خلال جولة ميدانية قامت بها ايلاف الى قرية الغجر اللبنانية، بدا واضحا وجلياً ان الجيش الاسرائيلي لا يبدي أي استعداد آني للانسحاب من القرية التي انسحب منها عام 2000 في يوم التحرير الكبير ثم اعاد احتلالها خلال حرب تموز من العام 2006 بين اسرائيل وحزب الله. واللافت في تلك الجولة الخط الذي فصل بين ابناء البلدة ذاتها، جاعلاً من سكانها الحاصلين بغالبيتهم على الجنسية السورية قبل 1967 والاسرائيلية بعد 1982 أسرى حقيقيين في كيانهم الخاص الضائع مع ترسيمات الحدود وصراعات الدول.

بيروت: كلما هدأت حمى الجبهة اللبنانية- الاسرائيلية يبدأ الحديث عن انسحاب اسرائيلي من جانب واحد منها... انها بلدة الغجر ذات القسمين اللبناني والفلسطيني، سكانها من الطائفة العلوية ويبلغ عددهم نحو 2700 نسمة. حتى حزيران1967 كانت القرية تخضع للإدارة السورية وكان سكانها يملكون الجنسية السورية. منذ 1982 تملك غالبية سكان القرية الجنسية الإسرائيلية بعد تصديق الكنيست الاسرائيلي في العام 1981 على قانون الجولان واعتباره محافظة اسرائيلية. توسعت القرية الى الجزء اللبناني من الحدود بعد الاجتياح الاسرائيلي في العام 1978. واثناء ترسيم الخط الازرق في العام 2000 انقسمت القرية الى قسمين: شمالي لبناني وجنوبي سوري. وتم تحرير الجزء اللبناني منه إلا ان اتهام اسرائيل لحزب الله بالتمركز في القرية دفعها الى اعادة احتلال الجزء اللبناني منها بعد حرب تموز 2006.

تقع الغجر على مثلث الحدود اللبنانية السورية الفلسطينة. اشرفت عليها quot; إيلافquot; من الجانب اللبناني للاطلاع على وضعيتها الجغرافية للوقوف عن قرب على واقع الغجر واستكشاف حقيقة الحال في تلك النقطة الحدودية.

شكّل سهل الخيام الذي رافقنا به الخط الازرق بجانب مستعمرة المطلة نقطة تحول في جولتنا حيث كان لا بد لنا وفي آخر طريق السهل من الانحراف يميناً وسلوك طريق الوزاني ومنتزهاته. وصلنا الى بلدة الوزاني وهناك كان لا بد من السؤال عن كيفية الوصول الى محيط قرية الغجر، فجاء الجواب سريعاً quot;عليكم بسلوك الطريق المؤدية الى نبع الوزاني حيث تظهر القرية في الجهة المقابلة لكمquot;. وبعد مسافة لا تتجاوز الخمسة كيلومترات، استقبلنا حاجز للجيش اللبناني. طلب منا الجندي التوقف وفقاً لاوامر قيادته حيث يتعذر على المواطنين كما على الصحافيين النزول الى وادي الوزاني حيث النبع والمضخات التي يستفيد منها كل من لبنان واسرائيل على السواء.

نافذة وحيدة تركها لنا الجندي لاستكمال عملنا وهي السماح بالعبور ولكن يتعذر التصوير . وهذا ما وضعنا امام طريقة ليست جديدة في العمل ألا وهي أسلوب المراقبة والاستطلاع عن بعد. من جهة الوزاني بدت معالم القرية واضحة للغاية، خصوصاً ان ما يفصلنا عنها لا يتجاوز الثلاثمئة متر. هدوء القرية النسبي لم يعكر صفوه سوى جرافتين تعملان في الجهة المشرفة علينا. احدى هاتين الجرافتين، كانت تؤدي عملها في محيط احد المنازل اما الثانية فكان لها دور آخر بإشراف الجيش الاسرائيلي، فالجرافة كانت تقوم بإعادة تأهيل الطريق الترابية الملاصقة للشريط الشائك الفاصل بين الحدود على الخط الازرق.

وما بدا لافتاً ايضاً التعزيزات العسكرية الاسرائيلية التي رافقت عمل الجرافة، وتمثلث بعربة شحن عسكرية مدرعة تقوم دورياً بالسير على هذه الطريق بالتزامن مع تعزيزات من نوع آخر حيث جلس اكثر من خمسة جنود اسرائيليين توزعوا على مجموعتين في محيط منطقة الاشغال. مع العلم ان جميع هذه الاعمال كانت تجري في القسم السوري من قرية الغجر اما القسم اللبناني الذي تحرر في العام 2000 واعيد احتلاله في حرب تموز 2006 فبدا هادئاً نسبياً ولم يوح لنا شيء بأن هناك تحضيرات لانسحاب اسرائيلي وشيك منه، وهو ما اكده ايضاً العديد من الرعاة البدو المنتشرين في المنطقة وبعض الافراد من الجيش اللبناني .

هذا ما كان عليه الوضع في الغجر على احد اطرافها من جهة الوزاني. اما في داخلها، فيمكن رصد حركة طبيعية لبعض الاهالي على طرقات القرية الداخلية وهذا ما فرضه عليهم عملهم اليومي بالتأكيد. تبدو حركة سير على مدار الساعة لجرارات زراعية يعتمد عليها اهالي الغجر كلياً في اعمالهم. ومن جهة ثانية كانت العربات البيضاء للقوات الدولية المتمركزة في داخل القرية تتحرك باستمرار في طرقات البلدة الداخلية وفي كلا الطرفين اللبناني والسوري. من طرف الوزاني، اردنا الاستدارة نحو الغجر من الجهة المقابلة وهي جهة بلدة العباسية.

عبرنا قرية عين عرب وصولاً الى العباسية حيث كان في استقبالنا مركز للجيش اللبناني، ابلغنا الاوامر ذاتهاquot; انتهت الرحلة،. بدت البلدة بطرفيها اللبناني والسوري. يعبر في وسطها الخط الازرق. الخط الذي فصل بين ابناء البلدة ذاتها، جاعلاً من سكانها الحاصلين بغالبيتهم على الجنسية السورية قبل 1967 والاسرائيلية بعد 1982 أسرى حقيقيين في كيانهم الخاص الضائع مع ترسيمات الحدود وصراعات الدول. على ان تكون النتيجة وللطرف اللبناني من الغجر quot;ستبقون مواطنين اسرائيليين في اراضي العدوquot; حسب التوصيف الاسرائيلي لحين الانسحاب الذي لا يبدو قريباً.