لأنّ الموقع الشهير quot;البقرة الباكيةquot; (2300 كلم جنوبي الجزائر)، يستقطب ما لا يقلّ عن أربعة آلاف سائح سنويا، فإنّ عموم المتابعين يركزون في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot; على أنّ الموقع المذكور يصنع استثناء الفرح في بلد يشكو ركودا شاملا.
يقول أصلاء منطقة جانت الجنوبية الواسعة الدور، إنّ جدارية البقرة الباكية التي تشكّل واجهة/مسقاة سلسلة التاسيلي الشهيرة يربو عمرها عن خمسة آلاف عام، وتبرز الصخرة قطيعا من البقرات الظامئة التي حاولت الارتواء من ينبوع جاف امتلأ بالطين، وتردّد الأسطورة أنّ إحدى هذه البقرات ذرفت دموعا حزنا على حرمانها من الماء، فحملت الصخرة اسم البقرة الباكية.
يسجل عبد القادر با محمد مسيّر موقع quot;البقرة الباكيةquot; إنّ المكان يحكي فصولا مثيرة من ذاكرة القحط الذي زحف على المنطقة منذ زمن بعيد، بعدما ظلت عنوانا لانحدار مياه عذبة بقيت تخترق صخورها لتركد في بركة صغيرة قرب سفح، جعلها السكان المحليون قبلة لسدّ ظمئهم والاستمتاع بمشهدي الشروق والغروب الفريدان.
وعبر كتلة لا متناهية من الرسوم والنقوش، يستقرئ زوار البقرة الباكية لوحات تئن في صمت، مستعيدة تراجيديا جفاف الجداول والوديان وتهاوي الأشجار وتفاقم التصحر، وما فعله أبناء المنطقة وهم الرجال الزرق (الطوارق) الذين تفنّنوا في تحدي مصاعب الحياة منذ قديم الزمان، وحوّلوا الصحراء إلى متحف فريد.
وبحكم تشكيلها علامة مميّزة في سماء منطقة جانت، فإنّ الأخيرة تشهد توافدا كبيرا للسياح الأجانب وكذا الجزائريين في حركة نشطة لمن يتحملون مشاق السفر من مدن بعيدة من أجل معانقة فضاء جانت المغري، لاسيما في موسمي الخريف والشتاء، ووسط جماليات هذه المنطقة الساحرة، يحيي هؤلاء السياح ليالي بيضاء تحت ضوء القمر في أكثر من موقع طبيعي في مدينة جانت الآسرة.
وأفاد مسؤول محلي بأنّ الوافدين تستهويهم تلك المسالك الوعرة على طول مناطق صحراوية نائية تنفرد بتباعد المسافات والتضاريس الوعرة، وهي خصائص تضاف إلى متعة ركوب ظهور الجمال وإشباع نهمهم من المناظر الطبيعية الخلابة حيث الرمال الذهبية والصخور المنقوشة التي تعود إلى آلاف السنين.
وينظر مسؤولو القطاع السياحي إلى هذا (الغزو) على أنّه مدعاة لاستعادة السياحة الصحراوية جنوب الجزائر وهجها المفقود، خصوصا مع الحيوية التي يتمتع بها حاليا عديد المرافق كالفنادق والمحلات ومكاتب وكالات الأسفار السياحية في المنطقة، وهو ما جعل الصناعات التقليدية هناك تنتعش، لاسيما مع تهافت السياح على منتجات حرفية نفيسة تعكس حضارة وعراقة الرجال الزرق.
يُراد لهذا الموقع أن يصبح quot;رأس حربةquot; السياحة وقوتها الضاربة في الجزائر، على حد وصف الخبير quot;بلقاسم حموشquot; الذي ينوّه بتموقع البقرة الباكية وسط فسيسفاء طبيعية تستثير السياح في ثاني صحراء عالميا وراء ايطاليا، تبعا لما تكتنزه من تراث أثري يتوزع على سبعة مواقع كبرى، على نحو يجعلها تتبوأ مركزا هاما في منظومة السياحة بشقيها البيئي والصحراوي.
إلى ذلك، تحيل النقوش الحجرية في محيط البقرة الباكية على مجموعة متكاملة من الحيوانات والطيور والزواحف والحشرات النادرة التي استوطنت المكان، ويشير المتخصص quot;كمال داديquot; إلى أنّ الأمر يتعلق على نحو خاص بحيوانات من فصيلة الثدييات، وأسهم انحلال الغطاء النباتي بجانب قلة الأمطار وحالة الجفاف المزمن الذي ضرب المنطقة في انقراض أو هجرة كثير من هذه الحيوانات والطيور، بينما ظلت أخرى تقاوم.
التعليقات