تضم منطقة شترال قبائل (كيلاش) في ثلاثة أودية منها، وهي وادي رمبور وبمبوريت وبرير. وتعتبر تلك القبائل من بقايا جيوش الإسكندر المقدوني الذي مر بتلك المناطق في طريقه من أفغانستان إلى دير والمناطق الأخرى.

تشير الروايات الشعبية إلى أن آباء كيلاش كانوا جنودًا مصابين في الجيش الإسكندري فتركهم في تلك الأودية ليلقوا مصيرهم. ويقال إن عدد السكان الكيلاش لا يزيد على بضعة آلاف نسمة؛ بيد أنهم لا يزالون محافظين على نمط حياتهم ويتميزون من سكان المنطقة بملامح وجوههم وملابسهم.
كما أن تلك الأودية الثلاثة تعتبر محط رحال السيّاح المحليين والأجانب على حد سواء؛ بيد أن اهتمام الأجانب ولاسيما الغربيين منهم أكثر، في حين تمول الخارجية اليونانية مشاريع في تلك الأودية حرصًا على إنقاذ تراثها التاريخي الذي انقرض في مهده.
وتقع الأودية الثلاثة على الجهة الغربية لنهر شترال ويربطها بشترال جسران كائنان في بلدة (أيون). وقد زارت quot;إيلافquot; وادي بمبوريت للمرة الاولى، مخترقة الطريق الوعرة إلى تلك المنطقة النائية التي تقع بين جبال هندوكش الشامخة التي لا تغيب قللها المتوجة بالثلوج عن أعين الزوار في أي وقت من السنة.
ويقع وادي بمبوريت على مسافة نحو 20 كلم من بلدة أيون. وتقود إليه طريق وعرة غير معبدة. وهو وادٍ يقع في سفوح جبال شامخة على ضفتي نهر بمبوريت الذي ينبع من جبال هندوكش وينصب مع رافده نهر رمبور في نهر شترال. ويتوزع الوادي على عدد من القرى الجميلة يقطنها مسلمون وكيلاش معاً، إضافة إلى قرى معظم سكانها من الكيلاش.
يذكر أن الكيلاش لا يتبعون أي دين بعينه، بل لديهم تقاليد لا تنسجم مع أي ديانة سماوية. - راجع المقال المنشور في إيلاف تحت عنوان: (الرقص من المهد إلى اللحد) للتعرف على تقاليد الكيلاش-.
وقد وصلت إيلاف إلى قرية )بوني) و(كراكال) في وادي بمبوريت لمشاهدة حياة الكيلاش عن كثب.تضم قرية بوني عددًا من المطاعم والفنادق الفصلية، إضافة إلى متحف التراث الكيلاشي ومدارس ومستشفى بيطري.
استقبل مدرس كيلاشي في مدرسة ابتدائية رسمية صحيفة quot;إيلافquot; بكل حفاوة وجال بها في الغرف الثلاث للمدرسة حيث يدرس أطفال الكيلاش، بنات وبنين معًا. كما أنه سمح بالتقاط بعض الصور أيضا.
وبعد ذلك وصلنا إلى متحف التراث الكيلاشي الذي يجسد جميع نواحي حياة الكيلاش. يذكر أن ذلك المتحف من ثمرات جهود مواطن يوناني تم ترحيله من باكستان قبل فترة بعد أن تعرض لعملية اختطاف. وتم إنشاء مبنى المتحف وفق المعايير البيئية حتى لا يوجد به الكهرباء أيضا، في حينيضم نصف مبنى المتحف مدرسة تختص بالتراث الكيلاشي ويدرس فيها الكيلاش فقط؛ علمًا أن الدخول إلى المتحف بالتذكرة. كما تُطلب رسوم للسماح بتصوير المتحف أو التقاط صور فوتوغرافية.
أما قرية (كراكال) فإنها تشمل بعض أهم معالم التراث الكيلاشي أولها (جشتا خان). وهو يتمثل في قاعة كبيرة تقام فيها المهرجانات. كما أن الميت يوضع فيها لمدة ثلاثة أيام ويرقص الجميع حول النعش طوال الوقت ويمرحون ويأكلون. ثم ينقلونه في تابوت إلى ساحة الموتى ndash; لم استخدم كلمة مقبرة لأن ذلك الموقع ليس مكانًا لقبر الموتى-، بينما يستخدم الطابق العلوي قاعة للطعام.
كما يقع في تلك القرية مرقص ذو مدارج. يقال إنهم يرقصون فيه في المناسبات ومن دون المناسبات أيضًا، علمًا أن بيوت تلك القرية ملتصقة بعضها ببعض، بينما يسمح بدخول البيوت برحابة صدر إذا كان مع السائح أحد من أهل القرية.
ويقع على الجانب الأيسر من الطريق في كراكال (باشالي). وهو عبارة عن مبنى ذي عدة غرف مع بوابة كبيرة فيها باب صغير منخفض ويؤوي المرأة الكيلاشية من تلك القرية خلال أيام الدورة الشهرية وأيام وضع الحمل. ولا يسمح لأحد بدخوله، بينما يوضع الطعام للمرأة على باب باشالي من دون أن يرفعه إليها أحد؛ لأن التقاليد الكيلاشية تمنع مس المرأة خلال تلك الفترة. يقال إن باشالي في الماضي كان مكانًا لا توجد فيه أي مرافق؛ لكن هذا باشالي الذي أنشأه اليوناني الذي أنشأ المتحف، يتضمن مرافق تساعد المرأة على قضاء تلك الفترة القاسية.
ولعل ساحة الموتى أغرب ما يرى أحد بعيونه في (كراكال). إذ ترى عظامًا بشرية بالية منثورة أمامك تحت شجرة صنوبر عتيقة. وتقع ساحة الموتى على الجانب الأيسر من الطريق العام على بعد نحو مائة متر. وفيها صناديق مفتوحة تحتوي على بقايا عظام البشر. والتقليد عند الكيلاش أن يرقصوا حول الميت ثلاثة أيام ثم ينقلوه في صندوق مصنوع من خشب الصنوبر مع جميع مقتنياته من الساعة والبندقية والحلي إلى ساحة الموتى وأن يضعوا الصندوق تحت تلك الشجرة الكبيرة؛ إلا أن تغيّرًا طرأ على ذلك التقليد بعد أن بدأ مسلمون نبش تلك الصناديق لسلب ما فيها من المقتنيات. والآن لا توضع المقتنيات مع الميت كما يدفن الصندوق تحت الأرض. ومن الغريب أن ساحة الموتى الكيلاش تؤوي جثة مواطن أوروبي أيضًا. يقال إنه قتل في تلك المنطقة وأوصى بتشييعه وفق التقاليد الكيلاشية. ويتميز رفاته الآن من الكيلاش بحيث لم يوضع في تابوت مغلق، بل وضعت جثته على الأرض وأقيم حولها سياج من خشب.
ويخشى المحللون انقراض الكيلاش لعدد من الأسباب وأكبرها النسبة المرتفعة للوفيات في الأطفال. وذلك بسبب أن الكيلاش يقصون النساء من بيوتهم خلال الدورة الشهرية وأيام وضع الحمل. فالمرأة تقضي تلك الفترات في منزل خاص يسمى (باشالي) بعيداً عن الأسرة. ولا تلقى أي رعاية تذكر، في حين يقدم أهلها لها ما يسد رمقها من دون أن يمسها أحد. وقد قام ناشط يوناني بإنشاء (باشالي) في قرية (كراكال) لاستضافة المرأة الكيلاشية خلال تلك الفترة مع تقديم بعض التسهيلات.
من جهة أخرى، تركز منظمات غير حكومية غربية على مشاريع تهدف إلى رفع مستوى حياة الكيلاش وأهمها تتمثل في التعليم والرعاية الصحية من أجل تثبيتهم على تقاليدهم؛ بيد أن مراقبين يرون أن التعليم سبب في القضاء على تقاليد الكيلاش وليس سببًا في الحفاظ عليها، مبررين بأن الكيلاش عادة يعتنقون الإسلام أو على الأقل يبتعدون عن تقاليدهم ويتجاهلونها بعد حصولهم على التعليم؛ لأن التعليم يدلهم على خطأ المفاهيم التي يؤمنون بها.
من جهة أخرى، يعيش الكيلاش فقرًا جراء الشح في وسائل الدخل، بينما يشير محمد جعفر وهو مسؤول متقاعد من قطاع الصحة وقد قضى فترة في وادي برير إضافة إلى احتكاكه اليومي مع الكيلاش، إلى أن الكيلاش يحبون الصيت والتعلي على الآخرين كثيراً. وبالتالي فإنهم يبذرون أموالهم في الأمور التي يتباهون بها على الآخرين، مضيفاً أنه ورغم أن الكثير منهم لا يتغدون توفيرًا للطعام، يقيمون وليمة تستمر ثلاثة أيام على من يموت منهم ويقدمون كل ما لديهم إلى الضيوف الذين يحضرون من الأودية الثلاثة ويرقصون على الميت ثلاثة أيام.