لم تكن سنة 2011 سوى سنة كبيسة أخرى للرياضة الجزائرية التي سجلت نتائج مخيبة في مختلف الاستحقاقات الرسمية التي شاركت فيها ، القارية والدولية في مختلف الرياضات، فقد شحت الإنجازات الجماعية و الفردية و لم ترتقِ الحصيلة إلى مستوى تطلعات الشارع الرياضي و لا حتى إلى مستوى توقعات المسؤولين.

__________________________________________________________________________________________

الإنجاز الأبرز تمثل في فوز الجزائر بكأس العالم للعسكرييّن

بدا وكأن الرياضيين الجزائريين أصيبوا بمرض معدٍ جعلهم يتساقطون كأوراق الخريف،ما جعل الجميع يدق ناقوس الخطر ويتوقع انتكاسة أخرى في اولمبياد لندن 2012 إذا لم يسارع المسؤولون عنها للبحث عن حلول استعجالية.

والغريب أن النتائج السلبية المسجلة هذا العام أتت في وقت استفادت فيه الاتحادات الوطنية من مبالغ مالية طائلة ضختها الحكومة في أرصدتها من أجل النهوض بالرياضة الجزائرية وتحسين تمثيلها في المحافل الدولية غير أن العكس هو الذي حدث ، ليتأكد للجمهور بأن الخلل ليس مادياً مثلما ظل يتردد على مسامعه بل بشري ، خاصة أن رياضة أو على الأقل كرة القدم عند الجارين تونس والمغرب وحتى ليبيا لا تزال تصنع أفراح الجمهور هناك ، رغم الظروف السياسية التي عرفتها هذه البلدان في 2011 ، لدرجة يتبادر إلى الأذهان أن الجزائر هي التي شهدت ثورة أثرت سلبيافي الرياضة .

كرة القدم الخيبة الأكبر

على عكس عام 2010 الذي حققت فيه الكرة الجزائرية انجازا هاما بعد بلوغ المنتخب الأول نصف نهائي كأس أمم أفريقيا للمرة الأولى منذ عشرين سنة وشارك في نهائيات كأس العالم في جنوب أفريقيا بعد غياب ربع قرن ، كما بلغ نادي شبيبة القبائل نصف نهائي دوري أبطال أفريقيا ، على عكس ذلك فإن العام 2011 كان مرادفاً للإخفاق والفشل على أكثر من صعيد ، فالمنتخب الأول تلقىصفعة مدوية من قبل نظيره المغربي جعلته يخرج من سباق التأهل إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا 2010 ليغيب عن هذا الحدث القاري لثالث مرة في ظرف أقل من ست سنوات.

و لم تنفع التغييرات الثلاثة التي أقدم عليها الاتحاد في إيجاد العلاج المناسب، ورغم احتفاظ الخضر بترتيبهم العالمي إلا أنهم فقدوا هيبتهم و تصنيفهم عند الاتحاد الإفريقي ، إذ أصبحوا مضطرين إلى خوض دور تمهيدي قد يعصف بآمالهم في التأهل إلى أمم أفريقيا 2013 في جنوب أفريقيا.

وما يؤكد أن الكرة الجزائرية مريضة هي النتائج التي سجلها المنتخبان الرديف والاولمبي ، فالأول اكتفى بالدور النصف النهائي في بطولة أمم أفريقيا الثانية والخاصة باللاعبين المحليين التي استضافها السودان شهر شباط بعدما خسر مباراته أمام منتخب تونس التي كانت تمر بأحلك الأيام اثر ثورة الياسمين المجيدة ، أما الثاني فقد تبخر حلمه وحلم الجزائريين في التأهل إلى نهائيات أولمبياد لندن 2012 للمرة الثانية بعد دورة موسكو 1980 رغم وجود ثلاث فرص أمامه عقب مشاركة مخيبة في الجولة الأخيرة من التصفيات الأفريقية المؤهلة للندن والتي أقيمت في المغرب.

و من مساوئ الصدف أن إقصاء الاولمبيين جاء في المكان نفسه الذي أقصي فيه المنتخب الأول ، حيث شهدت مدينة مراكش على إخفاقات الكرة الجزائرية و بالنتيجة نفسها تقريبا، وما زاد من حدة تلك المهزلة تبادل الاتهامات بين عدة أشخاص- كل واحد منهم يمثل جهة رسمية - حول من فيهم يتحمل مسؤولية الفشل في وقت يفترض العمل يدًا واحدة لتحقيق التأهل فإذا بهم يعملون بعكس الآية لحرمان بعضهم البعض من الانجاز حتى لا ينسب لأحد منهم.

وحذت الأندية الجزائرية حذو المنتخبات في المسابقتين القارتين دوري الأبطال وكأس الكونفدراليةمكرسة تراجع الجزائر على المستوى القاري، فرغموجود أربعة ممثلين مولودية الجزائر ووفاق سطيف وشبيبة القبائل وشباب باتنة ، إلا أن مسيرتهم توقفت مبكرا فالمولودية والشبيبة بلغا دور المجموعات ولكنها احتلا الصف الأخير في مجموعتيهما ، أما الوفاق والشباب فخرجا من الأدوار التمهيدية، بينما توجت تونس بالمسابقة الأولى من خلال الترجي والمغرب بالثانية من خلال المغرب الفاسي.

ولم يقتصر الإخفاق على المنتخبات و الأندية بل مس أيضا اللاعبين ، حيث تراجعت أسهم المحترفين الجزائريين في أوروبا ما أجبرهم على اللجوء إلى الخليج العربي أو إلى أندية و دوريات مغمورة ، و غابوا أيضا عن ترشيحات الجوائز الفردية السنوية على غرار جائزة أفضل لاعب في أفريقيا التي يقدمها الاتحاد الإفريقي.

إنجازات حاضرة في عام الإخفاقات

جمال بلماضي نجح بالفوز بالدوري القطري مع لخويا

ومن حسن حظ الكرة الجزائرية أن هناك من حقق نتائج وانجازات شكلت استثناءات لقاعدة الفشلالتي طغت عليها، وحفظت ماء وجهها في هذه السنة الكبيسة ، بداية بانتخاب رئيس الاتحاد محمد روراوة لعضوية المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي في شهر شباط في العاصمة السودانية الخرطوم ليكون بذلك أول جزائري ينال هذا الشرفمنذ انضمام الجزائر إلى الفيفا بعد استقلالها.

وبدوره أعاد المدرب اليافع جمال بلماضي الأمل للمدرب الجزائري بعدما قاد نادي لخويا إلى التتويج بلقب الدوري القطري للمرة الأولى في تاريخه في أول موسم لهضمن قسم النخبة ،إنجاز لا يحسب فقط لبلماضي بل للمدرب الجزائري ككل لأنه يعيد له مصداقيته في الخارج والتي فقدها في الداخل.

كما ساهم الظهير الأيسر نذير بلحاج في تتويج نادي السد القطري ببطولة دوري أبطال آسيا للمرة الثانية في تاريخه والأولى بنظامها الجديد ، ثم قاده إلى بلوغ المربع الذهبي في كأس العالم للأندية في اليابان بتغلبه على الترجي التونسي ثم احتلال المرتبة الثالثة في الترتيب النهائي خلف العملاقين برشلونة الاسباني وسانتوس البرازيلي.

كما انضم رفيق جبور إلى قائمة اللاعبين الجزائريين المتوجين في أوروبا بعد إحرازه لقب الدوري اليوناني مع ناديه اولمبياكوس ومساهمته الفاعلة في هذا التتويج. ولم يغادر مجيد بوقرة نادي غلاسغو رانجرز إلا و هو بطل للدوري الاسكتلندي للمرة الثالثة على التوالي.

ويبقى الإنجاز التاريخي الأهم والأحسن للكرة الجزائرية هذا العام هو ذلك الذي حققه المنتخب الوطني العسكري في البرازيل عندما نال كأس العالم العسكرية عن جدارة واستحقاق إثر تخطيه عقبة المنتخب المصري في النهائي، بل وفاز على منتخب البلد المنظم في قبل النهائي، وما زاد من قيمة هذا التتويج انه كان جزائرياً خالصا فاللاعبون كلهم ينشطون في الدوري المحلي على غرار سيدهوم وبلايلي و المدرب المحلي ممثلا في عبد الرحمن مهداوي.

وتقاسم فريقا اولمبيك الشلف وشبيبة القبائل الزاد المحلي الالقاب، الأول نال بطولة الدوري للمرة الأولى في تاريخه في أول سنة احترافيةعلى حساب شبيبة بجاية الوصيف، أما الثاني فاكتفى ببطولة الكأس على حساب اتحاد الحراش ، كما ظفر رياض بودبوز لاعب نادي سوشو الفرنسيبجائزة الكرة الذهبية الجزائرية خلفاً لمجيد بوقرةكأحسن لاعب جزائري للعام 2011.

الدوحة و مابوتو تكشفان عيوب الرياضة الجزائرية

الانتكاسة الأبرز للرياضة الجزائرية كانت خلال مشاركتها في الدورة العاشرة للألعاب الأفريقية التي احتضنتها مابوتو الموزمبيقية في شهر أيلول الماضي و الدورة الـ12 للألعاب العربية التي أقيمت في العاصمة القطرية الدوحة في كانون الأول الجاري ، حيث كانت مناسبة لاكتشاف التراجع المخيف للرياضة الجزائرية والاختلال الواضح بين توقعات رؤساء الاتحادات الوطنية والتي تتجاوز الحدود وبين النتائج التي يسجلها الرياضيون في مختلف المسابقات، ما جعل المتتبعين يؤكدون أن الرياضيين الجزائريين يشاركون فقط من اجل المشاركة حتى تتعرض الجزائر للإقصاء والتهميش ، ويؤكدون ان المسؤولين عن البعثات والوفود الرياضية يعطون تقديرات يعرفون جيدا بأنها خاطئة وموجهة للاستهلاك الإعلامي، ولا يمكن تحقيقها على ارض الميدان فقط لتفادي الإحراج والانسحابخاصة أنهم يعلمونمسبقا عدم تعرضهم للمحاسبة من قبل الوصاية التي تكتفي بعد كل إخفاق بالتهديد واستقبال تقارير تلحق بأخرى في أرشيفاتها المتراكمة، و يؤكدون أيضاً أنهم أبعد ما يكونون عن إعداد الرياضيين لترشيحهم لنيل قلادات مختلف المعادن.

و على عكس عدة بلدان عربية وافريقية التي تركز على الاقتصاد في التكاليف مع ضمان مشاركة نوعية ، فان الجزائر تشارك في مثل هذه التظاهرات بجيش من الرياضيين وأيضا من المرافقين من فنيين وإداريين وخاصة الانتهازيين أو أبنائهم ما يضاعف التكاليف دون أن ترافقه زيادة في عدد الميداليات.

ونتيجة لهذا الإهمال غير المبرر تراجع حصاد الجزائر في الألعاب الإفريقية ، فتقهقرت من المركز الثاني في الدورة التاسعة التي نظمتها الجزائر عام 2007 برصيد 205 ميداليات منها 33 من المعدن النفيس إلى المرتبة الخامسة في دورة مابوتو العاشرة خلف جنوب افريقيا ونيجيريا ومصر وتونس بعدما اكتفت بحصد 85 ميدالية فقط منها 22 ذهبية فقط نالها وفد قوامه أكثر من 400 فرد في وقت نالت تونس التي حلت رابعة 29 ذهبية بوفد ضم فقط 69 عضوا.

أما في العاب الدوحة العربية فقد ازدادت الأوضاع سوءا لدرجة ظهر وكأنّ ممثلي الرياضة الجزائرية غير معنيين بالدورة ولا بحزمة الحوافز المادية والفنية التي وضعها المنظمون لتشجيع الرياضيين ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول المعايير المعتمدة لاختيار المتسابقين الذين يمثلون الجزائر في هذه التظاهرات، والتي جعلتهم ينهارون الواحد تلو الآخر أمام منافسين متواضعين ينتمون إلى بلدان ظلت الجزائر تتفوق عليها في اغلب المسابقات الفردية والجماعية ، ومثلما يقول المثل جاء يستغفر فزاد كفرا إذ ينطبق هذا المثل على الرياضة الجزائرية التي تنقلت إلى الدوحة للتكفير عن ذنوب موبوتو فإذا بها تزيد من التدهور.

وأمام هذا العقم في النتائج تراجعت الجزائر في الترتيب العام، فبعدما احتلت الصدارة في دورة الجزائر العاشرة عام 2004 ب171 ميدالية منها 91 ذهبية ثم المرتبة الثالثة في الدورة الموالية بمصر سنة 2007 ب30ذهبية فقط من أصل 142 ميدالية ، ها هي تنهي دورة الدوحة في الصف الخامس بـ88 ميدالية فقط منها 16 ذهبية.

و من غرائب الصدف أن السباح التونسي البطل العالمي أسامة الملولي حقق وحده لتونس 15 ميدالية ذهبية في وقت لم يجنِ السباحون الجزائريون في مسابح الدوحةسوى الخيبات ، وهم الذين كانت تراهن عليهم الجزائر لتعزيز غلتها على اعتبار أن التجارب السابقة تمنحهم الأولوية مثلما كان في الدورة السابقة عندما نالوا 35 ميدالية منها 11 ذهبية. شأنهم في ذلك شأن الملاكمين الذين أصيبت قفازاتهم بالشلل و أيضا متسابقي ألعاب القوى الذين تحولوا من اسود أولمبيين وعالميين إلى مجرد أرانب عربية.

ويخشى الجمهور الجزائري أن تنعكس نتائج الدوحة و مابوتو سلبا على المشاركة الجزائرية في اولمبياد لندن التي أصبحت على الأبواب و الوقت غير كاف لإحداث تغييرات جذرية مثلما يطالب به الوصاية.

ألعاب القوى تتهاوى في كوريا

كما شاركت ألعاب القوى الجزائرية في بطولة العالم الـ13 التي جرت في مدينة دايغو بكوريا الجنوبية في شهر أغسطس على أمل محو النتائج المتواضعة التي سجلتها في آخر بطولة في برلين وربط الصلة بالانجازات الكبيرة التي حققها عداؤون مثل نور الدين مرسلي وحسيبة بولمرقة و براهيمي و آخرون ، لكن رياح كوريا جرت بما لا تشتهيه سفن الاتحاد الجزائري لألعاب القوى الذي راهن على الصعود إلى منصات التتويج وإنهاء الصيام الجزائري منذ دورة باريس 2003 غير أن الإفطار تأجل إلى إشعار آخر.

وأفضل نتيجة حققتها الجزائر في كوريا هي بلوغ الدور النهائي ، وهي أسوأ حصيلة تسجلها الجزائر في بطولات العالم منذ بداية تألقها في دورة طوكيو عام 1991 ، إذ اكتفى ممثلوها ببلوغ النهائي مرتين عن طريق العداء طارق بوكنزة في سباق 1500 متر الذي صنع للجزائر مجدها حيث أنهى السباق في المرتبة التاسعة والعداء العربي بورعدة في مسابقة العشاري الذي حل عاشراً.