أثار القرار الذي اتخذه ثلاثي المنتخب الجزائري القائد عنتر يحيى و الظهير الأيسر نذير بلحاج و المهاجم كريم متمور بالاعتزال دوليا جدلا واسعا في الوسط الرياضي المحلي في ظل غياب دافع موضوعي حقيقي يجبرهم على تعليق الحذاء.


الجزائر : يأتي ذلك في ظل إمكانية إثراء سجلهم بمشاركة أخرى في كأس أفريقيا لأن أعمارهم لا تزال تسمح لهم بالطموح في ذلك، فيحيى و بلحاج في الثلاثين و متمور في ال26 ، و مردودهم الفني لا يزال ايجابيا و قابل للتطوير ، بل و يتمتعون بنضج كبير يمكنهم من تقديم إضافة لزملائهم داخل و خارج الميدان، كما انه لم تكن هناك أي إشارات توحي بقرب اعتزال هؤلاء خاصة بالنسبة ليحيى و متمور اللذان يلعبان بشكل منتظم في التشكيل الأساسي للخضر مع المدرب البوسني وحيد خليلوزيدش و حتى بلحاج مرشح للعودة في المرحلة المقبلة التي تتزامن مع انطلاق تصفيات كاس العالم 2014 في شهر يونيو .

و أمام هذه المعطيات أصيب الشارع الرياضي بدهشة و لم يفهم السر خاصة أن محبي الخضر يعلمون جيدا بان ثقافة الاعتزال الدولي لا اثر لها في قاموس اللاعبين الجزائريين و لم نسمع عن احد اللاعبين أعلن اعتزاله سابقا منذ الجيل الذهبي في الثمانينات ذلك انه حتى يزيد منصوري و رفيق صايفي و وناس قواوي سمير زاوي و آخرون ممن بلغوا أرذل أعمارهم الكروية لو يستدعون مجددا للمنتخب للبوا الدعوة.

و مما زاد من عنصر المفاجأة البيان الذي أصدره الاتحاد عبر موقعه و الذي يتضمن احترام قرار اللاعبين باعتباره أمرا شخصيا ولان البيان صدر متأخرا بحوالي أسبوع فانه و بدلا من تنوير عشاق المنتخب زادهم غموضا.

و أدى غياب تفسير موضوعي للاعتزال من قبل المعنيين- الذين أرجعوها لأسباب شخصية حتى لا يثيرون الرأي العام ضدهم - و الرسميين إلى تباين قراءات المتابعين و التي شككت في براءة القرار و أجمعت على انه يتضمن خلفيات لا علاقة لها بالجانب الفني ستتضح أكثر في قادم الأيام ، رغم احترامها له على اعتبار أن كل لاعب حر في مسيرته الدولية و يمكنه تعليق الحذاء متى شاء طالما انه لا يربط عقد قانوني مع ألوان بلاده. و مما زاد من حدة الشكوك هو التصريحات التي أدلوا بها من قبل و التي تؤكد بان هناك رغبة جامحة تحدوهم للمساهمة في تأهيل الخضر لمونديال البرازيل و التكفير عن إخفاق الإقصاء المر من أمم إفريقيا 2012 . فما الذي حدث و أدى إلى انقلاب في مواقف هؤلاء اللاعبين بين عشية و ضحاها ليديروا ظهورهم لمنتخب بلدهم الذي صنع لهم مجدا ما كانوا ليحلموا به لولاه.

البعض رأى بان الاعتزال مرده الانتقادات اللاذعة التي طالت هؤلاء اللاعبين من قبل جهات عدة بلغت درجتها مطالبة المدرب بإبعادهم ، و تحمست بل و شجعت السياسة التي انتهجها خليلوزيدش بتشبيب التعداد البشري للمحاربين من خلال استدعاء عناصر جديدة على غرار سفيان فيغولي و كادامورو و آخرون ، مقابل تهميشه لأسماء ظلت تعتبر نفسها تتمتع بحصانة لا يمكن لأحد أن يمسها ممن ظلوا ينعتون بالكوادر فإذا بالمحارب البوسني يحولهم إلى مجرد أطلال خاصة كريم زياني الذي لم يتجرع إبعاده ، و حتى الحملة التي شنت ضد خليلوزيدش من قبل بعض الصحف المحلية لا يستبعد ان تكون قد حصلت على المقابل المالي لإعادته لصفوف المنتخب ، و وفقا لهذه القراءة فان عنتر و بلحاج و متمور فضلوا الاعتزال بمحض إرادتهم تفاديا للخروج من الباب الضيق دون أن يشعر بهم احد.

القراءة الثانية يرى أصحابها بان قرار اعتزال هؤلاء و في توقيت واحد يؤكد وجود تحالف بين اللاعبين الثلاثة و ربما عناصر أخرى من المحترفين يساند كريم زياني ،و يهدفون من وراء اعتزالهم سحب البساط من تحت أقدام المدرب خليلوزيدش و وضعه أمام الأمر الواقع على بعد أسابيع قليلة من خوض المنتخب استحقاقات رسمية في غاية الأهمية ، و أي تعثر سيجعله في وجه الإعصار ، و ذلك اعتقادا منهم بانه في حاجة ماسة و ضرورية لخدماتهم في هذه المباريات المصيرية ضد غامبيا و مالي و رواندا ، و لان الوقت ليس في صالحه لإيجاد البدائل و خوفا من الخسارة سيضطر الى الاستجابة لرغباتهم مقابل العدول عن الاعتزال ، و اعتقادا منهم أيضا بان الجمهور و الصحافة و ربما الاتحاد سيقون بجانبهم ضد خليلوزيدش.

و إذا ما صحت هذه القراءة فإنها تؤكد ما ظل يردده الجميع في الجزائر منذ مونديال مكسيكو 1986 و اللاعبون و المدربون ينفونه و هو وجود تكتلات داخل أسرة المنتخب احدهما و هو الأقوى يمثله اللاعبون المحترفون ، و إلا كيف يمكن تفسير استمرار لاعب مثل زياني مع المنتخب رغم انه لم جاهزا منذ انتقاله من اولمبيك مرسيليا الفرنسي إلى فولسبورغ الألماني حيث لم يلعب تقريبا أي مباراة رسمية كاملة طوال موسمين ، شانه شان يزيد منصوري.

و لان خليلوزيدش و بفكره الثوري تفطن لوجود مراكز عدة لصنع القرار في المنتخب ، فبعد أشهر من إشرافه عليه يكون قد توصل لحقيقة مرة و هي أن المدرب هو الدائرة الأضعف أمام دائرة اللاعبين المحترفين و بعض أفراد أسرهم على غرار والد زياني رابح- الذي أصبح يتحدث عن الخضر و كأنه الناطق الرسمي لهم - و الاتحاد الذي أوعز إليه عدم استدعاء جمال عبدون رغم أدائه القوي مع ناديه اولمبياكوس اليوناني ، و الصحافة التي تقوله ما لا يقوله و تؤول تصريحاته ،و لأنه غير معتاد على العمل وسط هذه الأجواء فقد استغل الأشهر الأولى للقيام بحركة تصحيحية هادئة أيده فيها رئيس الاتحاد محمد روراوة بعدم تدخله ، و الوزارة الوصية بانتقادها مرارا و تكرارا سياسة الاعتماد على القادمين من وراء البحار ، متبعا إستراتيجية تقوم على إبعاد اللاعبين المعنيين الواحد تلو الآخر ، فابعد زياني و هو في أوج عطائه مع نادي الجيش القطري مبررا موقفه بعدم جاهزيته ، ثم استغل المشاكل الشخصية التي صادفت بلحاج مع زوجته في فرنسا ليبعده هو الآخر فاضعف بالتالي موقف المحترفين خاصة أن ذلك تزامن مع إصابة حسان يبدة المحسوب هو الآخر على تكتل المحترفين.

و بالمقابل وجه البوسني الدعوة لعناصر جديدة من المحليين و المحترفين تدين له هو بالولاء و لا احد غيره على غرار فيغولي و كادامورو و شعلالي و بن موسى و حشود و عودية و سليماني و ربيح و أسماء أخرى ، و هكذا لم يعد أمام المحترفين المدللين سوى خيار من اثنين إما الدخول في الصف أو الاعتزال ، و لان الاختيار الأول يصعب تجرعه اثروا الثاني ليضمنوا على الأقل رؤية صورهم لأيام عديدة في الصفحات الأولى للجرائد و المجلات.

و بغض النظر عن القراءة الصحيحة من الخاطئة فان المعتزلين أو المعزولين لن يترددوا كثيرا إما بالعودة عن الاعتزال أو البوح بأسرار الدوافع الحقيقية التي جعلتهم يتركون المنتخب.