لم يكن الإنجاز الكبير والتاريخي الذي حققه المدرب اليافع جمال بلماضي مؤخرا بقيادته لنادي لخويا إلى التتويج ببطولة الدوري القطري للمحترفين للمرة الثانية على التوالي الأولبالنسبة للمدربين الجزائريين في الخارج ، فقد سبقه إلى ذلك عدد من مواطنيه تركوا بصماتهم في تاريخ الأندية التي اشرفوا على تدريبها على الصعيدين العربي والإفريقي بل وحتى الأوروبيفي انتظار أن تمس بصماتهم المنتخبات أيضا.

جمال بلماضي قاد لخويا للفوز بالدوري القطري للمرة الثانية على التوالي

فالقصة تعود إلى عشرية الثمانينات و تستمر حتى اليوم عندما تحولت الجزائر إلى واحدة من أكثر البلدان العربية والإفريقية تصديرا للتقنيين كنتيجة للسياسة التي انتهجتها الجزائر في حقبة السبعينات والتي أنجبت عدد كبير من اللاعبين ومن المدربين إلى درجة التخمة فضلا عن خريجي مدرسة فريق جبهة التحرير الوطني.

و بفضل تلك الإستراتيجية الناجحة تحولت الجزائر من بلد مستورد للمؤطرينإلى مصدر لهم .

ووضعت الكثير من الأندية العربية وخاصة المغاربية ثقتها في الكفاءات الجزائرية خاصة بعد النجاح الباهر للمنتخب الوطني و للعديد من الأندية بفضلها على غرار تألق الخضر في نهائيات كأس العالم 1982 تحت قيادة الثنائي رشيد مخلوفي ومحي الدين خالف ، ثم تأهلهم لنهائيات الدورة الموالية تحت قيادة رابح سعدان ، وبعدها تتويج الخضر بكأس أمم إفريقيا الوحيدة تحت إمرة الرباعي عبد الحميد كرمالي وعلي فرقاني ومراد عبد الوهاب ونور الدين سعدي عام 1990 ، إضافة إلى تتويج أندية مولودية الجزائر وشبيبة القبائل ووفاق سطيف بدوري أبطال إفريقيا تحت إشراف مدربين جزائريين كلها معطيات فنية كان لها الصدى الايجابي في الخارج على المدربين الجزائريين الذين فضل الكثير منهم تجريب حظه بعيدا عن أهل جلدته لإثراء سيرته .

وما يلاحظ على المدربين الجزائريين الذين نجحوا في الخارج أن نجاحهم أعقب تجارب داخلية فاشلة وحملوا المسؤولية كاملة في النكسة مما دفعهم إلى الابتعاد عن الأجواء لاستعادة مكانتهم بعدما استحال عليهم العمل وسط محيط أقل ما يقال عنه انه متعفن و لا يمنح الفرصة لأبناء البلد.

كما يلاحظ أن اغلب الفنيين الجزائريين نجحوا مع أندية أجنبية كانت تمر بأحلك الأيام وتمكنوا من تقويمها وإعادتها لسكة الانتصارات .

و يعد المدربون الجزائريون أكثر المدربين العرب إلى جانب العراقيين تتويجاً خارج حدودهم الجغرافية.

و لم يكتفِ التقنيون الجزائريون بحصد البطولات بل ساهموا كذلك في نشر الثقة التكتيكية الجزائرية التي يطغى عليها الجانب الفني .

البداية كانت مع شيخ المدربين ومهندس انتصارات الكرة الجزائرية رابح سعدان الذي رحل عن الجزائر بعد نكسةمونديال مكسيكو 1986عندما تعرض لانتقادات لاذعة من قبل كل الجهات بلغت حد الاعتداء على أسرته ، فإتجه إلى المغرب ليدرب نادي الرجاء البيضاوي الذي لم يكن وقتها قد سطع نجمه بعد خاصة على الصعيد الدولي ، فقاده الشيخ إلى المجد بنيله دوري أبطال إفريقيا في العام 1989 الأولى في تاريخ النادي ومن غرائب الصدف أن تتويج سعدان مع الرجاء جاء بعد فوزه في النهائي على نادي مولودية وهران الجزائري وبمدينة وهران بالذات بركلات الترجيح ، وقتها لعب الشيخ دورا محوريا في النتيجة النهائية بعدما أوعز لإدارة فريقه بطلب تغيير ملعب المباراة التي احتضنها ملعب الحبيب بوعقل الذي لا يتسع لعدد كبير من الأنصار مما حرم المولودية من دعمهم.

كما ساهم سعدان في عودة النجم الساحلي التونسي إلى الساحة الإفريقية بعدما اشرف عليه فترة من الموسم 1994-1995 و هو الموسم الذي توج خلاله بكاس الاتحاد الإفريقي كأول لقب قاري يناله النادي في تاريخه.

ومر كمال لموي تقريبا بنفس التجربة التي مر بها سعدان ، فبعدما اشرف على الخضر في اقصائيات مونديال ايطاليا 1990 و اخفق في الدور الأخير أمام مصر تم تحميله مسؤولية الإقصاء بعدما اكتفى بتعادل سلبي في الجزائر اضعف آماله في التأهل ليعلن استقالته وسط حملة إعلامية عنيفة ضده ليشد الرحال إلى الدوري الليبي ، ليدرب هناك نادي الاتحاد العريق الذي حصل على لقب الدوري موسمين متتاليين تحت قيادة لموي 1989-1990 و 1990-1991 و لولا الحصار الغاشم الذي فرضته أمريكا على ليبيا و تأثرت به الكرة هناك لربما حقق لموي مع الاتحاد نتائج أفضل خاصة في كاس إفريقيا ، لكن الأهم بالنسبة له انه اثبت جدارته عندما أتيحت له الفرصة ليعمل وسط ظروف ملائمة تختلف عن تلك التي صادفهما مع المنتخب الجزائري الذي كان يمر وقتها بمرحلة انتقالية.

وفي تونس صنع المدرب الجزائري عبد الحق بن شيخة اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ النادي الإفريقي ، عندما قاده إلى نيل بطولة الدوري في الموسم 2007-2008 على حساب الغريم الترجي بعد أكثر من عشر سنوات من الصيام ، و في نفس العام توج معه بكاس أبطال شمال إفريقيا ، و أصبح الجنرال مرجعية في عالم التدريب في تونس إلى جانب أسماء مثل البنزرتي و الزواوي ، و قبل أن يرحل بن شيخة إلى تونس كان قد مر هو الآخر بتجربة مرة في الجزائر بعدما درب مولودية الجزائر الذي هبط في نهاية الموسم 2001-2002 إلى الدرجة الثانية و حمل وقتها مسؤولية الهبوط مما جعل أسهمه في سوق بورصة المدربين تتراجع قبل أن يستعيد بريقه بعد انجازه مع الإفريقي.

كما نجح رشيد بلحوث في تونس مع نادي اولمبيك باجة عندما قاده إلى نيل كاس تونس في العام 2010 و هي الكأس الثانية في تاريخ هذا النادي المتواضع من حيث الموارد المادية بعدما فاز بالأولى عام 1993 ، و التي ظلت يتيمة لغاية مجيء بلحوث الذي كان يمر وقتها بظروف عصيبة عقب إقالته من تدريب وفاق سطيف .و دائما في تونس نال علي فرقاني مع النادي البنزرتي كاس الرابطة في السنة 2004.

وحقق رشيد شرادي انجازا لا يقل أهمية عن الآخرين بعدما مر هو أيضا بمرحلة صعبة دامت سنوات ، حيث اختفى عن الأنظار منذ نهائيات أمم إفريقيا التي جرت بالمغرب عام 1988 عندما كان ضمن الطاقم الفني للخضر كمساعد للروسي روغوف ، قبل أن يظهر مجددا على الساحة الإعلامية عقب قيادته لنادي فريكا سبور من ساحل العاج للحصول على مركز الوصافة في بطولتي الدوري و الكأس المحليين و بطولة كأس إفريقيا أبطال الكؤوس في العام 1999 ، و هو الانجاز الذي سمح لشرادي باستعادة مكانته ي الجزائر إذ درب بعدها عدة فرق مثل شبيبة بجاية بل و كان ضمن الجهاز الفني للخضر في أمم إفريقيا 2004 ، كما حصل شرادي على عدة ألقاب محلية مع نادي بوجمبورة في بوروندي.

و في مالي نال كمال جبور كأس السوبر مع نادي الملعب المالي في العام 2010.و في الإمارات بزغ نجم المدرب عامر منسول الذي نال مع الوصل بطولة الدوري لفئة الأشبال ، و قبل التحاقه بالإمارات عمل منسول في ايطاليا أين حقق بطولات في الدرجات السفلى.

ويتجه بلماضي إلى إثراء سجل المدرب الجزائري في الخارج رغم أن مسيرته في عالم التدريب لم تتجاوز العامين ، حيث مباشرة بعد اعتزاله الممارسة كلاعب في سن مبكرة نوعا ما وضعت فيه إدارة نادي لخويا ثقتها فكان عند حسن ظنها ليقوده إلى التتويج بلقب الدوري القطري في أول سنة له مع النخبة الموسم 2010-2011 و هو نفس التاج الذي حافظ عليه هذا الموسم.

و يأتي تألق بلماضي الذي أصبح ينعت في قطر بالمستقبل في بطولة يسيطر عليها بالطول و العرض فنيون قادمون من أوروبا و أمريكا الجنوبية وفيوقت كثر في الجدل في الجزائر حول كفاءة المدرب الجزائري في ظل الاعتماد المفرط للاتحاد على القادمين من أوروبا ، وأيضا بعد فشل تجربة بن شيخة مع الخضر وفشل عز الدين ايت جودي مع المنتخب الاولمبيلكن بلماضي أكد مرة أخرى أن المدرب الجزائري يتمتع بمؤهلات عالية لا ينقصها سوى الاحترام، و لا يستبعد أن تفرض قدرات بلماضي نفسها على الاتحاد ليكون خليفة البوسني خاليلوزيدش .