ويقول المزارع حاجم سيد حسين ساخرا: اذا ما لمحت العقارب والديدان الغريبة وهي تنخر في جدران الطين ستعرف أي بيئة صديقة من حولنا اليوم.

قرى صديقة للبيئة

لكن الناشط البيئي عبيد لا يسعى من خلال طرحه الى تبني افكار quot; فوقية quot; على المجتمع الفلاحي لكنه يدعو الى الاستفادة من تجربة بيوت الطين لبناء قرى صديقة للبيئة تعتمد على الطين كمادة رخيصة التكاليف، وطبيعية حيث يمكن الاستفادة من خبرات بنائي بيوت الطين في هذا المجال.

ويستمد اغلب بناة بيوت الطين في العراق أفكارهم من الطبيعة، فالقرى القريبة من الأنهار تكون جل بيوتها من الطين و الغري على جوانب الأنهر حيث يُمزج بالقش، و تخلط كميات قليلة منه مع تراب يجلب من أماكن خاصة بعد فحصه من قبل أصحاب الخبرة حول صلاحيته في تكوين خلطة مناسبة.


يرمز للفقر

ويلجا البعض الى دمج القش بكميات من القير لزيادة التماسك، بغية الحصول على مادة قريبة في مواصفاتها من المواد الرابطة مثل الاسمنت والجص.

ومازالت الخرسانة لم تأخذ طريقها كمادة للبناء في الكثير من قرى العراق ومناطقه الريفية. لكن هناك عدد قليل من الريفيين من يتمنى بيتا من الطابوق الحجري والخرسانة.

فمن وجهة نظر كثيرين فان بيت الطين مهما تعددت ايجابياته فانه يمثل رمزا للفقر والحاجة يسعى كثيرون الى التخلص منه.

ويبني العراقيون منذ اقدم العصور بيوت الطين بالفطرة، حيث اشتهر كانجاز يدوي يتطلب الكثير من الجهد والوقت.

وغالبا ما تخلو بيوت الطين هذه من الأنقاض الخرسانية والأجزاء الحديدية المضرة بالبيئة.

ويرى مواطنون ومهتمون بالبيئة ان معامل الانشائيات مثل معامل الطابوق والخرسانة و الكاشى و السيراميك، غالبا ما تترك اثارا بيئية سيئة في العراق بسبب التوسع العشوائي لها وعدم التزامها بالشروط البيئية المطلوبة.

وغالبا ما تتميز بيوت القرى والأرياف في العراق بالبساطة والجمال، ويمكن ان تكون مشروعا رائدا لتوفير السكن لعدد كبير من السكان اذا ما جرى التخطيط لإقامة قرى ومجمعات وفق تصميمات هندسية.

وتستمد بيوت الطين في اغلبها في العراق من مواد طبيعية في السقوف والجدران كالأخشاب وسعف النخيل وجذوع وأغصان الأشجار حيث تتوفر المادة الأولية بشكل كاف.

وبني الشيخ ابو حاتم جنوب النجف ( 160 كم جنوبي بغداد) بيتا ضخما لم تدخل في قوامه المواد الإنشائية، مثل الحديد والأسمنت، واستعاض عن ذلك بمواد خام طبيعية مثل الطابوق المفخور والحجر والطين.

ويقول quot;اسطة البناءquot; كمال حسين ان العراقيين يقضون العمر كله في بناء بيوت ضخمة باهضة التكاليف بسبب المبالغة في تزويدها بالخرسانة المسلحة، على رغم ان بيئة العراق لا تحتاج لان يكون البناء على هذه الشاكلة.

الطوف الطيني

ودأب حسين منذ ثلاث عقود على توظيف الطين وما يعرف بـ (الطوف) في بناء البيوت.

ويضف حسين كيف انه يخمر الطين ليوم او يومين ويمزجه بنشار النخيل التِبِنْ حيث يضعه في قوالب للحصول على الشكل الهندسي، ثم يتركها تحت أشعة الشمس لكي تجف تماما.

ويجهز حسين التراب من مواقع تجمعات المياه، ويستفاد من جذوع أشجار الأثل وجريد النخل بعد معالجتها بعناية فائقة.

وغالبا ما يعتمد حسين في تصميماته للبيوت على الشكل التقليدي الذي اشتهر به بيت الريف العراقي، فالبيت يتألف من صحن كبير تحيط به الغرف المزودة بفتحات وشبابيك.


ويعتمد حسين في عمله على جذوع النخيل كجسور في تسقيف غرف تقاوم الظروف الجوية لعشرات السنين.

ويقول حسين : هذه الطريقة في البناء تنحصر في مناطق الريف وفي إطراف المدن بين الناس محدودي الدخل.

ويضيف: الناس لا تعرف ان بيوتها هذه صديقة للبيئة وتنظر اليها على انها بيوت مؤقتة فرضتها الحاجة المادية، وهي معرضة للهدم في لحظة اذا ما توفرت المبالغ اللازمة لتشييد بيوت خرسانية على أنقاضها.

وفي الكثير من الأحياء السكنية تترك الأنقاض في الشوارع لفترة طويلة مثل الاسمنت و الجص و الطابوق حتى بعد الانتهاء من عمليات البناء، حيث يؤثر ذلك بشكل كبير على البيئة ومنظر الأحياء والمدن.