باتت مشكلة المفرقعات والألعاب الناريّة والشماريخ هاجساً يؤرق الرابطة الوطنيّة في الجزائر بعدما باتت الوسيلة التي يفضلها الجمهور في التعبير عن فرحته علاوة على رفع اللافتات المُخِلة بالروح الرياضيّة في مدرجات الملاعب الجزائريّة.

__________________________________________________________________________

لقطة من مباراة في الدوري الجزائري والجماهير حاضرة بكثافة

فشلت الرابطة الوطنية في وضع حد لاستخدام المفرقعات والألعاب النارية من قبل الجماهير في مدرجات ملاعب الدوري الجزائري،الوسيلة التي يفضلها الجمهور عن غيرها من الوسائل في التعبير عن فرحته و التي تفاقمت في المواسم الأخيرة وأصبحت ظاهرة تميز الجماهير الجزائرية عن بقية الجماهير العربية و العالمية.

وباتت تُعرف بعض الملاعب في الجزائر بملاعب النار ، أبرزها ملعب الثامن مايو معقل أنصار نادي وفاق سطيف ، غير أن العدوى هذا الموسم انتقلت لتشمل ملاعب العاصمة و ملاعب مدن أخرى منها قسنطينة و وهران.

كما ابتكرت بعض الجماهير وسيلة جديدة غزت المدرجات هذا الموسم ، وهي استخدام لافتات يعبّر بها المحبون عن مواقفهم من مختلف القضايا الرياضية و غير الرياضية ، البعض منها مخل بالروح الرياضية ، حيث لجأ جماهير نادي شباب قسنطينة مثلا إلى هذه الوسيلة للتنديد بالظلم الذي تعرض له فريقهم من قبل الاتحاد بعد رفضه تأهيل عدد من لاعبيه الجدد ، كما استعمل أنصار نادي نصر حسين لافتات للتعبير عن تفوق فريقهم على غريمه شباب بلوزداد طيلة 14 سنة في إطار الحرب النفسية التي تندلع بين الأندية المحلية للتأثير على معنويات لاعبي المنافس.

وإستعمل محبو أحد الأندية لافتة للترحم على القائد الليبي معمر ألقذافي ، و تحولت هذه اللافتات إلى منبر من لا منبر له للتعبير تعبر بها الجماهير عما يلوج في أنفسها بشكل مباشر يضمن وصولها و بأقصى سرعة إلى الطرف المقصود في ظل غياب وسائل أخرى .

ولأن مثل الألعاب النارية أو اللافتات المخلة محظورة قانونياً من قبل الاتحاد الدولي فان الرابطة الوطنية عملت جاهدة على محاربتها ، لما تمثله من خطورة على الأمن في الملاعب ، و تخل بالروح الرياضية ، وتؤدي إلى توتر العلاقات بين الأندية وتدفع بالجماهير إلى الانتقام من بعضها البعض ، غير أن الرابطة ورئيسها محفوظ قرباج وجدا أنفسها وحيدين في مكافحة هذه الظاهرة التي أصبحت مرادفا لما كانت للهوليغانز في الملاعب الانكليزية في عشرية الثمانينات من القرن الماضي ، و لحد الآن اكتفت بحلول لم تأت بنتيجة فعالة ، فهي تكتفي بمعاقبة الفريق الذي يستخدم محبوه هذه الألعاب وهذه اللافتات ، سواء بتسليط غرامات مالية ، أو لعب عدد من المباريات بلا جمهور ، أو العقوبتين معا ، وهي العقوبة التي يعترض عليها رؤساء الأندية بشدة ويعتبرونها موضة قديمة جعلت الكثير من المباريات المهمة تفقد نكهتها بسبب المدرجات الشاغرة ، موضة لم تعد تتماشى و لغة نظام الاحتراف الذي تعيشه الجزائر للموسم الثاني ، فهم يرون أن الرابطة الوطنية تعاقب الأندية وحدها ، و كأنها الجهة المسؤولة الوحيدة عن تفاقم الظاهرة دون غيرها من الجهات ، ويعتبرون هذه العقوبات قاسية في حق الأندية ، فهي مضطرة في مثل هذه الحالات إلى دفع غرامتين و ليس واحدة فقط ، فهي تدفع الغرامة التي أقرتها اللجنة الانضباطية ، و في الوقت نفسه يحرمون من إيرادات الجمهور ، فضلا عن حرمان النادي من مؤازرة أنصاره، و يناشدون الرابطة و معها الاتحاد ضرورة إيجاد علاج آخر بإمكانه على الأقل الحد من خطورة الظاهرة ، و من ابرز الاقتراحات التي يرونها بديلا للعقوبات الحالية ، هي معاقبة الجمهور و ليس النادي ، و ذلك من خلال إجباره على خوض مبارياته في ملعب آخر بعيدا عن معاقله بمسافة معينة تعيق انتقال محبيه إليه ، لان متعة كرة القدم يصنعها بالأساس جمهور المدرجات الذي يشكل دافعا قويا للاعبين يجعلهم يقدمون مهاراتهم الفنية ، و هي العقوبة التي يلجأ إليها الاتحاد الأوروبي عندما تتصرف الجماهير بعنف ، ففي هذه الحالة تعاقب الجماهير و ليس الأندية .

كما تطالب الأندية بتحميل المسؤولية للجهات الأمنية أيضا ، إذ ترى أنه بإمكان تحديد لوائح تضم المناصرين الذين يتم ضبطهم متورطين باستخدام هذه المحظورات أو غيرها أثناء المباريات و تقديمهم للعدالة ، و منعهم من دخول الملاعب موقتا أو حتى دائما بالنسبة للمتعصبين منهم.

من جهته رئيس الرابطة محفوظ قرباج الذي كان رئيسا لنادي شباب بلوزداد يساند وجهة نظر زملائه السابقين ، لكنه طالبهم بتقديم اقتراحات بديلة ، يكون تنفيذها على ارض الواقع ممكن ، و تجلت مساندته في خطوات أقدم عليها ، حيث خففت الانضباطية من إعلان عقوبة اللعب بلا جمهور هذا الموسم عكس المواسم المنصرمة ، إلا في حالات الاستخدام المكثف لهذه المحظورات و تفضل اللجوء إلى الغرامات المالية التي أثقلت كاهل الأندية التي تعيش أصلا على واقع أزمة مالية خانقة ، كما أنها قررت استثناء هذه العقوبة من مباريات الدربي التي تقام على ملعب الخامس يوليو بين الأندية العاصمية الخمسة ، على اعتبار أن تخوض هذه المباريات خارج ملعبها و لا تتحمل مسؤولية تنظيمها .

وترى الرابطة أن دورها يتركز أساسا في تطبيق اللوائح القانونية داخل الملعب ، و معاقبة أي طرف لا يلتزم بها ، سواء لاعب أو إداري أو مناصر عادي .

المتابعون لتطورات هذه المسألة يرون أنها تتجه نحو التعقيد أكثر ، و أن الردع في تطبيق العقوبات ضد الجماهير قابله تعنت و إصرار لا حدود له من قبل الأخيرة ، التي ترى ان المفرقعات النارية تقليد للتعبير عن الفرح لا يقصد منه تعكير الأجواء حتى و إن كان العكس حدث في كثير من المرات ، و يرون أيضا أنه على الرابطة استخدام الحكمة و الليونة أكثر من الردع الذي أتى بنتائج عكسية لحد الآن طالما أن الأمور تزداد سوءا من أسبوع لآخر، و يقترحون مثلا السماح للجمهور باستخدام العاب نارية في إطار محدود و في مدرجات معينة لتفادي إزعاج بقية المتفرجين مع منعهم من رميها داخل الملعب أو وسط المدرجات ، و لا يجب التعامل مع هؤلاء المحبين و كأنهم مجرمون ، كما لا يجب تطبيق مبدأ المسؤولية الجماعية و معاقبة مئات الآلاف من المتفرجين على خطأ ارتكبته أقلية تعد على أصابع اليدين ، كخطوة أولى لا بد منها قبل دراسة الوضع من جميع زواياه ، و لمعالجة المشكلة يطالبون بتضافر جهود و تعاون جميع الجهات المعنية ، و خاصة المعنية بشكل مباشر الأندية و قوات الأمن و الاتحاد و الرابطة ، و يطالبونها بالاستعانة بالتجربة الانكليزية في مكافحة شغب الملاعب ، والتي قامت على عدة أسس لعل أهمها إزالة تلك الحواجز و المتاريس الحديدية التي تمنع الجمهور حتى من الاقتراب من اللاعبين في مظهر يجل الاثنين و كأنهم في سجن لا أحد يمكنه الاقتراب من الآخر.

ولذلك، فعلى الأندية تفعيل دور لجان الأنصار التي لم يعد لها وجود سوى على الورق ، والذي يقوم على توعية الجمهور بضرورة المساهمة في تطوير ناديه و ليس تخريبه ، و لان الأنصار يعرفون بعضهم البعض جيدا فان الكشف عن الخارجين عن النص يجعل من السهولة وضعهم عند حدهم ، خصوصا أن بعضهم لا يقدم على تلك الأفعال من تلقاء نفسه و إنما بتحريض جهات يهمها جدا من اندلاع العنف لأنها تقتات منه و يوصلها إلى حيث ترغب ، كما أن رجال الأمن مطالبون بتحمل كامل مسؤوليتهم أثناء دخول الأنصار إلى الملاعب والتدقيق خلال عملية التفتيش لأنه لا يعقل أن تدخل كميات ضخمة من المفرقعات النارية ولافتات طولها وعرضها أمتار دون أن يراها رجال الأمن ، كما أن تنصيب كاميرات أصبح أمرا ضروريا للكشف عن أي تجاوزات بغض النظر عن نوعها حتى لا يتم اتهام الجميع ليتم التعامل مع المذنبين قانونيا و يتحملون لوحدهم عواقب أعمالهم ، ومن جانبه الاتحاد مطالب بوضع استراتيجية لمعالجة الظاهرة وعدم الاكتفاء بالتعامل معها عبر لوائحه التشريعية التي أصبح بعضها قديما قدم الاتحاد نفسه ، لأنه لا يعقل أن نعاقب بشدة الجمهور الذي يخطئ و لا نكافئ الجمهور الرياضي ، إذ كان الأجدر بالاتحاد و الرابطة الإعلان عن جوائز قيمة للأندية و للجماهير التي تحترم الأخلاق الرياضية و جوائز خاصة بلجان الأنصار التي تنجح في القيام بدورها في محاربة الشغب.

ويبقى دور الإعلام خاصة الصحف المتخصصة مهماً ومحورياً في معالجة مثل هذه الظواهر الخطيرة ، غير انه و الحقيقة تقال إن البعض من هذه الصحف و ليس الكل يسبح في الاتجاه المعاكس ويحرّض الجمهور على استخدام العنف ، من خلال تصريحات اقل ما يقال عنها إنها بذيئة تتحدث عن الثأر و كأنها حرب و ليس مجرد مباراة ، يدلي بها لاعبون و مدربون في حوارات مفبركة يكتشفها أي قارئ، و بعضها تعيد نشر ما حدث في بعض الملاعب من حوادث مرت عليها سنوات ، و كأنها تذكر بها ، ما يؤكد ان بعض الصحف تقتات من مثل هذه الظواهر ، لذلك فهي مطالبة بمراجعة مواقفها و التركيز على الجانب الفني للمباراة فقط وتفادي عنصر الإثارة .