يبدو أن حمى العد التنازلي نحو laquo;نهاية العالمraquo; بدأت تتغلغل الى العظام. والداعي لهذا هو تقويم حضارة المايا الذي ينتهي في 21 من الشهر المقبل، بما فسره عديدون على أنه تاريخ القيامة. وفي هذا الصدد فلدى فرنسا همّ صغير قبل ذلك الموعد.
تنبأ كثيرون بنهاية العالم في وقت أو آخر. لكن أشهر هذه النبوءات على الإطلاق - وتلك التي يحملها أناس laquo;عاقلونraquo; على محمل الجد - تتعلق بتقويم حضارة المايا الذي يحدد الحادي والعشرين من الشهر المقبل.
واشتهرت هذه النبوءة رئيسياً بفضل الكثير الذي قيل عن حضارة المايا وlaquo;المنطقraquo; الحسابي وراء نبوءتها، وهكذا عجّت بها شبكة الإنترنت بمختلف لغات الدنيا. لكن القصة لا تنتهي هنا، لأن من أفرع ما ظل يتداوله - بشكل خاص الذين يؤمنون بالحياة الفضائية - أن جبلاً معيّنا في جنوب غرب فرنسا - يسمى laquo;بيك دو بوغاراشraquo; - سينشق في ذلك اليوم ليكشف عن مركبة فضائية تقبع داخله ومهمتها هي إنقاذ من يأتي اليها من البشر من الدمار الذي سينهي الحياة على كوكب الأرض.
فرنسا تتحسّب
لكنك إذا كنت تعوّل على مكان لك في مركبة الإنقاذ هذه فقد خابت آمالك. وهذا لأن السلطات الفرنسية، وفقًا للصحف في فرنسا نفسها وبريطانيا على الأقل، تحسبت من جانبها لجيش من laquo;معتوهينraquo; يصدقون أمر هذه المركبة، إضافة الى جيش آخر مؤلف من رجال ونساء الإعلام والسيّاح المتفرجين على الأمر كله. فأصدرت أمرها بإغلاق سائر المنافذ الى الجبل والمنطقة المحيطة به.
وتلازمًا مع هذا الأمر فقد خصصت نحو مائة من عناصر الشرطة والمطافئ من أجل سد الطرق الى قرية صغيرة، تحمل اسم الجبل نفسه وتقع على سفحه، بغرض السيطرة على الداخل اليها والخارج منها، وإغلاق الطرق المؤدية اليها في حال ارتفع العدد عن المعتاد.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن إيريك فريسلينار، أرفع المسؤولين الحكوميين في المنطقة مقامًا قوله: laquo;نعم نتوقع عددًا من اولئك الذين يؤمنون بنبوءة المايا وبأن هذه المنطقة ملاذ من الدمار الذي سيحل بالعالم في ذلك اليوم. لكننا نعتقد أن هذا العدد سيكون صغيراً، وهمّنا الحقيقي هو عدد الموفدين الإعلاميين واولئك الذين سيأتون مدفوعين بحب الاستطلاع لزيارة المكان ومشاهدة التطورات بأعينهم... هؤلاء هم صداعنا الحقيقيraquo;.
عواصف شمسية
مئات الأفلام الوثائقية بثت على الإنترنت وكلها يتناول نهاية العالم في أواخر الشهر المقبل تبعًا لتقويم المايا المؤلف من 394 سنة والمسمى laquo;باكتونزraquo;. ويقول المؤرخون إن هذا التقويم بدأ العام 3114 قبل الميلاد، وسيكون قد أكمل 13 من دورات الباكتونز - أو 5125 سنة - في 21 كانون الأول (ديسمبر) 2012 المقبل.
ويقول هؤلاء المؤرخون إن الباكتونز 13 كان ذا أهمية عظيمة بالنسبة للمايا لأن نهايته كانت تعني لهم نهاية التقويم نفسه. ومع أن الخبراء يشددون على أن هذا لا يعني نهاية العالم تلقائيًا، فقد فسره القدريون عمومًا باعتباره يوم القيامة. وقال البعض إن ذلك التاريخ سيوافق كوارث طبيعية هائلة تبدأ بانفجارات وعواصف على سطح الشمس وتدمر كل شبكات الكهرباء وغيرها على الأرض. ويتفق البعض الآخر على هذا النشاط الشمسي لكنهم يقولون إنه سيتسبب في ترتيب جديد لكواكب الكون وسيعكس مسار الحقل المغناطيسي للأرض.
... وعاصفة من نوع آخر في غواتيمالا
في غواتيمالا - حيث يتحّدر نصف السكان من المايا - انتهزت وزارة الثقافة هذه المناسبة التاريخية بإعلانها إقامة مهرجان ضخم بالعاصمة غواتيمالا سيتي، وقال مسؤولوها إنهم يفعلون ذلك laquo;في حال أتى العالم الى نهايته فعلاًraquo;.
ومن جهتها سارعت الهيئات والشركات السياحية للاستفادة من الأمر كله فأعلنت تنظيم مختلف التجمعات والرحلات التي تروّج ليوم القيامة هذا. لكن تنظيم laquo;اوزلالخوخ آخبوبraquo; الذي يصف نفسه بأنه laquo;تحالف الماياraquo; كال الاتهامات الى حكومة غواتيمالا وسائر تلك الجهات الأخرى قائلا إنها laquo;تقوم بتمجيد حضارة المايا فقط سعياً وراء الربح التجاري البحتraquo;.
وأصدر هذا التنظيم بيانًا قال فيه إن نبوءة المايا laquo;فقط تعني بداية دورة زمنية جديدة تشهد تغيّرات كبيرة على مستوى الأفراد والأسر والمجتمعاتraquo;. وأضاف أن الغرض من هذا التغيّر هو laquo;تحقيق ذلك التوازن العسير بين الإنسان والطبيعة من حولهraquo;.
تفسير خاطئ
من العلماء من يشكك في تفسير النبوءة أصلا. فالشهر الماضي قال الفريدو باريرا، وهو عالم آثار مكسيكي، إن نبوءة المايا laquo;تشير على الأرجح الى أحداث كبيرة مثل الجفاف وتفشي الأوبئة، ولكن ليس نهاية العالمraquo;. ومضى يقول إن المايا laquo;أصدروا عددًا من النبوءات فعلا، ولكن ليس بالدرامية التي أحاطها بها الناس لاحقًا، وإنما على أساس أن دورات الزمن تعيد بعض الأحداث الجسام التي حدثت لهم أو علموا بهاraquo;.
ويقول خبراء إن المايا، الذين أقاموا بين العامين 300 و900 ميلادية ثقافة رفيعة تشمل الكتابة والفلك ومعمار المعابد المعقد، أبدوا اهتمامًا عظيمًا بالأحداث المستقبلية التي تتجاوز تاريخ 21 ديسمبر 2012 نفسه.
ويشهد على هذا جيفري براسويل، من جامعة كاليفورنيا بسان دييغو، قائلاً: laquo;مما يدلل على استباق المايا للمستقبل في عصور تتجاوز تاريخ العام الحال أن ملكهم، كينيش هاناب باكال، كان يؤمن بأنه سيعود الى الحياة بعد ألفي سنة من مماتهraquo;.ويضيف هذا الأكاديمي قوله إن المايا laquo;تناولوا بالبحث أيضًا أحداثًا وقعت حتى قبل بدء تقويمهم الرسمي في 3114 قبل الميلادraquo;.
الأديان وليس المايا
الواقع أن العلماء يلفتون النظر الى حقيقة مهمة وهي أن تاريخ 2012 ورد مرتين فقط في سائر منقوشات المايا الحجرية الأثرية المكتشفة. وحتى في هاتين الحالتين فإن هذه النقوش لا تشير الى laquo;نهاية العالمraquo; كما هوالاعتقاد السائد. وثمة شيء آخر مهم وهو أن الحديث عن laquo;القيامةraquo; يبقى وارداً في مختلف الثقافات والأديان وظل، في الثقافة الغربية مثلا، متداولاً على مدى أكثر من ألف سنة. ويقول الكسندر فوس، استاذ الأنثروبولوجيا بجامعة كوينتانا رو المكسيكية: laquo;لا علاقة للحديث عن نهاية العالم بالمايا أصلاً. هذا مفهوم موجود في الثقافات الغربية والديانات السماوية مثلا، ولكن ليس لدى المايا كما يُشاعraquo;.
تشبيه بسيط وسهل
من جهته، يقول الدكتور براسويل إن تقويم المايا يشبه نظاماً من دورات داخل دورات أكبر، مثل عداد المسافات في السيارات القديمة. ويشرح هذا بقوله: laquo;عداد سيارتي الأولى مثلا كان يحوي ست عجلات داخلية فقط، فلا يتجاوز العداد أي رقم فوق 99 ألفًا و999.9 ميلاً. لكن هذا لا يعني أن السيارة نفسها ستنفجر لحظة وصولها الى 100 ألف ميل. والشيء نفسه ينطبق على تقويم المايا... فهو ينتهي عند تاريخ معين، لكن هذا لا يعني نهاية الزمن نفسهraquo;.
التعليقات