عرفت السنوات الأخيرة ارتفاعا خيالياً لأسعار اللاعبين في الجزائر مما جعل الكثير منهم يبرمون صفقات من العيار الثقيل لم يألفها الجمهور الجزائري حتى عندما كانت الكرة الجزائرية في أوج عطائها وبريقها أيام الجيل الذهبي في عشرية الثمانينات من القرن الماضي خاصة أن هذا الارتفاع لم يرافقه تطوراً في المستوى الفني لمباريات الدوري بل العكس هو الذي حدث.

وأصبح المليار هو اللغة السائدة في سوق الانتقالات والرابط بين اللاعب والنادي رغم أن جل الأندية تعاني أزمات مالية خانقة وتعيش على ما تجود به السلطات الحكومية من مساعدات، و أكثر من ذلك فإنه وعلى عكس ما يحدث في أوروبا حيث تستعيد الأنديةما خسرته على لاعبيها بفضل عقودهم الإعلانية ومبيعات قمصانهم وغيرها من المنتجات التي تروج في مختلف أنحاء العالم نتيجة تطبيق نظام الاحتراف الغائب في الجزائر ، فهي لا تستفيد أي شيء من هؤلاء اللاعبين لا مالياً و لا فنياً فهي مضطرة لتسريحهم مجاناً خاصة أنهم يمضون على عقود قصيرة لا تزيد عن الموسم الرياضي الواحد والكثير منهم لا يأتي بالإضافة الفنية المنشودة ويصبح وبالاً على ناديه فأقدامهم خشب حتى وأن كانت أسعارهم من ذهب بدليل أن أغلبهم لم يلعب أي مباراة رسمية واحدة مع المنتخب الوطني طوال مشواره الرياضيثم أن الأموال التي يأخذونها معفية من الضرائب.

والحقيقة أن الارتفاع الجنوني لأسعار اللاعبين في الجزائرلا علاقة له لا بالاحتراف ولا حتى بالجانب الفني على اعتبار أنأغلب اللاعبين الذين تم انتدابهم في صفقات غالية لم يتوجوا فرقهم بألقاب وبطولات، و لذلك هناك أسباب أخرى وراء هذا الارتفاع تزيل عنها إيلاف النقاب تنويراً لقرائها .

السبب الأول هو شح السوق الجزائرية من اللاعبين عكس ما كان عليه الحال في عشرية الثمانينات من القرن الماضي حيث كانت الكرة الجزائرية في أوج خصوبتها ، فالأسماء الغاليةتمثل النخبة القليلة التي تتصارع عليها الأندية ومستعدة لدفع أي مبلغ للتعاقد معها والتي وجدت نفسها تحتكر السوق أما بقية اللاعبين والذين يمثلون السواد الأعظم فأسعارهم زهيدة جدا.

و مما زاد من حدة الاحتكار هو تحديد سقف انتداب اللاعبين الأجانب بثلاثة لاعبين ثم اثنين فقط وهو ما قلص من خيارات الأندية خاصة تلك الراغبة في المنافسة على البطولات وأصبحت مضطرة للتسوق داخليا فقط وبالتاليفقانون العرض والطلب يخدم اللاعب وليس الأندية.

السبب الثاني هو غياب التكوين والتنقيب عن المواهب اليافعة وتراجع مدارس كانت تقوم بهذا الدور على غرار مدرسة جمعية وهران و نصر حسين داي بسبب قلة الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة أمامها في وقت تفضل الأندية الكبيرة إستراتيجية التعاقد مع اللاعب الجاهز بغض النظر عن تكاليفه المادية ما دام انه يعفيها عناء تكوينه ، و هو ما تجلى بشكل واضح في ارتفاع أسعار عدد من اللاعبين رغم أنأعمارهم قاربت أوفاقت الثلاثين ، وهذا و ما دفع بالاتحاد الجزائري إلى إجبار الأندية على إشراك لاعبين من فئة الشبان ضمن تشكيلة الفريق الأولمن اجل حثها على الاهتمام بالمواهب.

السبب الثالث يرتبط بالمنافسة غير الشريفة وغير النزيهة بين رؤساء الأندية خاصة الخماسي سعيد عليق الرئيس الأسبق لاتحاد العاصمة و محمد زعاف الرئيس الأسبق لاتحاد البليدة وعيسى منادي رئيس اتحاد عنابة وعبد الحكيم سرار رئيس وفاق سطيف وشريف حناشي رئيس شبيبة القبائل، حيث لجئوا إلى المضاربة في سوق لا قواعد لهامستغلين غياب الرقابة الماليةلتقديم عروض مالية سخية للاعبين يعرفون جيدا أنهم لا يساوونها من الناحية الفنية لدرجة دخولهم في صراعات شخصية للظفر بخدمات هذا اللاعب أو ذاك والجميع يتذكر صائفة العام 2004 التي عرفت حرباً بين رئيسي البليدة والقبائل للتعاقد مع المهاجم عبد المجيد طهراوي لاعب اولمبيك الشلف قبل أن ينتقل في الأخير إلى البليدة الذي قدم رئيسها عرضاً فاق المليار رغم أن اللاعب لم يسجل سوى هدف واحد من ركلة جزاء ، كما أن بعض الرؤساء و منهم سرار تعاقدوا مع لاعبين دون حاجتهم إليهم بل فقط لقطع الطريق أمام خصومهم والبعض الآخر يلجأ إلى تقديم عروض وهمية للاعبين لرفع أسعارهم مما ينعكس سلباً على خزائن الأندية التي ترغب حقا في استقدامهم ، و رؤساء آخرون يتعمدون شراء لاعبي الأندية المنافسة لهم لإضعاف قدراتها في المنافسة.

العامل الآخر الذي ساهم في تفاقم هذه الظاهرة هو السياسة المنتهجة من قبل اللاعب ولقيت موافقة النادي وهي الإمضاء على عقد لا تزيد مدته عن الموسم الواحد حتى يجد نفسه في آخر الموسمطليقاً من أي التزام قانوني تجاه إدارة فريقه وبالتالي فالمفاوضات عادة ما تتم بين اللاعب و ناديه الجديد دون إشراك ناديه الأسبق والمال المعروض عليه لوحده فقط وهو ما خلف فوضى عارمة في السوقو مع هذه السياسة العقيمة أصبحت الأندية مجبرة على تعاقدات جديدة بحلول كل ميركاتو صيفي أو شتوي لتفادي الهجرة الجماعية وهو ما حدث هذا الصيف لوفاق سطيف، عكس ما هو سائر في الأندية الأوروبية إذ تقيد لاعبيها بعقود طويلة المدى حفاظا على مصالحها المادية و الفنية.

وبدوره ساهم الإعلام الجزائري فيرفع أسعار العديد من اللاعبين خاصة بعض الصحف المتخصصة التي تنشر أخباراً وهمية عن تلقيهم عروضا من أندية أخرى محلية و حتى أجنبية وهو ما يحدث حتى بالتواطؤ بين اللاعب والصحفي ، فيؤدي إلى تسارع الرؤساءلإقتناء السلعةوهم يظنون أنهم اصطادوا أفضل فريسة فإذا بهم يقعون في المصيدة ، و يتجلى ذلك بشكل واضح في الحوارات اليومية التي تؤكد تلقي أغلب لاعبي الدوري الجزائري عروضاً عربية و أوروبية وهم بصد دراستها للبث فيهاليفاجئوا الجميع بتجديد عقودهم أو الانتقاء إلى اقرب ناد.

ويضيف المحللون المختصون في الميدان المالي سبباً آخر لا يقل أهمية عن الأسباب السالفة الذكر و يتعلق بمصدر الأموال التي تشترى بها تلك الأقدام العقيمة فرئيس النادي لا يدفع من جيبه ديناراً واحداً فالأموال كلها تأتي من مصدر واحد هو خزينة الدولة التي تدفع للأندية مساعدات كبيرة كل عام للحفاظ على وجودها من الانقراض، و بالتالي فهي غير معرضة لخطر الإفلاسالذي يهدد كبرى الأندية في العالم التي لجأت إلى التقشف للحد من التكاليف.

و يستغل الرؤساء تلك المساعدات في انتدابات خيالية وبعدها بأسابيع تجدهم يتباكون لتعجيل تسريح الإعانات الحكومية ،نجد بعض رؤساء الأندية التي تشارك في مسابقات قارية يدفعون الملايير للاعبين ويطالبون الاتحاد أو الوزارة الوصية باقتناء تذاكر الطيران أثناء رحلاتهم الإفريقية.