فتحي الشيخ من القاهرة: في أقصى نقطة بجنوب مصر الغربي، وفي المكان الفاصل بين حدود مصر والسودان وليبيا، بعيدا وسط صحاري يفصلها عن أي تجمع عمراني مئات الكيلو مترات، عشرات الكهوف وآلاف الرسوم لاشخاص يسبحون ولحيوانات لم تعرف يومَا طريقَا للصحراء، مثل الزرافة والغزال والاسود، لهذا قال سكان تلك المنطقة عن هذه الرسوم حتى عقود قليلة مضت، انها من فعل الجان، فهم لم يشاهدوا هذه الكائنات في صحاريهم ولم يعرفوا بوجودها في مكان اخر، أطلق على هذا المكان quot;الجلف الكبيرquot; وهو quot;الأسمquot; الذي اطلقه عليه الامير كمال الدين حسينquot; الذي تنازل عن عرش مصر للملك فؤادquot;quot; في عشرينات القرن الماضي، حينما وجد هضبة شديدة الصلابة مكونة من الأحجار الرملية تعترض طريق قافلته التي قام بها لاخترق الصحراء المصرية.

تقع منطقة quot;الجلف الكبيرquot; على مساحة 7770 كيلومتر من الحجر الجيرى والحجر الرملى تترتفع 300 متر عن الصحراء المحيطة بها، يتخللها أودية، أبرزها ( وادي طلح )، و ( وادي عبد المالك )، و ( وادي حمرا )، وقد أخذ الأخير اسمه من لون رماله، كما يوصفها محمد رمضان احد منظمي رحلات السفاري، ويضيف اعلنت منطقة الجلف الكبير محمية عام 2007، وتضم هذه المحمية تراث ثقافي وبيئي وطبيعة فريد ذا أهمية دولية متميزة كجبل العوينات الذي يمتد بين مصر وليبيا والسودان بمساحة 800 كيلومتر مربع وارتفاع 1943 مترا، كما تضم منطقة quot;السلكاquot; الزجاجية ذو الصخور الخضراء البلورية.. بالإضافة إلى وادي quot;صورةquot; وquot;كف المستكاوىquot; والذي يحتوى على أكثر من ألفى صورة من النقوش ورسوم الإنسان الأول، وكذلك وادي quot;عبد الملكquot; ووادي quot;بختquot; ووادي quot;حمرةquot; والعديد من الآثار الفرعونية ورسومات ما قبل التاريخ.

بالنسبة للعجائب الجولوجية بالمنطقة اهمها منطقة quot;السليكاquot; كما يصرح أحمد سلامة مسؤول محميات المنطقة الغربية بمصر، مؤكدا انها من أجمل مناظر الصحراء الغربية على الإطلاق بصخورها الخضراء البلورية، ويضيف هذه المنطقة تكونت من صدمة نيزكية ضربت منطقة تسمى laquo;جرة الحنشraquo; قبل 27 مليون سنة، وحينما اصطدم النيزك بالرمال خلق درجة حرارة مرتفعة جداً حولت الرمال إلى سليكا، وبدراسة هذا المركب الأخضر تبين وجود عناصر كيميائية لا وجود لها فى الحقول النيزكية المعروفة، في ظاهرة نادرة الحدوث بالعالم كله، ويبدي سلامة اسفه ان اغلب صخور المنطقة سرقت من قبل الطامعين والمغامرين، لهذا لم يتبقي منها غير قطع صغيرة متناثرة.

ويضيف محمد رمضان أن المنطقة غنية بالتراث الانساني الذي يشمل ما قبل الدولة الفرعونية القديمة حيث هناك الاف الرسومات على عشرات الكهوف بالمنطقة تتحدث عن المنطقة عندما كانت تنتمي إلى مناخ مختلف حيث شهدت عصر مطير مما ادي لوجود حشائش واشجار وبحيرات، ولهذا وجد بالعديد في الكهوف رسومات لاشخاص يسبحون في كهف سمي عقب ذلك كهف السابحين، عندما اكتشفه المغامر المجري الكونت لاسزلو ألماسي، والذي خلدت قصته عن طريق الفيلم العالمي quot; المريض الانجليزيquot;، هذا إلى جانب عدة آلاف من رسومات بدائية على الصخور، وأخرى محفورة؛ ويستأثر وادي كركور طلح، في جبل العوينات، بأكثر من أربعة آلاف من هذه الرسومات والنقوش، التي يصور جانب كبير منها أنواعاً مختلفة من الأغنام والماشية، وكان الاعتقاد لدى رجال قبيلة ( الجوران ) احد القبائل التي سكنت المكان، في العشرينيات من القرن العشرين، أن تلك الأعمال الفنية من صنع الجان، لان أي منهم لم يشاهد اغلب هذه الكائنات في حياته.

بالنسبة للحياة البرية بالمنطقة يصفها سلامة بانها ليست غنية بدرجة كبيرة حيث عدد الحيوانات بالمنطقة قليل ولكن أهم هذه الحيوانات هو quot;الكبش المغربيquot;، الذي يعيش تجمع صغير منه على ما يتوفر له من طعام متمثَّل في أوراق وثمار النباتات؛ ويحصل هذا الحيوان على ما يقيم أوده من ماء من غذائه النباتي، ولا يشرب إلا إذا توفر الماء، وهو حيوان يواجه خطر الانقراض إلى حد كبير، بالاضافة إلى بعض الزواحف اهمها البرص رباعي النقاط وبعض انواع الحيات والحشرات، اما بالنسبة للغطاء النباتي، فهو ليس كبير بسبب الظروف المناخية القاسية، ولكن هناك بعض الاشجار في بعض الاودية مثل أشجار الأكاسيا quot; السنطquot;، وأشجار المرو، كما تنمو شجرة الخموس quot;أم حموصquot; كما ينمو بتلك الأودية أنواع قليلة من الحشائش التي تستطيع تحمل الظروف البيئية الصعبة، مثل quot; أبو ركبةquot; ومن نباتات المنطقة ايضا، بطيخ الصحراء، أو بطيخ الرمال المعروف باسمquot; الحنظلquot; ويصل عدد النباتات بالمحمية ل55 نوع على الاقل، ويضيف سلامة أن اهمية محمية الجلف الكبير تعود إلى انها تعد منطقة تراث ثقافي للانسان القديم فريدة من نوعها على مستوي العالم، وأن كانت غير صالحة للحياة حاليا.