تضم قائمة ضحايا جرعات المخدرات الزائدة أسماء فنانين أمثال أمي واينهاوس وهيث ليجر وفيليب سيمور هوفمان وغيرهم، واليوم توصل العلماء إلى جسيمات دهنية، تلتهم السموم والبكتيريا والمخدرات من الدم.


نال فريق من الباحثين السويسريين من جامعة زيورخ جائزة الدولة للابتكار مع مبلغ دعم قدره 130 ألف يورو، هدفه مواصلة أبحاثهم على الجسيمات الدهنية الناقلة(الليبوسوم).

جهاز غسيل
نجح فنسنت فورستر وميريام كاباي وجان كريستوف ليروا في تطوير ليبوسومات قادرة على إنقاذ البشر من صدمة جرعة المخدرات الزائدة، ومن الفشل الكبدي.
الليبوسومات المطورة عبارة عن جسيمات كروية غاية في الدقة، ذات غلاف دهني، تتولى اقتناص جسيمات المخدرات والعقاقير الخطرة والسموم المختلفة وتخليص الجسم منها.
ويعاني 450 مليون مريض من عجز الكبد على المستوى العالمي سنويًا، بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، ويمكن لمثل هذه الليبوسومات أن تعوض الكبد العاجز وظيفيًا بأن تتولى تخليص الدم من السموم. فهي تعمل كجهاز "غسيل"، شبيه بالأجهزة التي تعوض عن عمل الكلى، ولا تتسبب باعراض جانبية.

أثبتت فاعليتها
تحدث مختلف الصدمات المسببة لعجز الكبد بسبب جرعات مفرطة من عقاقير البيتابلوكر، وأدوية معالجة الاكتئاب والأمراض النفسية والعقاقير المنومة (الباربتويريت) وغيرها، لكن يمكن لجرعات زائدة من الكوكايين أو الهيرويين أو المخدرات الاصطناعية أن تتسبب بها. المقلق هو عدم وجود طرق علاجية موحدة لمثل هذه الصدمة، لأن العلاج يعتمد على السبب.
ويقول فورستر إن هذه الطريقة، على أهميتها العالمية، سريعة ورخيصة وتناسب بلدان العالم الثالث الفقير تمامًا، لأن طرق الانقاذ الأخرى معقدة وغالية ولا تتوافر إلا في المستشفيات الكبيرة. وتمت تجربة كريات الليبوسوم على المرضى في المستشفيات، عن طريق زرقها تحت الغشاء البطني، وثبت انها فعالة في مكافحة جزئيات السموم، ومن السهل زرقها ثم استرجاعها من الجسم بالكامل.

تجارب على الفئران
تستخدم كريات الليبوسوم منذ سنوات في الصيدلة أداة تنقل العقار المطلوب إلى داخل الجسم وإلى العضو الحيوي المعني. إلا أن فريق العمل السويسري زوّدها بجدار من الدهون تحتوي في تجويفها على أحماض الدهنية، كما تمكنوا من تقليص حجمها إلى 200 ميكروميتر. والمهم أنهم صنعوا جدران هذه الليبوسومات الصناعية من مواد دهنية استمدوها من جسم الإنسان نفسه.
واختار فورستر طريقة الضخ في غشاء الأحشاء بسبب غناه بالأوعية الدموية، وهكذا تمكنت الليبوسومات خلال 30-60 دقيقة من "غسل" دم المريض من المواد السامة ثم الخروج من الجهة الأخرى بمساعدة جهاز امتصاص. وجرى في عملية نفذت على فئران، تلقت جرعات زائدة من المخدرات، ضخ الليبوسومات التي اقتنصت جزيئات المخدر السامة وخزنتها داخلها، ثم تم إخراج الليبوسومات مجددًا من الجسم بمساعدة سائل متدرج الرقم الهيدروجيني(PH) من دون أن تتأثر بقية أعضاء الجسم والدورة الدموية المحيطية.

التهمت السموم
جربوا فاعلية الغسيل الليبوسومي في فئران الاختبار على صدمات عديدة افتعلها الأطباء بواسطة عدد من الأدوية. وكان بينها تجربة لصدمة تناول عقار فيراباميل لمرضى القلب، الذي لا يعرف الطب عقارًا مضادًا له حتى الآن. وكانت النتائج مذهلة، بحسب تقدير فورستر، لأن الليبوسومات التهمت خلال 8 ساعات نحو 90% من الجرعة التي زرقت في الفئران، وكان زرقها بدأ بعد ساعة ونصف من الصدمة.
ونجح الأطباء في استعادة الليبوسومات كلها عن طريق تدويرها في الدم عبر الأوعية الدموية في البريتونيوم.
واعتبر فورستر ابتكار الليبوسومات الملتهمة للسموم مهمًا جدًا في طب الطوارئ، وقال انه ينتظر أن يجرى انتاج سائل "الغسيل" المتدرج الرقم الهيدروجيني(PH) بكميات تجارية، لأن أهمية اخراج الليبوسومات من الجسم لا يقل أهمية عن زرقها في جسم الإنسان.

ضد الجراثيم أيضًا
نجح فريق من علماء جامعة بيرن السويسرية في العام الماضي في تطوير ليبوسومات تتولى تنظيف الدم من البكتيريا. ويمكن لهذه الجسيمات الدهنية أن تكون بديلًا علاجيًا جيدًا حيثما تفشل المضادات الحيوية في مقارعة البكتيريا المقاومة لها. وصنع ادوارد بابيتشوك وزميلته انيتا دريغر أغلفة الكريات الدهنية (الليبوسومات) من أحماض دهنية مستمدة من أنسجة الجسم البشري نفسه، وهي أفضل طريقة للاحتيال على ظاهرة رفض الأجسام الغريبة من قبل نظام المناعة الجسدي. ونجحت الليبوسومات هنا في امتصاص السموم التي تبثها البكتيريا المرضية في دم الإنسان.

وذكرت انيتا دريغر أن البكتيريا، مهما كان نوعها وعدوانيتها، لن تطور مقاومة ضد الليبوسومات لأن الأخيرة تعمل ضد السموم وليس ضد البكتيريا نفسها. وتمت تجربة الطريقة على الفئران المخبرية في أطار مشروع مشترك شارك فيه علماء من جنيف وزيورخ وبيرن. ونالت شركة سويسرية حق انتاج العقار باسم(CAL02) بعد أن نال معهد الأبحاث الجرثومية في جامعة بيرن براءة الاختراع.
وجرى في المستشفى الجامعي التابع لجامعة بيرن تجربة العقار على مرضى يعانون من التهابات رئوية سببتها بكتيريا ستريبتوكوكاس مقاومة للمضادات الحيوية المعروفة.